العالِم الياباني ساكوجي يوشيمورا لـ"النهار": خاطرتُ بحياتي منقِّباً في مصر
بدأت القصة عندما كان طفلاً، في اليابان الخارجة من الحرب. قرأ ساكوجي يوشيمورا عن اكتشاف هوارد كارتر لمقبرة توت عنخ آمون، فاشتعل في قلبه الحلم. تلك اللحظة، وسط الصور الآتية من المقلب الآخر من العالم والدهشة، كُتِب قدر يوشيمورا: أن يسير طويلاً بين أمجاد الفراعنة، ويعود إليهم عشية افتتاح المتحف المصري الكبير.
حين أصبح طالباً في جامعة واسيدا، قرّر يوشيمورا أن يحوّل حلمه الطفولي إلى حقيقة. في خطوة جريئة لم يسبقه إليها أيّ باحث ياباني، انطلق في دراسة ميدانية استمرّت عاماً كاملاً شملت جميع المعالم الأثرية الكبرى في مصر، من الإسكندرية إلى أبو سمبل. سرعان ما أدرك أنّ مصر تستحق أن يُكرّس حياته كلّها لها.
"لقد كرّستُ حياتي بالكامل"، يقول يوشيمورا لـ"النهار"، "بل خاطرتُ بها فعلياً، في سبيل البحث والتنقيب الأثري في مصر على مدى ستين عاماً".

قبل نحو 59 عاماً، بدأ حفرياته في رمال مصر، مؤسساً مسيرة مهنية وصلت بين حضارتين. امتدّت أعماله من سقارة ودهشور إلى هضبة الجيزة، حيث قاد دراسات رائدة استخدم فيها تقنيات حديثة، من الاستشعار عن بُعد إلى الرادار المخترق للأرض.
نسأله عن المشروع الذي ترك فيه الأثر الأعمق، فيُجيب أنّه "من دون أدنى شك"، القارب الشمسي الثاني، والذي يعود إلى نحو 4 آلاف و600 عام وصُمّم ليُقلّ فرعوناً في رحلته الأبدية، وقد دُفن بجانب الهرم الأكبر. القارب الشمسي الأول اكتشفه باحثون مصريون، "لكن الفريق الياباني هو من أكّد وجود القارب الثاني باستخدام الرادار المخترق للأرض"، يُخبرنا يوشيمورا، شارحاً: "قمنا باستخراج القطع الخشبية، وأجرينا عليها أعمال الحفظ والترميم، وها نحن اليوم نصل أخيراً إلى مرحلة إعادة تجميع السفينة".
شارك في هذا المشروع عددٌ كبير من المصريين، وبرأيه، "جسّد روح الصداقة والعلاقة التعاونية بين مصر واليابان". واليوم، ينظر إلى إنشاء قاعة عرضٍ خاصة بالقاربين داخل المتحف المصري الكبير على أنّه "يُعبّر بوضوح عن مدى أهمية هذا التراث بالنسبة للشعب المصري... أشعر بامتنانٍ بالغ لأنني كنت جزءاً فاعلاً في هذا العمل المميّز".
قصة يوشيمورا لا تتعلّق بالآثار وحدها بل ببناء الجسور والثقة. فقد نال احترام كبار علماء الآثار المصريين مثل زاهي حواس ومصطفى وزيري، وتقديراً من أرفع المؤسسات اليابانية. وقد قلّده إمبراطور اليابان وسام كنز الدولة المقدّس، تكريماً لإسهاماته في التبادل الأكاديمي والدبلوماسية الثقافية.

على مدى أكثر من نصف قرن من البحث والتعليم والاكتشاف، لم يتوقف يوشيمورا عن طرح الأسئلة. وهو اليوم، في عقده الثامن، لا يزال يستكشف أسرار الأهرامات. ومن خلال المسوحات والاكتشافات التي يُجريها الفريق الياباني، يأمل "أن نواصل الإسهام في إثراء مجموعة المتحف المصري الكبير وتعزيز معروضاته"، ويؤكّد لـ"النهار" أنّه، "بهذه الطريقة، يرجو أن تواصل البعثات الأثرية اليابانية أداء دورٍ ريادي في دراسة الحضارة المصرية القديمة".
منذ أيام، والدعوة الرسمية التي وجّهتها الحكومة المصرية ليوشيمورا حديث مواقع التواصل الاجتماعي. صُمّمت على هيئة مجسّم تابوت توت عنخ آمون، تكريماً لمساهمته الاستثنائية في علم المصريات. "الشعب المصري يتميّز بالحماس والاجتهاد"، يقول لنا، "ويمنحني العمل إلى جانبهم سعادةً كبيرة".
يعتبر أنّ دعوته لحضور حفل افتتاح المتحف المصري الكبير، "دليل على تقدير الشعب المصري لما بذلته من جهود"، وهذا يجعله يشعر بـ"أن مسيرة حياته لم تذهب سدى". ويختم: "تأجّل افتتاح المتحف مرّاتٍ عدّة، وكنت أشعر بالقلق حيال الموعد. أمّا الآن، وقد بات الافتتاح واقعاً، فأشعر بفرحٍ كبير وارتياحٍ عميق".
نبض