المسرح العالمي بين ضفّتَي الأطلسي: برودواي يتعثّر و"وست إند" يتألّق

أول ما يتبادر إلى الذهن عن ذكر "برودواي" مشهد البريق والألق الذي يرافق تجربة المسرح في نيويورك. على مدى أكثر من قرن، ظلت المدينة عاصمة الخيال والإبداع، يُقاس النجاح الحقيقي ببلوغ خشباتها. وحتى حين اجتاحت أعمال أندرو لويد ويبر العملاقة المشهد المسرحي في الثمانينيات، بقي المسرح النيويوركي المعيار الأسمى الذي يطمح إليه الجميع.
لكن مسرح "وست إند" في لندن يلمع اليوم كأحد أنجح الوجهات المسرحية في العالم، فيما يواصل برودواي في نيويورك سعيه لاستعادة مكانته التي اهتزّت بعد جائحة كورونا.
عام 2024، استقطب "وست إند" نحو 17.1 مليون متفرّج، بزيادة 11 في المئة عن أرقام ما قبل الجائحة، وبفارق يقارب خمسة ملايين زائر إضافي مقارنة ببرودواي. وفيما سجّل الأخير 12.3 مليون مشاهدة خلال موسم 2023-2024، ظلّ أداؤه أدنى من ذروته السابقة بنسبة 17 في المئة. الإيرادات بدورها عكست هذا التراجع، إذ توقفت عائدات برودواي عند 1.54 مليار دولار، وهو رقم مستقر لكنه لا يرقى إلى مستويات ما قبل كورونا.
الفجوة تتسع أكثر عند النظر إلى السياحة، إذ إنّ ربع السياح الدوليين في لندن حضروا عرضاً مسرحياً في "وست إند" عام 2024، وفق "جمعية مسارح لندن"، ما عزّز من وهج المنطقة وازدهارها الاقتصادي. أما نيويورك، فتترقّب عاماً صعباً مع توقّعات بانخفاض عدد الزوار الدوليين إلى 12.1 مليون فقط في 2025، أي بتراجع 17 في المئة عن العام السابق، وهو ما يضع برودواي في موقف أكثر هشاشة.
جزء من نجاح لندن يعود إلى السياسات الداعمة، إذ تستفيد المسارح البريطانية من إعفاء ضريبي دائم يصل إلى 45 في المئة من تكاليف الإنتاج، وفق تقرير لـ"رويترز". ويؤكّد المنتج وعضو مجلس إدارة "جمعية مسارح لندن"، باتريك غرايسي، أنّ "المملكة المتحدة هي أفضل مكان في العالم لصناعة المسرح ومشاهدته". في المقابل، تُظهر تحليلات أنّ إنتاج مسرحية موسيقية في برودواي قد يكلّف ثلاثة إلى خمسة أضعاف نظيرتها في لندن، وهو ما يفسّر تزايد توجه العروض إلى العاصمة البريطانية أولاً.
مع ذلك، لا يزال برودواي يعوّل على نجومية الأسماء الكبيرة، إذ ساهمت مشاركات ممثلين من الصف الأول في رفع المبيعات بنحو 20 في المئة في بداية بعض المواسم، وحافظ على استقرار نسبي في عدد الحضور. لكن المؤشرات الثقافية تشير بوضوح إلى أن الزخم انتقل إلى الضفة الأخرى من الأطلسي.
في الوقت الراهن، تبدو أضواء لندن أكثر إشراقاً: جماهير قياسية، سياحة متدفقة، وحوافز مالية، عزّزت مكانة "وست إند"، فيما يواصل برودواي محاولاته لإعادة إحياء بريقه.