متحف اللوفر "يقرأ" تاريخ الفن القوطي

باريس- أوراس زيباوي
تحت عنوان "أشكال وتعابير قوطية" افتتح في متحف اللوفر معرض جديد يروي نشأة الفن القوطي وتجلياته منذ مرحلة القرون الوسطى حتى اليوم، ويندرج في إطار العودة الى هذا الفن التي تشهدها الحياة الثقافية منذ اندلاع الحريق الضخم في "كاتدرائية نوتردام" في باريس عام 2019 التي تعتبر من روائع العمارة القوطية ومدرجة على لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو وتستقطب سنويا ملايين الزوار. وكانت ردود الفعل الشعبية والرسمية التي تلت الحريق بينت مدى تعلق الفرنسيين بهذه الأيقونة الفنية التي تختزل الفن القوطي في أبهى صوره.
يقدم المعرض قراءة مختلفة للفن القوطي تعد الأولى من نوعها، مستعينا بمئات القطع الفنية من المتاحف المعروفة كمتحف اللوفر ومتحف كلوني المخصص للقرون الوسطى ومتحف العمارة والمكتبات كالمكتبة الوطنية في باريس. رحلة عبر الأزمنة تبدأ في القرن الثاني عشر وهو تاريخ الولادة الرسمية للفن القوطي عندما نشأ في باريس وضواحيها طراز فني جديد تجسد في العمارة والنحت والرسم وفن الزجاج وسرعان ما انتشر في بقية المناطق الفرنسية وفي أوروبا.
تميزت العمارة القوطية بارتفاعاتها الشاهقة وأقواسها المدببة، أما الأعمال الفنية ومنها المنحوتات واللوحات والقطع العاجية فكانت تثير لدى المشاهدين النشوة الممزوجة بالخوف. شكلت الكاتدرائيات الفرنسية الكبرى ومنها نوتردام في باريس وسان دوني في ضواحي العاصمة، النموذج الرائد للكاتدرائيات الأوروبية، مما كرس باريس كعاصمة ثقافية وفنية منذ القرن الثالث عشر. نشاهد في المعرض نماذج بديعة من النحت القوطي ومنها رأس لملك المجوس أنجز عام 1258 من مجموعة متحف كلوني.
مع ظهور فنون عصر النهضة الإيطالية في القرن السادس عشر تبدلت مفاهيم العمارة والفنون التشكيلية في أوروبا وشهدت عودة الى الجمالية الكلاسيكية للفنون الاغريقية -الرومانية القديمة. أراد الفنانون محاكاة الطبيعة وتجسيد الأبعاد الثلاثة في لوحاتهم، وابتعدوا عن روح الفنون القوطية التي وُصفت بالفنون البدائية والبربرية. كان علينا أن ننتظر القرن الثامن عشر حتى يُعاد اكتشاف المزايا الفريدة للفن القوطي في فرنسا وإنكلترا. تزامن ذلك مع نشوء الحركة الرومنسية في الأدب والفنون وانبهار أدباء كبار بالجمالية القوطية بما تجسده من سحر وغموض. عبّر المبدعون أيضا عن إعجابهم بمنحوتات الكائنات التي تشبه الوحوش البغيضة والتي تطالعنا في واجهات الكاتدرائيات.
في مثل هذه الأجواء كتب الأديب الفرنسي فيكتور هوغو روايته التاريخية "نوتردام باريس" التي صدرت عام 1831 وتدور أحداثها في أواخر القرن الخامس عشر في الكاتدرائية الشهيرة. بطلها الأحدب كازيمودو، مهمته قرع الأجراس، يقضي وقته في الكنيسة ولا يختلط بالبشر بسبب بشاعته التي تخيف كل من يشاهده. من المؤكد أن نجاح الرواية شعبيا في فرنسا والعالم، ساهم في إعادة الاعتبار إلى الكاتدرائية التي كانت تعاني من الإهمال والتصدع مما سمح بترميمها لاحقا. يبين المعرض أيضا أن فيكتور هوغو كان من أبرز المدافعين عن العمارة القوطية وضرورة الحفاظ عليها، وساهم مع شخصيات فرنسية أخرى في إعادة الاعتبار الى هذا التراث الفني العريق وسن القوانين التي تحمي الصروح المعمارية من التدمير والهدم.
في إنكلترا، أدت الثورة الصناعية الى إعادة اكتشاف العمارة القوطية، فنشأت حركة إحياء الفن القوطي كرد فعل على كلاسيكية فنون عصر النهضة، وفي موازاة الحركة الرومنسية في الأدب والفن التشكيلي.
في القرن العشرين استمر افتتان الخلاقين في المجالات كافة بالفنون القوطية. ففي مجال الهندسة المعمارية، تزينت واجهات ناطحات السحاب في مدينتي شيكاغو ونيويورك الأميركيتين بالزخارف المستوحاة من العمارة القوطية، وتعتبر أولى ناطحات السحاب في العالم، إذ شُيدت ما بين نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين لتشهد على تزاوج روح الفن القوطي مع العمارة الحديثة.
في مجال كتب الأشرطة المصورة، تعكس عوالم سلسلة كتب "الرجل الوطواط" أو "باتمان"، التي ظهرت للمرة الأولى في الولايات المتحدة، نهاية الثلاثينات من القرن الماضي، جمالية الفن القوطي في أوجه عديدة. فباتمان هو فارس الظلام في مدينة غوتام الخيالية والمظلمة حيث يصارع الأشرار ومنهم جوكر ليحافظ على الأمن والأمان ويحارب الجريمة مرتديا قناعه وبذلته السوداء المستوحاة من هيئة الخفافيش.