طلال الحسيني في "الميثاق المفقود": الطائف أفضل لأنه نص يمكن الركون إليه
محمود شريح
طلال الحسيني، السيّد الصّديق على مدى خمسين، في جديده "الميثاق المفقود: أسطورة البداية" (دار النّهار، 2025، في 192 صفحة من القطع الوسط) يردُّنا إلى النّظر في ميثاق الطّائف، وأنّه اتّفاقٌ مكتوب، على عكس ميثاق 1943 الذي كرّس تقليداً، ليس إلّا، بتوزيع رئاسات السلطتين الإجرائيّة والتشريعيّة، ورأي الأستاذ الحسيني أنّ اتّفاق الطّائف نصٌّ مكتوب يمكن الرّجوع إليه للتحقّق من وجود حكم ما أو غيابه، وهو قريب إلى روح نصّه وعليمٌ به لصلته الوثيقة بعرّاب الطائف شقيقه السيّد حسين الحسيني؛ يرى الأستاذ طلال أنّ الدّستور اللبناني لم يكن عملاً فرنسيّاً محضاً ولا لبنانيّاً محضاً، بل مختلطاً بموجب ما فرضته عصبة الأُمم في صكّ الانتداب، كما انّه لم يكن الأخذ به مارونيّاً محضاً ولا إسلاميّاً طوعاً.
يلحّ الأستاذ الحسيني على انّه بعد مؤتمر الطّائف صارت الإصلاحات السياسيّة في نصّ الدستور، إلّا انّه يرى أنّه كان هناك نقد عنيف لذلك الاتّفاق من منطلقات متناقضة، إذ راحت فئةٌ تغالي في نقدها من منطلق علماني أو من منطلق لا طائفي، فزعمت انّه كرّس الطائفيّة، فيما لم ترضَ فئة بما جاء به من إصلاحات، من منطلق طائفي، فراحت تزايد في إثبات طائفيّته، وزعمت فئة ثالثة شاركت فيه، تبريراً لموقفها، انّها قد نجحت بتكريس الأخذ بالطائفيّة في النصّ بعد أن كانت تقليداً لا نصّ عنه، فألحّ الأستاذ الحسيني على أنّ الفئات الثلاث أجمعت، في هذا السّياق، على إهمال أو طمْس واقعة أن ذلك الاتّفاق قد وضع، للمرّة الأُولى في تاريخ البلاد، آليّة دستوريّة لتجاوز الطائفيّة.

طلال الحسيني في الميثاق المفقود أدرى من غيره باتّفاق الطائف وشِعابه وشعبه، هو الذي شارك في الإعداد لمؤتمر الطّائف وصياغة "وثيقة الوفاق الوطني" الصّادرة عنه، وهو في المسار نفسه صمّم حملة "شطب الإشارة إلى الطائفة في سجلّات النفوس"، ولا عجب انّه في قلب "المركز المدني للمبادرة الوطنيّة" السّاعي إلى إرساء الدولة المدنيّة في لبنان، هو الذي كتب في الفكر السياسيّ وفي استقلال القضاء وفي الأدب وفي تحليل الشّعر وتعليمه، فوقف شاهداً على أنّ الميزان الذي لا خلل فيه هو ميزان الزّمان، وقائلاً الغوث قبل العطب.
نبض