بألق الكلمة وبهاء المعرفة عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة افتتح الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، اليوم، فعاليات الدورة الرابعة والأربعين من معرض الشارقة الدولي للكتاب، الذي يُقام هذا العام تحت شعار "بينك وبين الكتاب"، في مركز إكسبو الشارقة، بحضور ولي العهد نائب حاكم الشارقة الشيخ سلطان بن محمد بن سلطان القاسمي، ورئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي.

رحّب حاكم الشارقة بالحضور وبوفد جمهورية اليونان ضيف الشرف لهذا العام، قائلاً في مستهل كلمته: "أحمد الله العظيم، وأسأله سبحانه أن يغفر لنا أجمعين، ويمدنا بالقوة والتأييد لنواصل العمل لإنجاز كل ما هو مفيد ونافع لأمتنا العربية والإسلامية المجيدة ". وأضاف مؤكّداً رسوخ المشروع الثقافي الذي كرّس له عمره: "منذ قرنٍ من الزمن، وتحديداً في عام 1925، شهدت الشارقة تأسيس أول مكتبة فيها. واليوم، بعد مئة عام، نحتفل بتاريخٍ ثقافيٍّ طويل أضاء طريق أبناء الإمارة والعالم العربي بالمعرفة والعلم".

الشيخ سلطان القاسمي مفتتحاً معرض الشارقة الدولي للكتاب. (هيئة الشارقة)

بشرى موسوعية للثقافة العربية
وفي لحظة انتظرها المثقفون طويلاً، أعلن القاسمي الانتهاء من المرحلة الأولى من "الموسوعة العربية الشاملة في العلوم والآداب والفنون والأعلام"، قائلاً: "أزفّ إليكم هذه البشرى الثقافية الكبرى في معرض الشارقة الدولي للكتاب. أنجزنا المرحلة الأولى من الموسوعة التي تتناول العلوم اللغوية والشرعية في 44 مجلداً".

وأوضح أن العمل يجري بإشراف مجمع اللغة العربية بالشارقة، حيث ضمّت المجلدات تعريفات دقيقة بالمصطلحات في مجالات النحو والصرف والبلاغة والعروض واللسانيات، إضافة إلى الفقه والعقيدة وعلوم القرآن والحديث والاقتصاد الإسلامي. ونوّه إلى أنّ المرحلة الثانية ستُستكمل في نوفمبر 2026، تليها مراحل متتالية حتى عام 2028، حين تكتمل أكبر موسوعة عربية علمية وثقافية.

الشيخ سلطان القاسمي يوقّع أحدث مؤلفاته. (هيئة الشارقة)

واختتم كلمته قائلاً: "إننا نعمل كل ذلك ونحرص عليه لنربط حاضر الأمة بماضيها، ولنعرف أبناء الجيل المعاصر بتاريخ أجدادهم وأسلافهم من العلماء والأدباء والشعراء وأهل الثقافة، ولنقدم لأهل العلم والثقافة موسوعةً علميةً موثقةً إليها يعودون ومنها يتعلمون وينهلون".

تكريم رموز الفكر والإبداع
خلال الحفل، كرّم القاسمي الكاتب والمسرحي المصري محمد سلماوي بوصفه "شخصية العام الثقافية" تقديراً لمسيرته الأدبية الثرية. كما سلّم جائزة "ترجمان" للمترجم التشيكي أوندجي برانِك عن ترجمته لكتاب "رسالة ابن فضلان" إلى اللغة التشيكية، وهي الجائزة الأعلى عالمياً في مجال الترجمة، بقيمة 1.4 مليون درهم، تشرف عليها هيئة الشارقة للكتاب.
ووقّع القاسمي نسخاً من أحدث مؤلفاته، "مجمع التواريخ لشبه الجزيرة العربية وفارس: أحداث في حوليات من عام 1622م إلى 1810م"، وهو عمل ضخم استغرق أكثر من أربعة عقود، ويضم 33 مجلداً بالعربية ومثلها بالإنكليزية، موثقاً عبر 1473 وثيقة تاريخية من مصادر إنكليزية وهولندية وفرنسية وعثمانية وبرتغالية.

الشيخ سلطان القاسمي مفتتحاً المعرض. (هيئة الشارقة)

الشارقة تتصدر المشهد الثقافي العالمي
وفي كلمة ألقاها الرئيس التنفيذي لهيئة الشارقة للكتاب أحمد بن ركاض العامري، أعلن أن المعرض تصدّر مجدداً المرتبة الأولى عالمياً بين معارض الكتب للعام الخامس على التوالي، مؤكداً أن هذه المكانة ثمرة لرؤية حاكم الشارقة ودعمه اللامحدود للثقافة والكتاب.

وقال العامري إنّه "من الشارقة كتب سموه الكلمة الأولى في حكاية الكتاب، فكان الفكر ممتداً والعطاء متصلاً. ومع متابعة سمو الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، أصبحت الشارقة وجهة عالمية للمبدعين والناشرين".

الرئيس التنفيذي لهيئة الشارقة للكتاب أحمد بن ركاض العامري. (هيئة الشارقة)

وأشار إلى مشاركة 2500 ناشر وعارض من 118 دولة، في حدث يعد الأكبر خارج القارات من حيث التمثيل الإفريقي والآسيوي والأوروبي والعربي. كما استعرض نتائج مؤتمر الناشرين الذي جمع 1599 ناشراً من 116 دولة، وعقد أكثر من 3300 اجتماع مهني خلال يومين.

"صناعة النور وسط العتمة"
من جهته، عبّر الكاتب محمد سلماوي عن امتنانه، قائلاً: "لقد كرّمتني الشارقة يوم احتفت بالكتاب قبل أربعة عقود، ويوم جعلت الثقافة رسالةً ومسؤولية. اجتماعنا اليوم دعوة لتجديد الإيمان بدور المثقف العربي في صناعة النور وسط العتمة".

الكاتب محمد سلماوي مكرّماً من الشيخ سلطان القاسمي. (هيئة الشارقة)

أما نائب وزير الثقافة اليوناني جايسون فوتيلاس، فعبّر عن تقديره العميق لحاكم الشارقة، مشيراً إلى عمق الروابط التاريخية بين اليونان والعالم العربي، وإلى أنّ الثقافة تبقى "أقصر الطرق بين قلب وآخر، لا تعرف الحدود ولا حواجز اللغة".

جولة في رحاب المعرفة
عقب الافتتاح، تجوّل حاكم الشارقة في أروقة المعرض برفقة الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، مطّلعاً على الأجنحة المشاركة وما تقدمه من فعاليات تمتد على مدى اثني عشر يوماً.

جولة الشيخ سلطان القاسمي والشيخة بدور القاسمي في المعرض. (هيئة الشارقة)

استهل جولته بجناح اليونان ضيف الشرف، ثم توقف عند أجنحة مؤسسات الشارقة الثقافية والإعلامية، منها وزارة الثقافة، وهوية الشارقة، وهيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون، ومدينة الشارقة للإعلام (شمس)، وجمعية الناشرين الإماراتيين، وصندوق الشارقة لاستدامة النشر، وبيت الحكمة، وغيرها من المؤسسات الأكاديمية والتراثية والإنسانية. كما زار أجنحة الدول الخليجية والعربية المشاركة، إلى جانب جناح منشورات القاسمي الذي يعرض مؤلفاته، وجناح مجمع اللغة العربية بالشارقة الذي يشرف على المشروعات اللغوية والعلمية الكبرى.

بهذا الافتتاح المهيب، تتجدّد رسالة الشارقة للثقافة والكتاب، تحت راية قائدٍ جعل من الكلمة فعلاً ومن المعرفة طريقاً نحو مستقبلٍ تتسع فيه لغات العالم جميعها لرسالةٍ واحدة: أن الثقافة حياة.