يعود برنامج "بيت الشاعر" في موسمه الرابع بحلقة مميّزة من منزل الشاعر طلال حيدر في بعلبك، ذلك البيت الذي يعجّ باللوحات والذكريات والصور، وتغمره المحبة والدفء.

يتحدث حيدر عن طفولته في بعلبك، وكيف شكّلت ضربة المعلّم وبعض حوادث الصِبا الباكر بذور الشاعر فيه، مؤكداً أن الشعر، كالحب، لا نختاره نحن، بل هو الذي يختارنا.
ويستعيد لقاءاته مع كبار الأدباء والفنانين: من محمود درويش الذي نصحه بألّا يحصر شعره في القضية الفلسطينية، إلى نجيب محفوظ الذي التقاه مراراً في مصر، وعاصي الرحباني الذي يروي ذكرياته معه، مروراً بلحظة غنائه أمام فيروز عبر الهاتف، ولقاءاته مع أم كلثوم وغيرهم من رموز الإبداع.

في الحديث أيضاً استذكارٌ لصباح ووديع الصافي وغسان تويني وأنسي الحاج وزياد الرحباني، حيث يكشف طلال حيدر للمرة الأولى أن أغنية "وحدن" لم تُكتب بوحيٍ من القضية الفلسطينية كما يُعتقد، بل استوحاها من مشهدٍ شتويّ مختلف تماماً. كما يتحدث عن زياد الرحباني قائلاً إن موهبته انفجرت في لحظة ثم خمدت لاحقاً، ويروي مواقف طريفة جمعتهما.
يعبّر حيدر عن حنينه لبعلبك، المدينة التي "لم تعد كما كانت"، لكنها رغم كل ما مرّ عليها من تحوّلات، صمدت وبقيت.
أما في الحب، فيرى أن الإنسان لا يختار الحب، بل يأتي الحب من تلقاء نفسه، لذلك فهو لا يؤمن بمؤسسة الزواج التقليدية ويدافع عن حرية الانفصال، معترفاً بأنه تزوّج خمس مرات، ولو عاد به الزمن لما تزوّج أبداً.

طلال حيدر وميشيل تويني.

ويتحدث عن الدين من زاوية إنسانية عميقة، مؤكداً أن علاقته بالمسيح مميّزة، وأن المسيح لا يمكن أن يقول لإنسان من طائفة أخرى "اذهب إلى مكان آخر"، ويرى أن الحضارات تنهار عندما يهيمن الدين على الدولة والسياسة. كما يعتبر أن لو كان السياسيون في لبنان يفهمون في الفن، لكان البلد بألف خير.

يروي أيضاً عن صداقته بالفنان التشكيلي جميل ملاعب، الذي خصص له صالوناً في منزله يضم العديد من لوحاته، ويصفه بأنه من أهم الفنانين في العالم العربي، إلى جانب ضياء العزاوي.
وخلال اللقاء، استذكر غسان وجبران تويني أكثر من مرة، هو الذي كان جزءاً من مسيرة جريدة النهار وتاريخها.

كان اللقاء ثريّاً بالحديث عن الجنون والزمن والوقت والشعر، وعن ذاكرةٍ لبنانيةٍ جميلة نفتقدها اليوم. ومن أجمل ما قاله طلال حيدر: "أريد أن أتقمّص طلال حيدر مجدداً، لأكمل رغم الموت".
كان لقاءً من العمر مع شاعرٍ يمتلك فن الكلمة والحرف والدهشة، وكم كنّا نتمنى لو كان لقاءً أسبوعياً، لأن مع طلال حيدر نسافر دائمًا نحو زمنٍ نفتقده... زمنٍ جميل.