اللبناني طارق عتريسي يُوقّع الهوية البصرية للمتحف المصري الكبير
بُني المتحف المصري الكبير عند أقدام أهرامات الجيزة، على مساحة عرض تبلغ نحو 500 ألف متر مربع، ليكون أحد أضخم الصروح الثقافية في العالم، بطاقةٍ استيعابية تصل إلى خمسة عشر ألف زائر يومياً. هذا المشروع الطموح الذي يربط الماضي العريق بالحاضر المعاصر، جمع تحت سقفه نخبة من أبرز الشركات العالمية في مجالات الهندسة المعمارية وتصميم المعارض والغرافيك، ليكون بمثابة رسالة بصرية عن هوية مصر الحضارية.
من بين هذه الأسماء اللامعة، برز اسم المصمم اللبناني - الهولندي طارق عتريسي، الذي أوكلت إليه مهمّة تطوير المفهوم الأساسي للهوية البصرية للمتحف، بالتعاون مع مكتب التصميم الألماني "Atelier Brückner". تمثّلت مهمّته في وضع أسس العلامة البصرية، وصياغة لغة تصميمية متكاملة تمكّن المتحف من بناء هوية مرئية متماسكة ومعرّفة بسهولة عبر الزمن.

نقطة انطلاق الفكرة البصرية
استُلهم تصميم الشعار من الشكل المعماري الفريد للمتحف نفسه، إذ يشكّل المنظر العلوي للبناء - الذي يُعتبر الواجهة الخامسة للمبنى - نقطة انطلاق للفكرة البصرية. حُوّل هذا المنظر إلى شكلٍ غرافيكي يتضمّن خطاً عربياً معاصراً صُمّم خصيصاً ليحمل اسم المتحف. ويتميّز الشعار بمرونته وحركيّته، إذ يتغيّر موقعه واتجاهه تبعاً لاستخدامه، في محاكاةٍ للطابع الديناميكي للمتحف الذي يربط بين عناصر الطبيعة والمدينة المحيطة به: الأهرامات، القاهرة، ونهر النيل. هذا التكوين يعبّر عن تداخل الفضاءات الداخلية والخارجية للمبنى، وعن الرؤية المعمارية التي تربط بين التاريخ والمكان.
تحوّل الشكل الغرافيكي الديناميكي للشعار إلى العنصر الأساسي في الهوية البصرية للمتحف، متجاوزاً دوره كرمز ليصبح لغة بصرية شاملة تُستخدم في عرض الصور والمواد الإعلانية والترويجية. فهو يفتح نوافذ جديدة على تاريخ مصر الفرعوني من خلال القصاصات البصرية للقطع الأثرية والصور التي تشكّل محتوى المتحف الغني.

نهج مبتكر
يُعدّ عتريسي من أبرز الأسماء في عالم التصميم العربي والعالمي، وهو مؤسّس استوديو "Tarek Atrissi Design" الذي عُرف بنهجه المبتكر في تصميم الحروف والطباعة وبقدرته على الدمج بين الثقافات. حاز عتريسي جوائز عالمية مرموقة مثل "German Design Award" و"D&AD" و"Type Directors Club" في نيويورك و"Adobe Design Achievement و"Brand Impact"، واختارته مجلة "Print" الأميركية عام 2005 ضمن قائمتها “عشرون تحت الثلاثين”. يحمل شهادات عليا من الجامعة الأميركية في بيروت ومدرسة أوتريخت للفنون في هولندا ومدرسة الفنون البصرية في نيويورك، وعُرضت أعماله في متحف غوغنهايم في نيويورك ومعارض في الكويت وقطر وأمستردام. يشغل حالياً منصب أستاذ ممارس في الجامعة الأميركية في بيروت، وسبق أن درّس في جامعات عدّة وقدّم محاضرات في أكثر من عشرين دولة.
بهذه الرؤية الإبداعية، قدّم المصمم اللبناني بصمته في أحد أهم المشاريع الثقافية في العالم، مجسّداً من خلال عمله الرابط العميق بين التصميم، الهوية، والذاكرة الحضارية.
نبض