البابا لاوون الرابع عشر: رجل القانون والأرض و"الأقلّ أميركيّةً بين الأميركيّين"
شكّل الظهور الهادئ لأول بابا أميركي على شرفة كاتدرائية القدّيس بطرس في الثامن من أيار/مايو 2025 بداية فصل جديد للكنيسة الكاثوليكية؛ ولكن، بالنسبة إلى أولئك الذين عرفوا روبرت فرنسيس بريفوست عن قرب، كان البابا لاوون الرابع عشر ببساطة امتداداً لحياة طبعها التفاني الإرسالي والخدمة المتواضعة. لم يعش سنواته الأكثر تأثيراً في شيكاغو حيث وُلد ولا في قاعات الفاتيكان الرخامية، بل خلف تلال الشمال البعيدة وطرقاتها المغبرّة في البيرو، حيث أمضى أكثر من عقدين، مبشّراً ثم أسقفاً.
تتجسّد قصّة بريفوست من خلال منظور أوغسطيني حقيقي، حياة مكرّسة للجماعة ولحكمة كلمات القدّيس أوغسطين نفسه: "من أجلكم أنا أسقف، ومعكم، في النهاية، أنا مسيحي". هذه الجملة، التي استشهد بها في خطابه الأول، تكشف عن قلب راعوي تشكّل في رسالة تشولوكاناس البيروفية - حين اصطدم بواقعٍ مكتظّ بالتحدّيات، قوامه عمّال مهاجرون، وفقر متجذّر، وإيمان يتلمّس طريقه وسط الحاجة - ولاحقاً في مدينة تروخيو الصاخبة، حيث كان يدير الإكليريكية الأوغسطينية.

رجل كنيسة عالمي
خضع البابا المستقبلي لتكوين أكاديمي صارم، حائزاً درجات في الرياضيات والقانون الكنسي، واتّسم بقدرة لافتة على الإصغاء. تعرف يداه تراب الأرض ومشقّة أبنائها، ويعرف جدوله تعب الخدمة الرعوية حيث على الكنيسة أن تقف مع الجرحى لا فوقهم. وتجربته البيروفية، التي منحته الجنسيّة المزدوجة، أسبغت عليه طابع رجل الكنيسة العالمي، والجسر الرابط بين الشمال والجنوب، والجامع بين صرامة باحثٍ وتواضع رجلٍ يعيش بين شعبه، و"الأقلّ أميركيّةً بين الأميركيّين".
كانت عودته إلى الفاتيكان عام 2023 بصفة رئيس دائرة الأساقفة - وهي وظيفة مؤثرة تُشرف على اختيار الأساقفة حول العالم - لحظة ثقة كبيرة من البابا فرنسيس. وفي هذا الدور، تجلّت الصرامة الأكاديمية والخبرة الراعوية الميدانية. وقد تمحورت أولوياته حول اختيار أساقفة "رعاة لا بيروقراطيين"، يقرّبون أنفسهم من المؤمنين ويسيرون معهم في الدرب ذاته، أي في روح السينودسية. هذا الأسلوب القيادي الهادئ والدقيق - المعروف بقدرته على تلخيص القضايا المعقدة وطرح الأسئلة الحكيمة - أسهم في تشكيل نوع جديد من الأسقفية، يركّز على التواضع والوصول إلى المهمّشين. وكان بريفوست قد برهن عن هذا الالتزام في البيرو، حيث أصبح أول رئيس للجنة الأسقفية لحماية القاصرين والبالغين الضعفاء.

إرث إصلاحي
حياة لاوون الرابع عشر قوامها الثبات والقوة الهادئة؛ رجل يتقن الإسبانية والإيطالية والإنكليزية، ما يُتيح له الحوار والتلاقي. أما اختياره لاسمه الحبري - تيمّناً بليو الثالث عشر المعروف بدفاعه عن حقوق العمال وتعاليم الكنيسة الاجتماعية - فيشير إلى بابوية مكرّسة للعدالة الاجتماعية، وللفقراء، وكنيسة تتمحور حول الخدمة.
من سهول تشولوكاناس المغبرّة إلى الفاتيكان وما بعده، تروي مسيرة لاوون الرابع عشر قصّة قائد ذكيّ ومتوازن ومتعاطف، يرى رغم موقعه الرفيع أنّ دعوته الأساسية لا تزال دعوة مبشّر؛ ورث الإرث الإصلاحي للبابا فرنسيس، ساعياً مثله إلى كنيسة أكثر شمولاً، تمدّ جسور الحوار بين الأديان وتنادي بالعدالة الاجتماعية، وخدمة الفقراء والمهمّشين، والاهتمام بالقضايا البيئية.
نبض