في بودكاست مع نايلة: ميشال زغزغي يلتقط اللحظة التي لا تتكرّر
في حلقة جديدة من "بودكاست مع نايلة"، استضافت نايلة تويني رجل الأعمال ومصوّر الحياة البرية ميشال زغزغي، الشخصية التي تجمع بين دقّة العالم ودهشة الفنان. فزغزغي ليس مجرد اسم ناجح في قطاع المعدات الطبية، بل هو أيضاً مغامر بعدسته، يسافر بين القارات ليطارد لحظات لا تتكرّر، يوثّق فيها جمال الطبيعة البرية وهشاشتها في آن واحد.
يعود شغفه بالتصوير إلى لحظة عابرة في مطار لندن قبل عقدين، حين اشترى أول كاميرا من دون تخطيط، لكنه سرعان ما أدرك أنها ستكون بوصلته الجديدة. ومنذ تلك اللحظة، لم يتوقّف عن العمل في مجاله الأساسي، بل واصل طريقه بشغف مضاعف، واثقاً بما يريد تصويره منذ البداية. الكاميرا، كما يقول، علّمته الصبر وحرّرته من التسرّع، لأن الصورة الحقيقية تحتاج إلى انتظار طويل ولحظة حاسمة لا تتكرّر.
وعندما سألته نايلة كيف يوفّق بين عمله في مجال الأعمال والتصوير، أجاب ببساطة: "لا أحب الروتين ولا التقيّد بالدوام داخل الشركات". لذلك أسّس شركته الخاصة ليحافظ على حريته واستقلاله، مؤكداً أن نجاحه يرتكز على ثقته الكبيرة بفريق عمله. "التمكين والثقة أساس النجاح"، يقول، مشدّداً على أن كل إنجاز هو ثمرة جماعية.
أمّا عن اللحظات التي شعر فيها بالخطر، فاستعاد زغزغي تجربتين ما زالتا راسختين في ذاكرته: انفجار مرفأ بيروت، واغتيال اللواء فرانسوا الحاج الذي كان قريباً منه. أما في الميدان، فتجربة تصوير النمر في الهند تبقى الأكثر إثارة، إذ وقف وجهاً لوجه أمام ذلك الحيوان المفترس. ومع ذلك، يؤكّد أن خوفه الأكبر ليس من الخطر، بل من أن يفوّت اللحظة المثالية قبل التقاط الصورة.
منذ طفولته، شكّلت الحيوانات جزءاً أساسياً من عالمه، ومع مرور الوقت تحوّل هذا الشغف إلى رسالة إنسانية تجسّدت في مبادرات خيرية وتعليمية، إذ يوجّه ريع معارضه وأعماله الفنية لدعم مدرسة الجمهور ومشاريع علاج مرضى السرطان. بالنسبة إليه، العطاء لذة لا واجب، ومتعة تمنحه سعادة تفوق أي نجاح مهني.
حديثه عن لبنان لا يقل صدقاً عن صوره؛ يقول بعاطفة واضحة: "لا أفكر بالعيش في أي مكان آخر، ولا أشجع أحداً على المغادرة". فالوطن عنده ليس مجرد مكانٍ للعيش، بل مصدر إلهام وهوية لا تُستبدل.
وفي زمن تتقدّم فيه التقنيات على الإحساس، يبدي زغزغي موقفاً حاسماً من الذكاء الاصطناعي، معتبراً أنه قادر على إنتاج صور مذهلة المظهر، لكنها خالية من الروح. يقول بثقة الفنان الذي يعرف قيمة الصبر والجهد: "الصورة الحقيقية ثمرة انتظار ومغامرة ونبض إنساني، وهذا ما لا تستطيع الآلة أن تقلّده".
يتحدّث زغزغي عن معرضه الجديد في باريس، ويوضح أن الحدث سيُقام من 30 تشرين الأول/أكتوبر حتى 8 تشرين الثاني/نوفمبر في Maison Molière – شارع ريشليو 40، وسيضم 42 صورة من رحلاته حول العالم. لكنه لا يملك صورة مفضّلة، إذ يعتبر أن كل لقطة تحمل قصتها الخاصة، مشيراً إلى أنه لا يعلّق صوره في مكتبه، بل صور مصوّرين آخرين يلهمونه ويذكّرونه بالتواضع الفنّي.
وفي ختام اللقاء، يوجّه زغزغي نصيحته لكل من يرغب في دخول عالم تصوير الحياة البرّية: "يحتاج الأمر إلى الكثير من الجهد، بلا مال، لكن مع متعة لا توصف. إنها مغامرة شغف أكثر منها مهنة".
ثم يتوقف لحظة، يتأثر وهو يتحدّث عن الكوارث التي يراها في مجال الطبّ، قبل أن يضيف بابتسامة صادقة: "قهوَتي مُرّة، لكن الحياة جميلة جداً، وأنا محظوظ جداً". وعندما سألته نايلة إن كان راضياً عن نفسه، أجاب بلا تردّد: "لست راضياً، يمكنني دائماً أن أكون أفضل".
بهذه الجملة، يلخّص ميشال زغزغي فلسفته في الحياة: التطوّر الدائم، الصبر، والشغف. رجل يرى في كل لقطة فرصة جديدة، وفي كل مغامرة درساً آخر، وفي كل تجربة دعوة لمواصلة السير... لأن الجمال، كما يقول، يحتاج إلى من يبحث عنه بعينٍ صبورة وقلبٍ ممتنّ.
نبض