"فلسطين 36"... استعادة سينمائية لعام مفصلي في التاريخ المعاصر

ثقافة 15-12-2025 | 06:41

"فلسطين 36"... استعادة سينمائية لعام مفصلي في التاريخ المعاصر

يُعيد الفيلم تفاصيل الحياة اليومية في القرى الفلسطينية قبل التحولات الكبرى التي سبقت النكبة.
"فلسطين 36"... استعادة سينمائية لعام مفصلي في التاريخ المعاصر
مشهد من فيلم "فلسطين 36".
Smaller Bigger

أحمد عدلي

يشكّل فيلم "فلسطين 36" للمخرجة آن ماري جاسر أحد أبرز العروض العربية التي احتضنها مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، إذ يعود بالمشاهد إلى ثلاثينات القرن الماضي في لحظة مفصلية من تاريخ فلسطين تحت الانتداب البريطاني. 

يُعيد الفيلم الذي رشّحته فلسطين لتمثيلها في الأوسكار، تفاصيل الحياة اليومية في القرى الفلسطينية قبل التحولات الكبرى التي سبقت النكبة، ويركّز على تلك اللحظة التاريخية التي بدأ فيها النفوذ البريطاني يرسم ملامح الصراع الممتد حتى اليوم.

ينسج العمل حكايته عبر شخصيات متعددة تعيش بين القرية والمدينة، ويقدّم رؤية عميقة لمجتمع يقف على أعتاب تغيّرات كبرى، بين مقاومةٍ تولد في الحقول والجبال وصحافة تقاوم بإعادة كتابة الحقيقة، وبين بشرٍ يحاولون الحفاظ على روابطهم الأولى أمام تاريخ يتبدّل بسرعة. 

 

فريق العمل في العرض العربي الأول للفيلم.
فريق العمل في العرض العربي الأول للفيلم.

 

بهذا البناء المتعدّد الطبقات، يمزج الفيلم بين التاريخي والإنساني، ويقدّم صورة واسعة لبلد يتشكّل من جديد، لكنه في الوقت ذاته ينهار تحت ثقل القرارات الاستعمارية، فيحكي عن تحوّل القرى والحواضر الفلسطينية قبل النكبة، ويعيد تشكيل صورة الحياة اليومية التي اندثرت تحت ثقل سياسات الاحتلال، مستعيناً بلغة سينمائية تجمع بين مشاهد أرشيفية ملوّنة وأخرى درامية مُعادة البناء بدقة. وعلى مدار أكثر من عامٍ كامل في زمن الأحداث، تتقاطع مصائر شخصيات من خلفيات مختلفة، ليظهر صراع الأرض والهوية في لحظة تاريخية تتصاعد فيها التوترات وتتشكّل فيها بدايات الوعي الوطني المقاوم.

يقول الممثل جلال الطويل لـ"النهار" إن مشاهدة العمل مع الجمهور في جدة كانت من اللحظات الأكثر تأثيراً في مسيرته، موضحاً أنّه انتظر اكتمال الفيلم لأشهر طويلة قبل أن يرى النتيجة النهائية على الشاشة. ورغم خبرته التي مكّنته خلال التصوير من الحفاظ على مسافة مهنية بينه وبين الشخصية، فإنّه خلال العرض وجد نفسه يتفاعل انفعالياً مع التفاصيل التي صاغتها المخرجة، حتى انهمرت دموعه مرتين. 

 

جلال الطويل في مهرجان البحر الأحمر.
جلال الطويل في مهرجان البحر الأحمر.

 

الفيلم جاء أكبر وأعمق مما توقّعه الطويل، ويشير إلى أنّ رؤية الجمهور العربي يتلقّى العمل بهذه الحساسية منحته شعوراً خاصاً لا يشبه أي تجربة سابقة. برأيه، تضاعفت أهمية الفيلم في الوقت الراهن، "إذ بات من المستحيل فهم المشهد الحالي في فلسطين من دون الرجوع إلى الجذور الممتدة قبل 1948، وصولاً إلى سنوات ما قبل الانتداب ذاته".

ويرى أنّ "فلسطين 36" يعيد ترتيب السياق التاريخي والجغرافي لما يجري اليوم، بعيداً من الصورة المبتورة التي تحصر القصة بتاريخ محدّد، موضحاً أن الفيلم لا يقدّم درساً سياسياً مباشراً، بل يطرح أسئلة أخلاقية حول الظلم والحق والذاكرة، ويعيد الإنسان إلى مركز الصراع من دون شعارات، معتمداً على كشف البنية العميقة التي حكمت علاقة الفلسطيني بأرضه في تلك المرحلة.

وأكّد أنّ الجمهور الأوروبي، وبخاصة في بريطانيا وإيرلندا، أظهر فهماً متزايداً لطبقات القصة بسبب مراجعة مجتمعاتهم لأثر السياسات البريطانية القديمة على المنطقة العربية، وأن ذلك التفاعل انعكس بوضوح خلال العروض الخارجية للفيلم.

أمّا مخرجة الفيلم آن ماري جاسر فقالت لـ"النهار" إن العمل على الفيلم كان بمثابة محاولة لإعادة قراءة مرحلة شديدة الحساسية من التاريخ الفلسطيني، مرحلة تختلط فيها البدايات الأولى للثورة مع معالم المجتمع الذي كان على وشك أن يتغيّر إلى الأبد، مؤكدة أنّ ما دفعها إلى إنجاز المشروع هو رغبتها في إعادة إحياء أصوات الناس الذين عاشوا تلك المرحلة، أولئك الذين لم يصلنا عنهم في الذاكرة الجمعية سوى شذرات مبعثرة.

 

آن ماري جاسر في العرض العربي الأول للفيلم.
آن ماري جاسر في العرض العربي الأول للفيلم.

 

وأكّدت أنها كانت حريصة على أن تتجاور في الفيلم الشخصيات البسيطة مع الشخصيات السياسية، وأن يظهر عالم القرية إلى جانب المدينة، ليشعر المشاهد أنّه أمام حياة كاملة وليست مجرد فصل من كتاب تاريخي، لافتة إلى أن جمع المواد الأرشيفية وتلوينها لم يكن مجرد خيار جمالي، بل محاولة لترميم ذاكرة بصرية مفقودة وإعادة وصلها بجسد الحكاية الدرامية.

فرضت الظروف السياسية على فريق العمل تغييرات جذرية، بدءاً بفقدان مواقع التصوير الأصلية ووصولاً إلى إعادة بناء قرية كاملة من الصفر في شمال الأردن. وتلفت إلى أن هذه الصعوبات لم تُضعف التجربة بل عمّقتها، إذ شعر الفريق بأكمله أنهم يعيدون خلق فلسطين كما كانت، في الوقت نفسه الذي يرون فيه صورتها تتعرض للتشويه أو المحو على أرض الواقع.

 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

دوليات 12/14/2025 3:19:00 PM
تحوّل صاحب متجر الفواكه أحمد الأحمد إلى "بطل بوندي" بعدما انتزع سلاح أحد المسلحين خلال هجوم على احتفال الحانوكا في شاطئ بوندي بسيدني، منقذًا عشرات الأرواح قبل أن يُصاب ويُنقل إلى المستشفى.
دوليات 12/15/2025 1:50:00 PM
يقضي الأطفال ووالدتهم معظم وقتهم في التسوق، ويملأون منزلهم الروسي الجديد بالسلع الفاخرة، بحسب مصدر قريب من العائلة.
دوليات 12/15/2025 2:38:00 PM
تحدّثت تقارير عن صلة محتملة لإيران واستخباراتها بهجوم سيدني.
العالم 12/14/2025 11:00:00 PM
الأب لقي حتفه بينما يرقد الابن في المستشفى.