
أصيلة - كريم السعدي
دعا مشاركون في ندوة "أفريقيا الأطلسية: نحو رؤية أفريقية متكاملة للفضاء الأطلسي"، التي نُظمت أخيراً بشراكة بين مؤسسة منتدى أصيلة ومركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، ضمن فعاليات الدورة الخريفية من موسم أصيلة الثقافي الدولي الـ46، الدول الأفريقية المعنية إلى تملك المبادرة الأطلسية، بحيث تدلو بدلوها وتشارك فيها بقناعة ومسؤولية؛ معتبرين أنها تصبّ في صالح مجموع هذه الدول، وذلك بشكل يفرز رؤية أفريقية متكاملة للفضاء الأطلسي، تتجاوز ما هو تقليدي، يمكّن القارة من موقع مؤثر في المعادلة الدولية.
وركزت الندوة، التي شارك فيها عدد من المختصّين، على أهمية التفكير في التحولات الجيوسياسية العالمية المتسارعة، حيث بات الفضاء الأطلسي يشكل نقطة التقاء للمصالح الكبرى، سواء على مستوى الأمن أو الطاقة أو الطموحات الاقتصادية والتنافس الجيو- استراتيجي.
وسعت الجلسة إلى تحليل المرتكزات والآفاق والتحديات التي تطرحها مبادرة أفريقيا الأطلسية، خاصة من حيث الشروط السياسية والمؤسساتية، والحكامة البحرية، وأهمية تثمين الربط بين الموانئ وتعزيز الانتقال الأخضر. كل ذلك بهدف تجاوز المقاربات المجزأة، وبلورة آليات جديدة للتعاون بين دول الجنوب، بما يعزز دينامية الاندماج الأفريقي من خلال الواجهة الأطلسية.
منصّة للحوار
قال حاتم البطيوي، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، إن "العالم يشهد تغيرات كبيرة في توازناته السياسية والاقتصادية، بينما أصبح الفضاء الأطلسي من أهم المجالات التي تتقاطع فيها مصالح كبرى تتعلق بالأمن والطاقة والتنمية".
و"في الوقت الذي تتحرك فيه قوى دولية خارج أفريقيا بخطط واضحة"، يضيف البطيوي، "ما زالت الدول الأفريقية الأطلسية بحاجة إلى رؤية مشتركة تعبّر عن إمكانياتها الكبيرة. وهنا تبرز، في نظره، أهمية المبادرة الأطلسية للدول الأفريقية، التي أطلقها العاهل المغربي الملك محمد السادس"، مشيراً إلى أن "هذه المبادرة ليست مجرد إعلان، بل هي تصور عملي لبناء منصة للتشاور والتعاون بين الدول الأفريقية الأطلسية، حتى يكون لها صوت جماعي في قضايا الأطلسي".
وأضاف البطيوي أن "الأمر يتعلق بجزء من رؤية أكبر تشمل مشاريع كبرى مثل خط أنابيب الغاز المغرب – نيجيريا، والمبادرة الملكية لمنح دول الساحل منفذاً استراتيجياً إلى المحيط الأطلسي".
تكامل وتحديات
قالت نزهة الشقروني، الوزيرة والسفيرة المغربية السابقة، في كلمة تقديمها للندوة والمشاركين، إن اللقاء يأتي في سياق "إعادة تشكيل التوازنات الاستراتيجية العالمية، حيث أصبح الفضاء الأطلسي ملتقى رهانات أمنية، وطاقية، وجيو - اقتصادية وجيو سياسية".
وأضافت الشقروني أنه "بينما تطور القوى غير الأفريقية استراتيجياتها الواضحة في هذا الفضاء، ما زالت الدول الأفريقية تواجه صعوبة في بلورة رؤية مشتركة". وقالت إن "مبادرة أفريقيا الأطلسية، التي أطلقها ملك المغرب، تروم بناء قاعدة للتشاور والتعاون، قائمة على مصالح مشتركة"، فيما "تنسجم مع مبادرات إقليمية أخرى مثل مشروع خط أنابيب الغاز المغرب – نيجيريا، وخصوصاً تمكين بلدان الساحل من الولوج الاستراتيجي إلى المحيط الأطلسي".
تقاطع مصالح
بدوره، قال محمد لوليشكي، الباحث في مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، والأستاذ في جامعة محمد السادس المتعددة التخصصات التقنية، والديبلوماسي الممثل الدائم للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة بجنيف ونيويورك سابقاً، إن المحيط الأطلسي يشهد اليوم تحولاً في موقعه داخل الخريطة الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، بحيث لم يعد مجرد مجال بحري يربط بين ضفتين، بل أصبح ساحة للتلاقي والتعاون والتنافس.
وتحدث لوليشكي، في سياق جوابه عن سؤال طرحته عليه الشقروني - عن الكيفية التي يمكن بها لأفريقيا الأطلسية أن تجسّد إقليمية براغماتية متضامنة قادرة على تجاوز المنطق الجيوسياسي البحت من أجل بناء آلية لتعاون اقتصادي وأمني في خدمة الشعوب - عن أفريقيا الأطلسية كمفهوم استراتيجي جديد يدعو إلى صياغة رؤية أفريقية متكاملة للفضاء الأطلسي، تتجاوز ما هو تقليدي، بحيث يصبح للقارة موقع مؤثر في المعادلة الدولية.
وأشار لوليشكي إلى أن المغرب تمكن، خلال السنوات العشرين الأخيرة، من ترسيخ مكانته كمحور استراتيجي في الفضاء الأطلسي، في عدد من المجالات، بما عزز دوره، وأكد مكانته كصلة وصل بين الشمال والجنوب، وبين الشرق والغرب.
وأضاف لوليشكي أنه يمكن القول إن المغرب قد تحول إلى منصة نشطة لإطلاق مبادرات وصياغة حلول مشتركة، مشيراً إلى أن التجربة المغربية تحمل جملة من الدروس التي يمكن البناء عليها لصياغة رؤية أفريقية متكاملة للفضاء الأطلسي، مع إشارته إلى أن الرؤية الأفريقية المستقبلية ينبغي أن تركز على تنسيق المبادرة الطاقية بين الدول الأطلسية، على غرار أنبوب الغاز مع نيجيريا.
واعتبر لوليشكي أن إنجاح مبادرات اندماجية فعالة، على غرار المبادرة الأطلسية، التي وإن كانت مبادرة وليست مشروعاً مكتملاً، يتطلب أن تتملكها كل الدول الأفريقية المعنية، وأن تدلو بدلوها وأن تشارك فيها بقناعة ومسؤولية.
وأضاف لوليشكي أن أفريقيا الأطلسية ليست مجرد امتداد جغرافي أو توصيف جغرافي جديد، بل رؤية استراتيجية قادرة على إعادة صياغة التوازنات في المحيط الأطلسي، ومنح القارة الأفريقية دوراً فعالاً في مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين.
المرافعة من أجل مصالح أفريقيا
تطرق طارق ازيرارن، المستشار الديبلوماسي بوزارة الشؤون الخارجية، والكاتب الدائم لمسار الدول الأفريقية الأطلسية، والمدير المساعد السابق للسياسات والشراكات الاستراتيجية لدى مكتب الأمم المتحدة للتعاون جنوب - جنوب، إلى الدور القيادي للمغرب على مستوى طرح المبادرة الأطلسية، في علاقة بموقعه داخل المنطقة، وذلك بشكل يبرز الدور الفاعل والريادي لأفريقيا.
وشدد على أن هناك عدة عوامل تمكّن المملكة من هذا التموقع، بحيث يسمح بتقبل هذا الدور القيادي على مستوى المنطقة؛ تتمثل أولاً، في أن المغرب رافع دائماً من أجل مصالح أفريقيا، ودفع في اتجاه أن تقدم القارة حلولها لمشاكلها الخاصة؛ وثانياً، في أن المغرب مندمج على مستوى القارة الأفريقية، ممثلاً لذلك بحجم الاستثمارات المغربية فيها؛ بينما يتعلق العامل الثالث بدور الربط الذي يقوم به المغرب كمنصة تربط أفريقيا بقارات ومناطق أخرى.
وتوسع ازيرارن في الحديث عن رؤية مندمجة، تقوم على ثلاث دعائم، تشمل الحوار السياسي والأمني، والبعد الاقتصادي، وتحقيق التنمية. وخلص إلى أن هدف المبادرة يتمثل في مساعدة الدول الأفريقية على الاندماج أكثر، لكي تؤدي دورها كفاعل أساسي في الحكامة البحرية، وخصوصاً على مستوى الحوض الأطلسي.
مبادرة وثلاثة أسئلة
تحدّث جمال مشروح، الباحث في مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، والأستاذ في جامعة محمد السادس المتعددة التخصصات التقنية، عن ثلاثة مداخل لورقته، تقوم على أسئلة "ماذا"، "لماذا" و"كيف".
ورأى مشروح أن الأمر لا يتعلق، في ما يخص مبادرات المغرب، بقطيعة في السياسة الخارجية للمغرب؛ بل بمبادرات تستحضر وتستعيد إرثاً ورأسمالاً أفريقياً للديبلوماسية المغربية. فبالنسبة إلى دول الساحل ومبادرة تسهيل وصولها إلى الأطلسي، لا يتعلق الأمر، فقط، بحسب مشروح، بطريق تربط هذه الدول بالساحل الأطلسي، بل بمبادرة بطابع اقتصادي وسياسي، يتعلق بالبنية التحتية، بما يمكّن من ربط هذه الدول بسبل الازدهار وتطوير الاقتصاد وضمان الاستقرار.
وأشار مشروح إلى أن المبادرة الأطلسية تقوم على أهمية البحر، وقيمة الاندماج وإعادة التفكير في أفريقيا لا كمفهوم أمني وعسكري بل كمفهوم اقتصادي وتنموي.
وخلص مشروح إلى أن المبادرة تتطلب رافعات لترجمتها، تتمثل في احتضان وتملك الدول المعنية لها، واقتناعها بأن فيها منفعة لكامل المنطقة.