"أصيلة 46" يكرم عبد الكريم الوزاني أحد أبرز التشكيليين المغاربة المعاصرين

ثقافة 09-10-2025 | 15:50

"أصيلة 46" يكرم عبد الكريم الوزاني أحد أبرز التشكيليين المغاربة المعاصرين

 الوزاني فنان طليعي بتركيباته، وبشخصه ومزاجه ولغته.
"أصيلة 46" يكرم عبد الكريم الوزاني أحد أبرز التشكيليين المغاربة المعاصرين
جانب من الندوة التكريمية للفنان التشكيلي عبد الكريم ناحت الملهاة
Smaller Bigger


أصيلة :كريم السعدي 

في أجواء احتفائية ملؤها التقدير والاعتراف، كرّم موسم أصيلة الثقافي الدولي الـ46، في دورته الخريفية،أخيرا ، الفنان التشكيلي المغربي عبد الكريم الوزاني، في ندوة ألقت الضوء على مسيرته الفنية وإسهاماته الإبداعية.
وجاءت الشهادات المقدمة لتسلّط الضوء على أبرز السمات التي طبعت مسار هذا الفنان، الذي استطاع أن ينسج لنفسه مسارًا فنيًا متفرّدًا يجمع بين النحت والصباغة والحفر، كما تميز بموقف فني صادق ومتفرّد، لم ينفصل به عن إيمانه بجذرية التحول في بناء ملامح تكويناته البصرية، ما جعله يلامس باستمرار آفاقًا تتجاوز الكتلة والموضوع والمساحة، في خرق لأفق التوقُّع، وهو ما منح أعماله تميزًا وحضورا.

عمق جدي
في مداخلته التقديمية، استهل شرف الدين ماجدولين، الناقد وأستاذ التعليم العالي، ومنسق الندوة، حديثه بالعودة إلى عنوان الندوةالتكريمية، مبرزًا دلالاته، قائلاً إن توصيف "ناحت الملهاة" جاء من منطلق أن "الملهاة لها عمق مأساوي وجدي". وأضاف أن الوزاني يبني توازنًا خاصًا في الكائنات التي تشكّل موضوع أعماله، سواء داخل المغرب أو خارجه، في نوع من "السيرك"الذي يوازن بين البُعد الجدّي والطرافة.
ورأى ماجدولين أن الوزاني فنان طليعي بتركيباته، وبشخصه ومزاجه ولغته، يقول "المفاهيم المركبة والعميقة بلغة دارجية بسيطة، لا تخلو من فرح ومن نزعة الملهاة".

 

 

حاتم البطيوي امين عام مؤسسة منتدى أصيلة يسلم الوزاني شهادة تقديرية
حاتم البطيوي امين عام مؤسسة منتدى أصيلة يسلم الوزاني شهادة تقديرية

 

 

 

مسار متفرد
من جهته ، قال حاتم البطيوي، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، إن الوزاني هو "واحد من أبرز الأسماء في المشهد التشكيلي المغربي المعاصر"، مشيرًا إلى أنه "استطاع أن ينسج لنفسه مسارًا فنيًا متفرّدًا يجمع بين النحت والصباغة والحفر، وبين الحسّ الجمالي العميق والبحث الدائم في تجلّيات الطبيعة والكائنات".
وفي استحضار لمساره الفني، أشار البطيوي إلى أن الوزاني"ينتمي إلى مدرسة تطوان التشكيلية في جيلها الثاني، تلك المدينة التي شكّلت عبر تاريخها فضاءً خصبًا للفنون التشكيلية. نهل منها الفنان مبادئه الأولى، وتشرّب ألوانها وضوءها المتوسطي، قبل أن يُصقِل موهبته بالدراسة الأكاديمية خارج المغرب، واحتكاكه بتجارب فنية عالمية"، مضيفًا أنه "شارك في العديد من المعارض الوطنية والدولية، ونالت أعماله تقدير النقاد والجمهور على السواء. كما ساهم، من خلال تجربته التربوية والتعليمية، في تكوين أجيال جديدة من الفنانين، مؤكدًا أن الفن ليس مجرد تعبيرٍ فردي، بل هو رسالة ثقافية وحضارية".

عمق فكري
على مستوى الأسلوب الفني، أوضح البطيوي أن "تجربة الوزاني تتميّز بارتكازها على الحوار بين التشخيص والتجريد؛ إذ يتعرّف المتلقي في أعماله على ملامح وجودٍ لذواتٍ تقلّصت إلى بنيات أولى، وكأنّ الأمر يتعلق باختبارٍ للمواد والخامات، قبل أن تتحوّل تلك الكائنات إلى كتلٍ ذات عمق فكري، يُدمجها الفنان ضمن قاعدة تشكيلية معاصرة تعتمد على التقطيع واللعب بالفضاءات والألوان".
وأضاف البطيوي أن الوزاني "لا ينقل الظاهر كما هو، بل يُعيد صياغته بأشكال بصرية جديدة تمنحه حياةً أخرى، مما يجعل لوحاته ومنحوتاته جسورًا بين الظاهر والمحتمل، وبين المحلي والكوني". وأشار إلى أن ما يميز هذا الفنان اشتغاله الحثيث على "البنية اللونية"، حيث تتناغم في أعماله "البياضات المضيئة والألوان المتعددة في توازنٍ دقيق، يعكس حسّه الجمالي وقدرته على خلق الانسجام البصري"، فيما "تبرز لوحاته، رغم طابعها التجريدي أحيانًا، بعدًا روحيًا وتأمليًا يجعل المتلقي في حالة انغماسٍ بصري وشعوري في آنٍ واحد".
وخلص البطيوي إلى القول إن "تجربة الوزاني تمثل نموذجًا للفنان المغربي الذي ينفتح على الحداثة دون أن يفقد جذوره، ويؤكد أن الفن المغربي قادرٌ على أن يكون صوتًا عالميًا يحمل بصمته الخاصة ويُعبّر عن هوية منفتحة ومتجددة".

الواقعي والمتخيل
عبّر محمد الأشعري، الشاعر والروائي وعضو أكاديمية المملكة المغربية، ووزير الثقافة السابق ، عن تقديره الشخصي والإنساني للوزاني قائلاً: "يتهيأ لي أن الوزاني يفكر باستمرار في الأثر الذي سيحدثه عمله على المشاهد من أول نظرة. يتعلق الأمر، هنا، بميثاق قديم سعى الفنان إلى تدقيقه في كل التجربة. إنه يؤلف عناصر عمله الفني من مرميات الخارج التي تتشكل من أشياء وكائنات وأشكال مستقرة في المألوف والمتكرر، ومن مرئيات الداخل التي تتكون من رؤى وأحلام واستيهامات ومشاعر، ويركب من العالمين عالما ثالثا مرئيا وغير مرئي، واقعيا ومتخيلا".
واعتبر الأشعري أن الفنان "يعقد مع مشاهد عمله ميثاق افتتان"، مشيرا إلى أن "الأمر، هنا، لا يتعلق بعلاقة انبهار ودهشة مما يحدثه الأثر الفوري للألوان والتراكيب واللعب والسخرية واللا متوقع، بل بالتفاعل المتأني الذي يتيح افتتانا حرا، مشتبكا بالعمل الفني ومستقلا عنه في آن".

افتتان وتأويل
رأى الأشعري أن الوزاني راهن على أن يحصل لعمله الفني على "حياة أخرى"، ليس فقط عن طريق "الافتتان"، بل أيضا عن طريق "حرية التأويل".
وفي تحليله للأسلوب، تحدث عن وجهة نظر نقدية ترى أن "الوزاني يشتغل كشاعر"، وقال إن "هناك أكثر من مدخل للتأكد من هذا الأمر: منهجية التركيب أولا، ورؤية العالم ثانيا، ثم اللغة أخيرا، من خلال نحت لغة خاصة، تتجلى في أبجدية حركاته وبلاغة جملته التشكيلية". وأضاف، أنه "في قلب هذه المقاربة الشعرية، تتحدد علاقة الوزاني بالشكل"؛ الوزاني الذي "يقوم، على مدى تجربته الطويلة، بإعادة إنتاج مستمرة لمرئياته الخاصة، لتقف كيفما اتفق. مرئيات تتسم بواقعية لا ريب فيها". وأضاف موضحا: "نحن لا نشكك في واقعية السمكة التي يقترحها الوزاني، ولكننا بمقتضى ميثاق الافتتان الدي أبرمناه معه نحب أن تكون السمكة، كما في اللوحة أو المنحوتة، داخل كأس نبيذ أو فوق دراجة. لا نرى في ذلك أي اختراق للواقعية، ولو أن النقد يمكن أن يقول لنا إن الوزاني قد ابتكر نوعا من الواقعية السحرية".

عقارب الساعة
قال الأشعري إن "الوزاني يقول إنه ليس نحاتا. هذا اعتقاده. إنه رسام. حتى منحوتاته يقول إنه يرسمها، وربما ينحت لوحاته، أيضا. هذا صحيح من دون شك، وهناك بالتأكيد إقامة حتى في الما بين بالنسبة له، تسمح له بإعطاء الأسبقية لنوع من الرياضة الروحية، عوض البقاء سجين المادة والشكل واللون".
ورأى الأشعري أن "الوزاني لا يكف من التشويش على جدية الآخرين وعلى استكانة محيطه لنوع من اللا حدث ومن الرتابة المزمنة"، بينما "تتعمد أعماله أن تنفلت من الأزمنة على غرار ما تفعله عقارب الساعة في بعض لوحاته ومنحوتاته، عندما يخرج أحد العقارب من سلطة الدائرة أو المربع الذي يربط الوقت أو عندما يرسم ساعة بدون أرقام، أو عندما يذهب أبعد من ذلك، فيجعل الساعة رأسا لشخص بدون وقت".

أثر الفنان

أبرز الأكاديمي والناقد الفني المغربي محمد المطالسي أن الوزاني يمثل "وجهًا أساسيًا ومركزيًا في المشهد التشكيلي المغربي المعاصر"، منوهًا إلى أن أعماله "عميقة، متمهلة، متطلبة وصبورة، تقاوم صخب الزمن الذي يلهث مسرعا".
وشدد المطالسي على أن "أعمال الوزاني تحتفظ بلغة واحدة، بينما عمله شكل من أشكال الحضور"، بخلاف "فن الفرجة" الذي يسعى إلى إثارة الانتباه اللحظي. وقال إن الفنان "ينحت أعماله بانتباه، تماما كما نفعل حين نصلي، نفكر أو نحب"، مقترحًا ثلاثة مفاتيح لفهم عمله: "مسار الرجل، والأثر من خلال موضوعاته ولغته، وكيف يقول هذا الأثر زمننا".

اللعب والمخاطرة
وصف عزيز الداكي، مدير مؤسسة عروض فنية، تجربة الوزاني بأنها تقوم على اللعب، قائلاً: "اللعب مكون أساسي في الفعل الفني لأعمال الوزاني". لكنه حذّر من اختزال هذا اللعب في مجرد ترف أو أنه نشاط مجاني، مؤكدا أن "لعِب الوزاني ليس بلا مخاطر"، خصوصا ما تعلق بخطر السقوط في السهولة.
وأوضح الداكي أن السهولة تُفقد الفن أصالته، قائلاً: "حين نغرق في السهولة لا نكون بصدد الابتكار. فحين يكون الأمر سهلا، ذلك يعني أنه ليس هناك مخاطرة بالنسبة للفنان".

السهل الممتنع
ضمن مداخلته المعنونة بـ"حكايات / خرافات جدتي"، استعاد الفنان التشكيلي بوزيد بوعبيد مسار علاقة الصداقة الطويلة التي تربطه بالوزاني، والتي تمتد على مدى 53 عامًا. وعبّر عن رؤيته لخصوصية تجربة الوزاني، قائلاً إن "الوزاني / الفنان ينتج كطفل ويفكر كعاقل"، مشيرًا إلى أن رفيق دربه "كان بارعا، منذ طفولته، في صناعة لعبه بمختلف الأشكال والخامات".
وأوضح بوعبيد أن اللعب لم يكن بالنسبة للوزاني مجرد تسلية، بل كان "وسيلة للتفكير باليد قبل التفكير بالعقل"، وهو ما مهد له لاحقًا الطريق لـ"إعادة صنعها كطفل عاقل بقطع تشكيلية تروم السهل الممتنع"، حيث برزت قدرته على "إبداع الأشكال النحتية بتعابير خرافية"، كأنما "يعيد صياغة حكايات / خرافات الجدة في فنه المعاصر".

نبض العابر
من جهته ، شدد أحمد مجيدو، الأكاديمي والباحث في الفنون البصرية، على أن الوزاني تميز كفنان، تمكن من "إيجاد وسيلة لتكون المادة الأولية للمنحوتة والرسم تعبر عن النبض العابر لذات الفرد"، مشيرا إلى أن تجربته الفنية تتميز بـ"أصالة أسلوبه الفني، وتمركزه ما بين ما بعد الحداثة الغربية ومتطلبات الهوية، في محاولة منه لفرض سلطة القلب".

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/8/2025 3:44:00 AM
أقدم شقيق النائب الأردني السابق قصي الدميسي على إطلاق النار من سلاح رشاش تجاه شقيقه عبد الكريم داخل مكتبه، ما أدى إلى وفاته على الفور.
اقتصاد وأعمال 10/8/2025 7:17:00 PM
ما هو الذهب الصافي الصلب الصيني، ولماذا هو منافس قوي للذهب التقليدي، وكيف سيغير مستقبل صناعة المجوهرات عالمياً، وأهم مزاياه، وبماذا ينصح الخبراء المشترين؟
النهار تتحقق 10/8/2025 9:20:00 AM
إعلان مفرح من محمد شاكر خلال الساعات الماضية. "صدر حكم ببراءة والدي، فضل شاكر"، وفقاً للمتناقل. فيديو تكشف "النّهار" حقيقته.  
سياسة 10/8/2025 1:16:00 AM
تمام بليق يوضح حقيقة ما جرى مع الشيخ حسن مرعب في صيدا