بؤساء الأرض بريشة إيزابيل دي أوبالديا في السان جرمان
تحت عنوان "نحن هنا ممزقون" افتتح في "معهد أميركا اللاتينية" في قلب حي سان جرمان دي بري العريق في باريس معرض كبير للفنانة البنمية إيزابيل دي أوبالديا (من مواليد عام 1957) يندرج في إطار نشاطات المعهد للتعريف بأبرز الوجوه الإبداعية الأميركية اللاتينية في الآداب والفنون التشكيلية والبصرية.
ما يميز مسيرة الفنانة أوبالديا الممتدة منذ أكثر من أربعين عاما، اعتمادها على وسائط فنية وتقنية متنوعة، منها الرسوم الجدارية الملونة وأشرطة الفيديو والمنحوتات الزجاجية، للتعبير عن حالات إنسانية عميقة تعكس أوجاع بؤساء الأرض بسبب انتشار الفقر والفساد والعنف الاجتماعي والسياسي في اميركا الجنوبية.

في معرضها الجديد المنفذ باتقان وحرفية عالية، تلجأ الفنانة الى لغة فنية بصرية حديثة، تجريدية وتصويرية في آن. تتوقف عند مأساة المهاجرين الذين يغامرون بحياتهم أثناء محاولتهم عبور منطقة دارين للوصول الى الولايات المتحدة بحثا عن فرص حياة أفضل. دارين، كما هو معروف، غابة استوائية شاسعة تخلو من الطرق وتفصل بين دولتي بنما وكولومبيا وهي المعبر البري الوحيد بين أميركا الجنوبية والوسطى. تتألف المنطقة من المستنقعات والنباتات الكثيفة والأنهر والتضاريس الوعرة والثعابين السامة. يتعرض عابرو هذه الغابة للدغات الحشرات والأمراض الجلدية كما يتعرضون للسرقة والاعتداءات الجسدية والجنسية على أيدي العصابات. وفي السنوات الأخيرة حققت حركة الهجرة أرقاما غير مسبوقة ويقدر عدد المهاجرين بأكثر من 500 ألف شخص عام 2023.

تستعيد الفنانة أوبالديا أجواء الغابة المتوحشة في جداريات ملونة، منها بعنوان "النهر" أنجزتها هذا العام ونشاهد فيها شخصا يعبر النهر الأزرق المحاط بالنباتات الخضراء بأسلوب تصويري مكثف يبين حركة المياه الجارفة. نشاهد جدارية أخرى يهيمن عليها اللون الأخضر، عبارة عن لوحة تجريدية غنائية كبيرة ترمز الى الغابة التي يعبرها المهاجرون للوصول الى بنما.

بالنسبة الى المهاجرين السريين وهم من الرجال والنساء والأطفال المتنوعي الجنسيات، ترمز الفنانة إليهم بمنحوتات زجاجية صغيرة تمثل شخصيات زرقاء أو بيضاء او خضراء، في وضعيات مختلفة. نراها تسبح أو تركض في الغابة أو ترفع ذراعيها متضرعة الى السماء. هكذا يتزاوج النحت الزجاجي مع الرسم الملون في تجهيز فني متكامل يعبر بلغة فنية متينة عن مأساة اجتماعية إنسانية تطال الآلاف سنويا. وتكتمل الصورة مع التسجيلات الصوتية وأشرطة الفيديو التي تشهد لمعايشة الفنانة الشخصية لهذه المأساة بعد زيارتها منطقة دارين أثناء إنجاز أعمالها الفنية المعروضة اليوم في باريس.
نبض