إيزابيل أوبير كُرِّمت في تسالونيك: كلّ فيلم جديد هو قفزة في المجهول

ثقافة 10-11-2025 | 08:31

إيزابيل أوبير كُرِّمت في تسالونيك: كلّ فيلم جديد هو قفزة في المجهول

في ما يتعلّق بأهمية التحضير قبل اعتلاء المسرح أو الوقوف أمام الكاميرا، قالت أوبير إنها لم تقرأ ستانيسلافسكي قطّ، ولا تدّعي أنها تتّبع منهجاً محدّداً.
إيزابيل أوبير كُرِّمت في تسالونيك: كلّ فيلم جديد هو قفزة في المجهول
إيزابيل أوبير في تسالونيك (أرشيفية)
Smaller Bigger

تسالونيك - هوفيك حبشيان

مذهلة، آسرة، مربكة هي إيزابيل أوبير في ردودها وأجوبتها. تلك الممثّلة الفرنسية المدهشة، ذات الاثنين والسبعين عاماً، التي كرّمها مهرجان تسالونيك الأخير (30 تشرين الأول - 9 تشرين الثاني)، مع عرض مجموعة من أفلامها، قدّمت لقاءين إثنين: أحدهما مع الصحافة، والآخر مع الجمهور. وقد جاءت تحمل بين ذراعيها فيلمها الأحدث، "أغنى سيدة في العالم"، لتييري كليفا، المستوحى من قضية بانييه -  بيتانكور التي هزت فرنسا، فكان حضورها مناسبة جديدة لنعي كم هي فريدة بين زميلاتها، فرادة بكلّ ما في الكلمة من عمق ومعنى.

أوبير كتلة من البرود الآسر والسينيكية. تقول ما في خاطرها بلا تزيين أو مواربة. مباشرة، صريحة وساخرة في آن واحد. لا أثر للادّعاء أو التملّك في عباراتها وأفكارها. ترافق أجوبتها ابتسامة خفيفة تُلقي بظلالٍ من الحيرة واللبس، تزيدها غموضاً. يصعب ألا ننبهر بها، فهي في الحياة كما على الشاشة: لا تساوم على ما تؤمن به، لا تبرر نفسها، ولا تلتفت إلى الوراء. تقول كلمتها وتمضي. كلّ عبارة منها أشبه بعيار ناري يخرج من المسدّس لمرة واحدة فقط.

عن اللحظة الأولى التي وضعتها في مواجهة الكاميرا، ذكرت أوبير والدها: "كنت يومها في الرابعة. والدي هو الذي صوّرني. لا أذكر أول تجربة مهنية لي، لكنها كانت على الأرجح دوراً ثانوياً في فيلم تلفزيوني، غير أني لا أستطيع تذكّر الانطباع الذي تركه في نفسي". طوال مسيرتها التي انطلقت في مطلع السبعينات، اختارت أدواراً تتصدّر فيها المرأة المشهد. علّقت بالقول: "ربما كنتُ محظوظة، لكن نعم، سعيتُ دائماً إلى المشاركة في أفلام تتّخذ المرأة فيها مكانها. فهذه الطريقة الوحيدة للحديث عن شخصية نسائية، لا كظلّ لرجل، بل ككائن يقف في الواجهة، بكامل حضوره". رغم أدائها الباهر إلى حدّ التماهي المطلق مع الشخصية، كما في "عازفة البيانو" لميشائيل هانيكه، لا تدّعي أوبير أنها ممثّلة معذّبة. الفيلم لا يعمّر في داخلها. "إني ممثّلة فحسب. لا أحمل الأفلام على كتفيّ. أهتم بها، بالطبع، فكرياً، لكن لا على المستوى العاطفي. ما إن يُنجَز حتى يستقلّ بحياته الخاصة. لكن هل يبقى من الشخصيات شيءٌ فيّ، أم أتركها هي الأخرى؟ نحن كممثّلين، يُطرح علينا هذا السؤال دائماً. في الحقيقة، لا يبقى الكثير منها. فإنجاز فيلم هو فعل حاضر مكثّف، وما إن ينتهي حتى يتلاشى معه كلّ شيء. أتنقّل بسهولة من شخصية إلى أخرى. ربما أكون "غير وفية" في هذا المعنى، فحين أتمّ فيلماً، يصبح فوراً خلف ظهري. طبعاً، يعنيني أن يحبّه الآخرون، وأن يُستقبَل بحفاوة، لكن عاطفياً لا أملك المساحة لأحتفظ به في داخلي. كلّ فيلم ينتمي إلى لحظته وحدها".

 

أوبير خلال تقديم أحدث أفلامها (أرشيفية)
أوبير خلال تقديم أحدث أفلامها (أرشيفية)

 

في ما يتعلّق بأهمية التحضير قبل اعتلاء المسرح أو الوقوف أمام الكاميرا، قالت أوبير إنها لم تقرأ ستانيسلافسكي قطّ، ولا تدّعي أنها تتّبع منهجاً محدّداً. "ربما ورثتُ طريقة ما من دون أن أعي. يروق لي أن أظنّ أنني لا أجسّد "شخصية" بل "وضعاً" أو "حالة". أنا أمثّل المشاعر، أجسّد الإحساس. وربما يكون هذا متجذّراً في أسلوب معاصر في الأداء، يختلف عن النمط القديم الذي كان يركّز على الشخصية في ذاتها. السينما تتغيّر باستمرار، في الماضي كانت الشخصيات تُقسَّم بوضوح بين الخير والشر، أما اليوم فقد أصبحت الحدود بينهما غائمة، أقل يقيناً. ما أن نخطو نحو الدور، حتي ينتهي على الفور الزمن المتوافر للتفكير. لكن قبل تلك اللحظة، إني أفكّر كثيراً".

لاحظ أحد الصحافيين أن أداءها يوحي بأنه يسهل عليها التمثيل. طرح عليها سؤالاً عن تلك "الخفّة الناتورالية" التي تميزها فعلاً، والتي جعلت التمثيل لديها أشبه بشربة مياه. فما كان منها الا أن وافقت على هذا الوصف، بالقول: "ربما لأنني أفعل ذلك بحبّ، فيبدو انه سهل. لم يكن أداء هذا النوع من الشخصيات كتلك التي أجسّدها في "المستقبل" لميا هانسن لاف، أمراً شاقاً عليّ. يسرّني أنك ذكرته، هذا فيلم مشرق، كلّه أمل، ومنفتح على الحياة. أحببتُ العمل عليه كثيراً. فالتعاون مع أشخاص مثل ميا لا يحمل أي صعوبة. الصعوبة الحقيقية هي أن تعمل مع مَن لا تفهمه أو لا تثق به. الثقة هي الكلمة الجوهرية بين الممثّل والمخرج، وبين الممثّل والفيلم نفسه. من دونها، لا يمكن لشيء أن يحدث".

مخرج آخر ذو شأن كبير ذُكِر أثناء أحد اللقاءين: كلود شابرول الذي أدارها في سبعة أفلام وأكثر من وظّف اللمسة الأوبيرية. "فيلمه "الاحتفال" بالغ الأهمية لي. الصراع بين الخير والشر يهيمن على نسيجه، فيما تتجلّى فيه أيضاً الطبقية بأقصى حدّتها. فالتفاوت الاجتماعي يمكن أن يفضي إلى عنفٍ متفجّر، والفيلم يحاول أن يجعلنا نفهم هذا العنف، من دون أن يبرّره. ورغم هذا كله، لا يخلو العمل من بُعدٍ ساخر. أحببتُ كلّ الأفلام التي جمعتني بشابرول، لأنها تتيح الحديث عن عنف المشاعر، وعنف العيش المشترك، من دون أن تكون مثقلة أو خانقة".

صحيح ان أوبير عُرفت من خلال السينما، لكنها ممثّلة مسرح حيث أدّت عشرات الأدوار. "المسرح مرهق، جسدياً وذهنياً. أما التمثيل فيه، فيتطلّب وعياً كاملاً وتركيزاً مستمراً، لأن كلّ حركة يمكن رؤيتها. وإذا استطعتَ تجاوز الارتباك الذي يرافق البداية، فيصبح عالماً ساحراً. يختفي الجمهور، ويولد عالم متخيل تسوده عزلة جميلة. هذا إحساس رائع. لا يمكنك أن تظلّ تفكّر بوجود الجمهور، عليك فقط أن تعيش التجربة بكلّ ما فيها من كثافة وصدق. المسرح جعلني أتأمّل في كيفية نشوء العالم. في البداية، لا يوجد سوى خشبة عارية، ثم يبدأ كلّ شيء في التشكّل. الفضاء يكون فارغاً، خالياً، ثم يتفتح ببطء ليصير كوناً".

أوبير التي تعترف انها لا تتخيّل حياتها من دون كتب وأفلام ومسرحيات، ترى ما الذي يحفّزها على الاستمرار؟ ترد: "انه البحث الدائم عن المجهول. فكلّ فيلم جديد لي هو قفزة في المجهول، وهذا بالضبط ما أبتغيه وأحصل عليه في كلّ مرة“.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 11/6/2025 2:49:00 PM
يقاطع التيار الصدري، أحد أكبر التيارات الشيعية في البلاد، الانتخابات ما يجعل المشهد السياسي أمام احتمالات جديدة لتوازن القوى داخل المكونات الثلاثة: الشيعية والسنّية والكردية.
العالم العربي 11/7/2025 6:00:00 AM
مهمة اختيار رئيس الوزراء المقبل ستكون شديدة التعقيد في ظل استمرار الانقسام داخل البيت الشيعي.
العالم العربي 11/7/2025 6:00:00 AM
معركة الصناديق التي ستُفتح الثلاثاء ستفتح بدورها معركة أوسع وأشمل بعد تبيان النتائج.
العالم العربي 11/7/2025 3:10:00 AM
مواكبةً لهذه الانتخابات المفصلية في تاريخ العراق، تفتح "النهار" ملفاً عنوانه "العراق ينتخب: صراع الولاية الثانية"، تقدم فيه قراءة استشرافية لما هو متوقع في دولة تريدها طهران دائماً حديقة خلفية، وتريدها واشنطن أبداً رأس حربة.