على ضفاف نهر الكونغو وأبعد من المظاهر... الفن الأفريقي معرضًا استثنائيًّا شاملًا في جنيف
 
                                    جنيف- أوراس زيباوي
تحت عنوان "أبعد من المظاهر" يقام حاليا في متحف RATH العريق في جنيف معرض مخصص بأكمله للفن الحديث والمعاصر القادم من القارة الافريقية.
معرض استثنائي يضم مئة وعشرين عملا فنيا لثمانين فنانا من مجموعة البنك السويسري "سي بي أش" تختصر قرنا من الابداع في مجمل دول القارة السوداء باستثناء دول المغرب العربي. إنها أول مرة يُخصص فيها متحف سويسري معرضا شاملا للفن الحديث والمعاصر في هذه القارة، كما صرح لنا المشرف على المعرض والمدير السابق لمتحف الفن والتاريخ في جنيف، جان إيف مارين: "إن المجموعة المعروضة اليوم تعبّر بالفعل عما يجري اليوم على المساحة الفنية الافريقية، والهدف الأول من هذا المعرض التعريف بفن مميز غير معروف من الجمهور العريض المتذوق للفنون في أوروبا".

من أهداف المعرض أيضا تأكيد تنوع هذا الفن وعدم حصره بهوية أو مدرسة معينة بعيدا من الأفكار المسبقة والكليشيهات التي هيمنت سنوات طويلة بسبب الإرث الاستعماري والظلم التاريخي الذي تعرض له السود طوال قرون. في هذا الصدد أكد لنا الخبير والمدير السابق لبينالي دكار، السنغالي أوسينو واد، وهو أيضا من المشرفين على المعرض: "إن التنوع هو السمة الأساسية التي يكشف عنها المعرض لذلك لم توزع الأعمال بحسب تطورها في الزمان والمكان بل بحسب الرؤية الفنية والمواضيع التي تعبر عنها أعمال الفنانين".
يبدأ المعرض الموزع على طبقتين مع الرواد الذين عملوا على ضفاف نهر الكونغو نهاية العشرينات من القرن الماضي ومنهم ألبر لوباكي (1895-1948) المعروف برسومه المائية المنفذة على الورق بأسلوب مجدد طالع من بيئته المحلية وأساطيرها الموغلة في القدم. حازت أعماله شهرة خارج بلاده وعُرضت في باريس عام 1929. لم يكن يعمل بمفرده بل مع زوجته أنطوانيت التي تعد رائدة في مجالها وهي اشتهرت بلوحاتها ذات التعابير المكثفة والروح العفوية التي تُذكر برسوم الأطفال.

خلال مرحلة الخمسينات برزت أسماء أخرى من الكونغو، منها بيليبيلي مولونغو (1914-2007) الذي طغت عناصر الطبيعة في لوحاته، المياه والأسماك والعصافير، وتجلت شفافة ذات طابع سحري بألوان حادة وصافية وخطوط رشيقة.
ساهمت بعض الشخصيات السياسية في إطلاق مواهب جديدة ونشوء تيارات فنية لم تكن معروفة من قبل. كان الأديب والشاعر الفرنكوفوني وأول رئيس لجمهورية السنغال ليوبولد سيدا سنغور (1906-2001) مهتما منذ بداياته بالفنون البصرية وفنون الأداء، ونشأت بفضل رعايته مدرسة فنية في دكار في الستينات، من أهدافها مد الفن الافريقي بروح جديدة وربطه بأوروبا لمنح الابداع الأفريقي المكانة التي يستحقها في مسيرة الفنون العالمية. في هذا الإطار تأسس المهرجان العالمي للفنون الزنجية في دكار عام 1966، أما البينالي الذي تأسس مطلع التسعينات فيُعد أقدم بينالي للفنون المعاصرة في القارة الأفريقية. في مثل هذه الأجواء نشأ الفنان السنغالي سليمان كيتا (1947-2014)، وكان وفيا لأفكار سنغور واختار أن يكون تجريديا كما تبين أعماله المعروضة في جنيف مع الحفاظ على الروحانية الافريقية.
من ساحل العاج يبرز الفنان أبوديا (من مواليد 1983) الذي يستوحي من رسوم الغرافيتي على الجدران في شوارع أبيدجيان وبالأخص في الأحياء الشعبية. مبدع متنقل باستمرار، يعرض في بلده وفي عواصم العالم الى كونه من فناني "غاليري سيسيل فاخوري" المتخصصة بالفنون الافريقية المعاصرة في أبيدجيان وباريس والتي صارت مرجعا في هذا المجال.

لا تنحصر الأعمال المعروضة بالفنون التشكيلية، إذ تطالعنا أيضا الصور الفوتوغرافية وأبرزها لمصورَين من مالي هما سيدو كيتا (1921-2001) ومالك سيديبي (1935-2016)، يُعتبر الأول من أهم مصوري العالم في النصف الثاني من القرن العشرين بسبب تناوله مواضيع جريئة وتملكه أدوات فن التصوير من جهة وأسلوبه الحديث في توزيع النور والظل وهندسة اللقطات من جهة ثانية. حقق كيتا نجاحا كبيرا في حياته لا يزال متواصلا الى اليوم حتى أن متحف "القصر الكبير" في باريس أقام له معرضا استعاديا شاملا عام 2016. أما مالك سيديبي فقد وثق بأسلوب شعري وأنيق حياة الشباب في مالي وأنجز بورتريهات مميزة يُعيد فيها ابتكار الشخصيات في أفراحها وسهراتها في لقطات مرحة ذات لغة بصرية متينة.

يؤكد معرض "أبعد من المظاهر" في جنيف أن القارة الافريقية أنتجت أعمالا فنية استثنائية وقدمت للعالم إطارا إبداعيا مختلفا. ومنذ نهاية القرن العشرين تساهم المعارض المقامة في العواصم الغربية في شهرة العديد من الفنانين وإطلاقهم في أسواق الفن العالمية.
 
     
                                                                             
                                                                             
                                                                             
                                                                             
                                                                             
                                                                             نبض
                                                                        نبض
                                                                     
                                                 
                                                 
                                                 
                                                 
                                                 
                                                 
                                                 
                                                