بدور القاسمي بافتتاح الدورة الـ15 من مؤتمر الناشرين: غايتنا أن نجعل القصص أكثر وصولاً وتنوّعاً وإنسانية
افتتحت رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، أعمال الدورة الخامسة عشرة من مؤتمر الناشرين الدولي، الذي انطلقت فعالياته في مركز إكسبو الشارقة، قبيل بدء الدورة الـ44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، ويستمر حتى 4 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، بمشاركة 1258 ناشراً من 116 دولة.
وفي كلمتها خلال افتتاح المؤتمر، اعتبرت القاسمي أنه "في كل عام، يُظهر مؤتمر الناشرين الدولي في الشارقة أن قصة النشر العالمي تحفل بالعديد من المؤلفين. ومع تطوّر صناعتنا وتكيّفها مع التحوّلات التقنية، يجب أن نظل متّحدين حول غايتنا الأساسية: أن نجعل القصص أكثر وصولاً، وتنوّعاً، وإنسانية. ومن خلال هذا المؤتمر والعديد من المبادرات الأخرى، تواصل الشارقة التزامها ببناء الجسور التي تربط بين الناشرين، وتمكّن المبدعين، وتعزّز المستقبل المشترك لهذه الصناعة".

وحضر افتتاح المؤتمر، أحمد بن ركاض العامري، الرئيس التنفيذي لهيئة الشارقة للكتاب، وجفانتسا جوبافا، رئيسة الاتحاد الدولي للناشرين، ومادلين ماكنتوش، المؤسِّسة المشاركة والرئيسة التنفيذية لشركة أوثورز إكويتي، وفيدون كيدونياتيس، نائب رئيس اتحاد الناشرين الأوروبيين والممثل عن اتحاد الناشرين اليونانيين؛ إلى جانب نخبة من قادة صناعة النشر الدوليين.
صوت الناشرين في كل زاوية من العالم
وافتتحت جفانتسا جوبافا، رئيسة الاتحاد الدولي للناشرين، جدول أعمال اليوم الأول بكلمة رحبت فيها بالمشاركين، وقالت: "اليوم، أصبحت قدرتنا كناشرين على تحقيق رسالتنا، في ربط الكتّاب بالقراء، ونشر التعليم، وإلهام الناس، أعظم من أي وقت مضى؛ وذلك بفضل التقدّم في تقنيات الوصول، من انتشار الكتب الصوتية إلى تقنيات تحويل النص من مقروء إلى مسموع، لقد أصبحنا نضمن وصول قوة القصة والمعرفة إلى الجميع. فنحن في زمن يتيح للكتب أن تنتقل أبعد وأسرع، لتصل إلى كل مكان من العالم عبر منصات وصيغ متعددة، كما نشهد اعترافاً متزايداً من الحكومات والقادة وصناع القرار بأهمية ترسيخ ثقافة القراءة، وذلك ما نشهده في الشارقة كنموذج حيّ على ذلك".

الكتب سلاح الثقافة الأول
من جهتها، تحدثت مادلين ماكنتوش عن التحولات المتسارعة في صناعة النشر، في جلسة أدارتها جو هنري، عضو المجلس الاستشاري والمديرة العامة السابقة لمجلة BookBrunch. وأشارت مادلين إلى أن الكتب تمثل خلاصة الفكر الإنساني عبر قرون وهي سلاح الثقافة الأول، مؤكدة أن كل ما يحيط بالكتاب يشهد تغيراً مستمراً؛ إذ لم يعد استهلاك المحتوى ثابتاً، بل تحكمه عوامل عديدة أبرزها قدرة الكاتب على جذب انتباه الجمهور، مشددة على أن قوة الكتاب لا تكمن في القصة بقدر ما تكمن في المؤلف الذي يصنع أثراً يبقى مع الزمن.

وأشارت ماكنتوش إلى أن الابتكار في صناعة الكتاب بات اليوم يقوده الناشرون الجدد والمستقلون الذين يقدمون نماذج جديدة للشراكة مع المؤلفين تقوم على تقاسم عادل للأرباح، كما هو الحال في شركة "أوترز إكويتي" التي تُمكّن الكتّاب من الحصول على النسبة الأكبر من العائدات، مع اعتماد نموذج يركّز على التسويق والاستعانة بالخبرات التحريرية الخارجية لضمان الكفاءة والتنوع في المشروعات.
وفي حديثها عن التكنولوجيا، أوضحت أن أدوات مثل الذكاء الاصطناعي يمكن أن تُسهم في وضع الاستراتيجيات وتطوير العمل، لكنها لا يمكن أن تحل محل الإنسان أو المبدع؛ لأن القرّاء يدركون الأصالة والصدق في الأعمال الأدبية.
فرصة للتواصل مع ثقافات العالم
وفي حديثه خلال حفل الافتتاح، قال فيدون كيدونيانتيس: "إن حضور اليونان ضيف شرف في المؤتمر يمثل فرصة للتواصل مع ثقافات العالم واستكشاف القواسم المشتركة بينها". وأوضح كيدونياتيس أن آلاف المفردات في اللغة الإنجليزية تعود أصولها إلى الإغريقية، ما يعكس عمق تأثير الحضارة اليونانية في الثقافات الأخرى، مثلما تدين اليونانية للعرب الذين حفظوا إرث الإغريق وترجموه إلى لغتهم بفضل علماء مثل الكندي.

وأضاف نائب رئيس اتحاد الناشرين الأوروبيين أن اليونان الحديثة ليست فقط بلداً للسواحل والمناظر الطبيعية، بل موطن حضارة حيّة تستمد قوتها من ماضيها وحاضرها، وتفخر بعلمائها وروادها الذين يسهمون في تقدم الإنسانية. كما لفت إلى أن صناعة النشر تدخل مرحلة جديدة من التحول خلال الأعوام المقبلة في ظل تطور الذكاء الاصطناعي، ما يتطلب وعياً وتفكيراً عميقاً لتوجيه هذا التغيير نحو مستقبل يستثمر تلك التقنيات في التطوير والإبداع.
"جدار" للعارضين ولقاءات مع القادة
وتشهد الدورة الخامسة عشرة من مؤتمر الناشرين مبادرات نوعية تسهم في تواصل المتخصصين في قطاع النشر من مختلف أنحاء العالم، منها "جدار العارضين"، وهي منصة تعرض أحدث الحلول التقنية والخدمات المبتكرة التي تدعم صناعة النشر في مجالات الطباعة والتوزيع الرقمي والذكاء الاصطناعي والإعلانات الموجهة؛ بهدف ربط الناشرين بمزوّدي الخدمات العالمية واستكشاف شراكات جديدة تعزّز تطور قطاع النشر وتواكب تحولاته الرقمية.

كما أطلقت هيئة الشارقة للكتاب ضمن دورة هذا العام من المؤتمر مبادرة "تبادل مجلس الإدارة" (The Boardroom Exchange)، التي تتيح فرصة لتواصل المشاركين مع كبار التنفيذيين في مؤسسات النشر والتقنية والشركاء الدوليين في صناعة الكتاب، من خلال جلسات تُحجز مسبقاً تمتد لمدة 30 دقيقة، تُمكّن المشاركين من مناقشة أفكار جديدة أو الحصول على توجيه مهني وخبرات عملية من قادة القطاع.
حوارات مهنية ترسم ملامح مستقبل النشر
وشهد اليوم الأول من المؤتمر ورش عمل ناقشت 31 موضوعاً مهنياً، ركّزت على التحولات الرقمية التي تعيد تشكيل المشهد العالمي للكتاب، ودور الذكاء الاصطناعي في تطوير عمليات التحرير والترجمة والإنتاج والتسويق، إلى جانب استكشاف سبل توظيفه بطريقة أخلاقية ومسؤولة لفتح أسواق جديدة أمام الناشرين.
وتناول المشاركون كذلك استراتيجيات التسويق الحديثة في عصر المنصات الرقمية والمؤثرين، وأهمية البيانات في تعزيز المبيعات وبناء استراتيجيات أكثر دقة للوصول إلى القرّاء. كما تطرقت النقاشات إلى تمكين الأسواق الصغيرة من بيع حقوق الترجمة والانخراط في حركة النشر العالمية، والاطلاع على الفرص في الأسواق الأدبية الناشئة في إفريقيا وآسيا وأوروبا.

وضمن جلسات جمعت ناشرين من مختلف الدول والثقافات، سلّطت ورش العمل الضوء على مستقبل الكتب الصوتية والرقمية، واستدامة الكتاب المطبوع، والنشر الميسر لذوي الإعاقة، ودور الناشرين العرب في دعم أهداف التنمية المستدامة، إلى جانب مناقشة أساليب مواجهة أزمة القراءة عالمياً، وتحويل التحديات الاقتصادية والتقنية إلى فرص للنمو والابتكار.
وتستمر أعمال مؤتمر الناشرين الدولي خلال اليومين القادمين، وتتضمن جلسات عقد الصفقات بين الناشرين ووكلاء الحقوق الأدبية، واجتماعات مخصّصة لبيع حقوق الترجمة والنشر والتوزيع، ما يوفّر منصة عملية لتبادل فرص الأعمال وبناء شراكات جديدة بين دور النشر العالمية والإقليمية، وترسيخ دور المؤتمر كجسر للتواصل بين صُنّاع المحتوى في مختلف أسواق الكتاب حول العالم.
نبض