مديرة "المركز القومي للترجمة" رشا صالح لـ"النهار": نواكب التطور التقني بلا تفريط بالإبداع اللغوي والثقافي

ثقافة 21-11-2025 | 14:22

مديرة "المركز القومي للترجمة" رشا صالح لـ"النهار": نواكب التطور التقني بلا تفريط بالإبداع اللغوي والثقافي

"لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصل في الترجمة إلى ما يستطيعه الإنسان"
مديرة "المركز القومي للترجمة" رشا صالح لـ"النهار": نواكب التطور التقني بلا تفريط بالإبداع اللغوي والثقافي
مديرة المركز القومي للترجمة رشا صالح.
Smaller Bigger

في 17 آب/أغسطس الماضي، أصدر وزير الثقافة المصري أحمد فؤاد هنو قرار انتداب الدكتورة رشا صالح لتولي منصب مديرة المكز القومي للترجمة الذي يُعتبر، وفق تعبيره، "إحدى الركائز الأساسية في برامج عمل الوزارة للتواصل مع العالم والاطلاع على مجالات المعرفة المختلفة". واستهلت الدكتورة رشا صالح عملها الجديد بتدشين "صالون المركز القومي للترجمة"، وكان موضوع حلقته الأولى التي عقدت يوم 28 تشرين الأول/أكتوبر الماضي هو "الترجمة وتحديات التقنية الحديثة".

معروف أن المركز القومي للترجمة تأسَّس عام 2006، وكان أول مدير له هو الناقد الراحل الدكتور جابر عصفور. والدكتورة رشا صالح هي أستاذة الأدب المقارن والنقد الأدبي بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة حلوان. حصلت على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون – باريس 3. وشغلت من قبل مناصب عدة، منها مديرة مركز اللغات للأغراض المتخصصة في جامعة حلوان، ووكيلة كلية الآداب في الجامعة نفسها لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، ثم وكيلة الكلية لشؤون التعليم والطلاب. كما تولت رئاسة تحرير سلسلة الأدب العالمي للطفل والناشئة التي تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب، وهي أيضاً عضو في هيئة تحرير مجلة "فصول"، التي تصدرها الهيئة نفسها، وعضو في لجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة. ولها أبحاث ومشاركات نقدية، بالإضافة إلى ترجمات منها: "وجبة المساء"، "خليل مطران... سيرة ومسيرة" من الفرنسية إلى العربية، و"جيفارا القارة السوداء: قصة للأطفال" من العربية إلى الفرنسية.

"النهار" التقت الدكتورة رشا صالح وأجرت معها الحوار الآتي: 

* ما هو الهدف من إنشاء "صالون الترجمة"، وكيف ترين التحديات التي يفرضها الذكاء الاصطناعي على المترجم؟
- يأتي هذا الصالون الذي يقام برعاية الدكتور وزير الثقافة أحمد فؤاد هنو، في إطار سعي وزارة الثقافة إلى دعم المترجمين والمهتمين بقضايا الترجمة، ومناقشة أثر التطورات التقنية على مستقبل هذا العمل الثقافي الرفيع، وتسليط الضوء على دور المترجم في العصر الرقمي، ومواكبة التطور التقني من دون التفريط في جوهر الإبداع اللغوي والثقافي. ويهدف الصالون إلى خلق حوار مفتوح بين المترجمين والأكاديميين حول دور التكنولوجيا في تطوير أدوات الترجمة، وكيف يمكن للمترجم أن يواكب هذا التحول مع الحفاظ على البعد الإنساني والإبداعي للنصوص المترجمة. واللقاء الأول للصالون يمثل خطوة مهمة في طريق تعزيز الحوار حول قضايا الترجمة المعاصرة، ومواكبة التحولات التي فرضتها التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي على مهنة المترجم. وعموماً فإن هدف "صالون الترجمة" هو خلق مساحة فكرية تجمع المترجمين والباحثين لمناقشة التحديات الراهنة واستشراف مستقبل الترجمة في ظل التطور الرقمي المتسارع. ومن المقرر أن ينعقد الصالون شهرياً، ليكون منبراً للحوار والنقاش حول كل ما يستجد في عالم الترجمة والتقنية والثقافة. الذكاء الاصطناعى له دور كبير ومهم، ولا يمكن إنكاره على الإطلاق، وقد حدث تقدم كبير في هذا المجال، فالترجمة بالذكاء الاصطناعي تعتمد على فكرة الترجمة الآلية العصبية والتي تجعل هناك تسلسلاً من الكلمات المتوالية، ويكون ذلك نتيجة لتدريبات طويلة، ما يساعد على فهم اللغة، وفي كل مرة تكتسب فهماً أدق، وذلك نتيجة خوارزميات تقوم باختزان عدد كبير من المعاني المختلفة. ومن خلال التكرار تستطيع الترجمة الآلية التطوير من عملها. وتتيح الترجمة الآلية ترجمة قدر كبير من الكلمات والنصوص في وقت قصير، وبتكلفة أقل. كل هذه الأمور لا يمكن تجاوزها، ولكن ترجمة النصوص الطويلة بهذه الآلية سوف تفتقد الدقة، ولن تراعي السياق الثقافي والاجتماعي، فضلاً عن أن الترجمة الآلية لا يمكن أن تترجم نصوصاً إبداعية تحتاج إلى التعبير عن المشاعر والانفعالات مثل الشعر، فالمترجم ينفعل بما يترجم، ويصل إلى حلول تصل إلى درجة الإبداع، فالترجمة ليست مجرد نقل كلمات من لغة إلى لغة أخرى، ولكنها عملية مركبة لأنها تتطلب فهماً عميقاً ووعياً بالنص، وبكل ما يحيط به من سياقات. لن تستطيع الترجمة الآلية فهم الأمثال الشعبية مثلاً، والتعبيرات الخاصة الموجودة في كل لغة. لا يمكن للآلة مهما تطورت أن تصل إلى ما يمكن أن يحققه الإنسان.

 

صالون الترجمة.
صالون الترجمة.

 

* نود أن نتعرف على تصورك لإنعاش المركز القومي للترجمة في الفترة المقبلة؟
- سأبدأ ردي على هذا السؤال بالجملة المهمة التى كان يرددها الدكتور جابر عصفور، مؤسس المركز القومى للترجمة: "الترجمة هى قاطرة التقدم". ومن هذا المنطلق فإن المركز القومى للترجمة في حالة عمل دائم ونشاط مستمر، ويصدر كتباً مختلفة تنتمي إلى معارف متباينة. وأطمح إلى مزيد من الإصدارات التي تتلاءم مع المتغيرات المعرفية الراهنة لتلبية حاجة المكتبة العربية وترجمة الأصول الفكرية العالمية والأعمال المعاصرة، ما يتيح للقارئ العربي قدراً رحباً من الاطلاع والمعرفة. وفي هذا الصدد أود أن أذكر على سبيل المثال، أننا أصدرنا الطبعة العربية من كتاب "تاريخ بني إسرائيل" للمفكر والمؤرخ والفيلسوف الفرنسي إرنست رينان، وترجمة داليا محمد السيد الطوخي، ورباب حمدي قنديل، أستاذتي الترجمة بكلية الألسن – جامعة عين شمس. ويأتي هذا الإصدار ضمن خطة وزارة الثقافة والمركز القومي للترجمة لتقديم أعمال فكرية وتاريخية كبرى تُثري المكتبة العربية وتفتح آفاقاً جديدة أمام القارئ العربي. كما أصدرنا الطبعة العربية من كتاب "القاهرة... محاولات لإنقاذ التاريخ"؛ تأليف محمود إسماعيل، وترجمة عاصم عبد ربه حسين، ضمن جهود المركز القومي للترجمة لدعم الوعي بالتراث المصري والحفاظ على الهوية الثقافية، من خلال تقديم أعمال تُبرز قيمة التاريخ والمعمار والإنسان في بناء حضارة لا تزال نابضة بالحياة حتى اليوم.

 

من أحدث إصدارات المركز.
من أحدث إصدارات المركز.

 

* هل يمكن أن نرى قريباً أعمالاً عربية مترجمة إلى الإنكليزية أو غيرها من اللغات، صادرة عن المركز القومي للترجمة؟
- بالفعل هناك أعمال عربية صدرت عن المركز مترجمة إلى الإنكليزية والفرنسية والروسية. وعلى سبيل المثال في هذا الصدد صدر عن المركز رواية "الطوق والإسورة" للكاتب الراحل يحيى الطاهر عبد الله، وكتاب "خيال الحقل" للكاتب الراحل عبد التواب يوسف بعد ترجمة العملين إلى اللغة الروسية. وترجم المركز كتاب "الحب والحرب في عيون طفل" لمحمود عرفات، وقصة "أطفال في طابور الماء" للكاتبة أماني سليمان داود، إلى الإنكليزية والفرنسية. وهناك كتب صدرت تحمل طابعاً تعليمياً مثل كتاب "رحلة العائلة المقدسة في مصر" الذي صدر بالعربية والإنكليزية والفرنسية. إن كتب الترجمة العكسية تقوم بدور مهم في المعارض الدولية، لتعريف العالم بثقافتنا، كما أنها تقدم مادة ثقافية مهمة للديبلوماسية المصرية في أداء دورها للتعريف بالثقافة المصرية.

 

من العربية إلى الفرنسية.
من العربية إلى الفرنسية.

 

* كيف تنظرين إلى واقع الترجمة اليوم مع تنامي تقنيات الذكاء الاصطناعي؟
- نعمل على مواكبة تلك التقنيات في سياق العمل على فكرة التنوع الثقافي ومواكبة التطور السريع في ثورة المعرفة، ومد جسور التواصل مع المؤسسات الدولية والمحلية من خلال اتفاقيات النشر المشترك. وهناك جانب مهم أيضاً تجدر الإشارة إليه وهو التدريب وإعداد المترجمين الشباب وتدريبهم، فهذا جانب نعمل على تطويره بصور مختلفة. ومن هنا جاءت فكرة الصالون التي تقوم على لقاءات دورية مع المترجمين للتحاور معهم. والحمد لله، خرجت الفكرة إلى حيز التنفيذ وأقام المركز أول صالون للترجمة بعنوان "الترجمة وتحديات التقنية الحديثة"، وسوف تتوالى بإذن الله لقاءات الصالون الثلاثاء الأخير من كل شهر، لننناقش مع المترجمين قضايا الترجمة وكل ما يتعلق بها. وأحب أن أنوه في هذا الصدد إلى أن اللقاء الأول للصالون شهد مداخلة للدكتور حسين محمود، وهو من أبرز المترجمين من الإيطالية إلى العربية وقد تناول فيها الأبعاد الفلسفية والفكرية للموضوع، متحدثاً عن تأثير التكنولوجيا على مستقبل الإنسان وفلسفة ما بعد الإنسانية، ومتوقفاً عند مفهوم الترجمة الآلية والتحرير بعد الترجمة، إلى جانب الترجمة الأدبية ومشكلة النص في الترجمة الحديثة، كما أشار إلى أهمية المتون والذخائر في حفظ الذاكرة اللغوية العربية، مؤكداً ضرورة إعادة التفكير في مستقبل الترجمة والمترجم في ظل التحولات التقنية الكبرى التي يشهدها العالم. وفي اللقاء نفسه طرح المترجم عن الإسبانية أحمد عبد اللطيف مجموعة من التساؤلات حول مدى قدرة الذكاء الاصطناعي على التعامل مع النصوص الأدبية المعقدة، فقد تساءل مثلاً عما إذا كان في وسع الآلة أن تترجم عملاً بحجم "دون كيخوته" لثيربانتس، أو أن تحافظ على أسلوب المؤلف وتفهم المجاز الذي يثري النص الأدبي، كما ناقش إشكالية ترجمة الإحالات الثقافية، وكيف يتعامل الذكاء الاصطناعي مع الكتاب الأسلوبيين الذين يكثرون من الجمل الاعتراضية أو يستخدمون تراكيب لغوية غير مألوفة، مستعرضاً نماذج عملية توضح حدود قدرة الآلة في هذا المجال. وتحدثت الأستاذة في كلية الألسن (جامعة عين شمس) مترجمة نسمة دياب، عن أثر الذكاء الاصطناعي على مهنة الترجمة من زاوية مختلفة، موضحة التحوّل الكبير الذي طرأ على دور المترجم في العصر الحديث، والمهارات الجديدة التي ينبغي أن يتحلى بها المترجم المعاصر، والتي تجمع بين إتقان اللغة وفهم أدوات التقنية. كما ناقشت الإخفاقات التكنولوجية التي قد تصاحب الترجمة الآلية حين تخطئ الآلة في نقل المعنى، وتطرَّقت إلى أخلاقيات استخدام التكنولوجيا في الترجمة، وإلى موقع اللغة العربية من أدوات الذكاء الاصطناعي الحديثة.

 

من العربية إلى الروسية.
من العربية إلى الروسية.

 

* هل هناك تنسيق بين المركز وقطاعات وزارة الثقافة ودور النشر عموماً في مصر والعالم العربي التي تنشر أعمالاً مترجمة إلى اللغة العربية؟   
- بالطبع التنسيق موجود داخلياً، سواء مع قطاعات وزارة الثقافة المختلفة، أو مع المراكز الثقافية الأجنبية في القاهرة، ومنها مثلاً المركز الثقافي الصيني، ونعمل في الوقت نفسه على توسيع شبكة الاتصالات الخارجية لأداء هذا الدور، وإثراء دور المركز القومي للترجمة، خصوصاً في مشروع الترجمة إلى العربية الذي نسعى إلى الوصول به إلى الآفاق المرجوة المنصوص عليها في أدبيات إنشاء المركز ومن قبله المشروع القومي للترجمة، وهو مشروع تنمية ثقافية بالدرجة الأولى، وقد انطلق من النتائج الإيجابية التي حققتها مشاريع الترجمة السابقة في مصر مثل "سلسلة الألف كتاب الأولى"، وتجارب أخرى في البلدان العربية مثل دار اليقظة العربية، ودار الآداب، ودار عويدات، ودار المأمون، وسلسلتي عالم المعرفة وإبداعات عالمية في الكويت. وللعلم، فقد وضعنا خطة ترجمة للمعارف المختلفة المتنوعة ولدراسات الترجمة، ونأمل الوصول بالكتب الصادرة من المركز إلى معدلات قريبة من المعدلات العالمية.

الأكثر قراءة

اقتصاد وأعمال 11/20/2025 10:55:00 PM
الجديد في القرار أنه سيتيح للمستفيد من التعميم 158 الحصول على 800 دولار نقداً إضافة إلى 200 دولار عبر بطاقة الائتمان...
سياسة 11/20/2025 6:12:00 PM
الجيش اللبناني يوقف نوح زعيتر أحد أخطر تجّار المخدرات في لبنان
سياسة 11/22/2025 12:00:00 AM
نوّه عون بالدور المميّز الذي يقوم به الجيش المنتشر في الجنوب عموماً وفي قطاع جنوب الليطاني خصوصاً، محيّياً ذكرى العسكريين الشهداء الذين سقطوا منذ بدء تنفيذ الخطّة الأمنية والذين بلغ عددهم 12 شهيداً. 
مجتمع 11/21/2025 8:31:00 AM
تركيا وسواحل سوريا ولبنان وفلسطين ستكون من بين المناطق المستهدفة بالأمطار بعد إيطاليا