جبران: ضوءٌ جديدٌ عمرُه 103 سنوات (1 من 2)
في السائد أَنَّ جبران، عدا رسومه الخاصة لمؤَلَّفاته بالإِنكليزية، ورسومٍ أَحيانًا لغلافٍ أَو للداخل في مجلة "السائح"، وكتابٍ لباربرة يونغ، لم يَضَع رسومًا لكُتُبٍ كثيرة.
وهذا الأُسبوع وصلني من الباحث الإِيطالي الجبراني المدقِّق فرنْشِسْكو ميديتشيFrancesco Medici كتيِّبٌ أَميركيٌّ من 32 صفحة عنوانه "رفاق"، فيه 22 قصيدة لمجموعة شعراء، مع "زخرفات" من جبران خليل جبران.
جبران والرسوم في الكتُب
درَجَ جبران، منذ أَيام دراسته الرسمَ لدى أَكاديميا جوليان Julian في باريس (1909-1910)، على وضْع رسومٍ لوجوه أَعلامِ فكرٍ وأَدبٍ وفنون (النحات الفرنسي أُوغست رودان، الشاعر الإِيرلندي وليام ييتْسْ،...) وآخرين ممَّن تأَثر بهم حِقْبَتَئِذٍ. سمَّاها "هيكل الفن"، ولاحقًا عرض قسمًا من تلك الوجوه في نيويورك. وكان من "حسنات" ذاك "الهيكل" أَنْ كرَّسَتْهُ رسَّامَ وجوهٍ ناجحًا، وتقاطَرَت عليه طلبات من كثيرين، نفَّذَها فكان ذلك أَحدَ موارده المالية الرئيسَة.
ومع أَنه لم يضع رسومًا أَو زخارف لكتب كثيرة، ظهر هذا الكتاب ("رفاق") نادرًا في حمل اسم جبران "مزَخْرِفًا". ولم يُعرف عنه ذلك إِلَّا في غلاف كتاب "يوهان بويِيْر - حياته وأَعماله" (1929) للكاتب الدنماركي كار غاد (1890- 1962)، وغلاف كتاب "العالَم الجديد" (1922) لصديقه الشاعر الأَميركي ويتِّر بايْنِر (1881-1968).
الكتاب/المفاجأَة
في آذار/مارس من تلك السنة (1922) ظهَر كُتَيِّبٌ من 32 صفحة، في طبعة محدودة النُسَخ، نادرًا ما ذكره (أَو عَلِم به) مؤَرخو جبران ودارسوه رسامًا أَو كاتبًا. وحتى نسيبُه النحات البوسطني خليل جبران (1822-2008) لم يذكُرْه ولا بكلمة في كتابه البيوغرافي الشهير (وضعَه مع زوجته جين): "خليل جبران: حياته وعالَمُه" (1974)، وهو أَكمل بيوغرافيا صدرَت حتى الآن عن جبران.

في الكتيِّب من 32 صفحة، كما ذكرتُ في المقدمة أَعلاه، باقة قصائد جمعها من نصوص أَصحابها الناشرُ الأَميركي الأَشُوري صموئيل جاكوبْسْ (1890-1971)، وبينها قصيدة واحدة له وقَّعها باسم مستعار.
اسم جبران مختلف الكتابة
وضع جبران رسم غلاف الكتيِّب، وبعض الزخارف في الصفحات الداخلية. وفي وسَط الصفحة 4 ظهرَ اسم جبران كـ"صاحب الرسوم". والغريب أَنَّ اسم جبران، في صدْر تلك الصفحة، مكتوبٌ على غير ما كان جبران يوقِّعه على مؤَلفاته بالإِنكليزية. ففيما توقيعه المعروف هو Kahlil Gibran وردَ اسمُه في هذا الكتيِّب Khalil Gebran. ولَم يُعرف حتى اليوم كيف رضيَ جبران بهذا التحريف في كتابة اسمه بالإِنكليزية، هو الذي عامئذٍ كانت ثلاثة كتُب صدرَت له باسمه المعروف: "المجنون" (1918)، "عشرون رسمًا" (1919)، و"السابق" (1920). فكيف لم يتنبَّه إِلى كتابة اسمه مختلفًا؟ ليس لأَحدٍ جوابٌ عن هذا السؤَال حتى اليوم، ولا ذكَرَ أَحدٌ كيف تعرَّف جبران بهذا الرجل في نيويورك.


هذا الصموئيل
من هو هذا الغريب عن محيط جبران في سيرته ومسيرته؟
هو صموئيل بن حمورابي يعقوب (وأَيضًا: "شْمُوئيل عواظ شيرابادي أَذربيجاني مُراد خان"). وُلِدَ يوم 12 شباط/فبراير 1890 في مدينة شيراباد (شرقي أُورْمِيَة على ضفة نهر نازْلو، غربيّ مقاطعة أَذربيجان، في منطقة حدودية مشتركة بين العراق وتركيا وأَرمينيا). دفعَه والداه إِلى التعلُّم فانتسَب إِلى مدرسة أُورمية التي أَسسها المرسَلُون الأَميركان للصبيان سنة 1836، لتدريس الفنون واللاهوت ومبادئ الطب. وتدرَّب فيها على آلة صفِّ الأَحرف الطباعية بتقْنية اللينوتايب التي كانت حديثةً يومها في فن الطباعة، أَعقبَتْ طريقةَ صف الأَحرف يدويًّا حرفًا حرفًا. ومنذ تلك الفترة في صباه أَبدى اهتمامًا بالإِخراج الطباعي.

دار نشر أَشورية في نيويورك
بهذه الخلفية هاجر إِلى الولايات المتحدة سنة 1906، وواصل دراستَه في وُوركِسْتِر (ولاية ماساشوستس). وبدأَ يعمل في الطباعة بادئًا بمؤَلفاته. انتقَل إِلى مدينة نيويورك سنة 1914، وسنة 1915 بدأَ العمل لدى القس جُويل وِرْدَى (1878-1941)، المبشِّر الإِنجيلي الذي ترجمَ الكتاب المقدس من الإِنكليزية إِلى اللغة الأَشورية. وكان يُصدر جريدته الأُسبوعية "البريد الأَشوري الأَميركي" باللغتَين الإِنكليزية والأَشورية-الآرامية الحديثة، ويَصُفُّها هو على آلة اللينوتايب.
سنة 1916 صفَّ صموئيل بيده ترجمةً إِلى السريانية الحديثة (الآرامية المحدَثة) وضعها أَبراهام يوحنَّان (1853-1925) لكتاب "جوهرةُ حقيقة المسيحية" كما وضعَه مار عبديشو بيريخا (توفي سنة 1318)، وهو كان مطران نُصَيْبِين وأَرمينيا. وكان ذاك الكتاب أَحدَ أَهمِّ النصوص الدينية في الكنيسة الأَشورية الشرقية، ونوعًا من الإِنسايكلوبيديا اللاهوتية. أَصدرَه صموئيل، ناشرًا، باسم "دار يعقوب للنَشْر"، وأَصدر فيها "دليل المهاجرين الأَشوريين".
ماذا بعد عن هذا الأَشوري؟
وماذا عن علاقة جبران به؟
التتمة في القسم الآخَر من هذا المقال.
نبض