كُتّاب ونُقّاد تحدّثوا لـ"النهار" عن إشكالية تعلم الإبداع... ورش الكتابة بين متحمس لها ومتشكك في جدواها

ثقافة 23-09-2025 | 19:41

كُتّاب ونُقّاد تحدّثوا لـ"النهار" عن إشكالية تعلم الإبداع... ورش الكتابة بين متحمس لها ومتشكك في جدواها

7 كتّاب ونقّاد في حوار مع "النهار" عن الاتجاه المتنامي نحو ورش تعليم الكتابة، والذي يثير الحماس والشكوك معاً.
كُتّاب ونُقّاد تحدّثوا لـ"النهار" عن إشكالية تعلم الإبداع... ورش الكتابة بين متحمس لها ومتشكك في جدواها
جانب من ورشة كتابة. (Freepik)
Smaller Bigger

"هل أنت شغوف بعالم السرد؟ هل تطمح إلى صقل مهاراتك الكتابية واكتشاف أسرار الحكاية؟ يسر دار (...) أن تعلن عن إطلاق ورشة عمل فريدة ومكثفة في الكتابة السردية... انضموا إلينا في هذه الرحلة الأدبية الملهمة، واكتشفوا كيف يمكن للسرد أن يغير نظرتكم للعالم". كان هذا نص إعلان إحدى دور النشر المصرية عن تنظيمها ورشة لتعليم الكتابة، وهو مجرد نموذج لإعلانات مماثلة من دور نشر في مصر وغيرها من البلاد العربية تؤكد اتجاهاً متنامياً نحو المزيد من ورش الكتابة بين متحمس لها، من ناحية، ومتشكك في جدواها، من ناحية أخرى.

لا يقتصر تنظيم ورش الكتابة على دور النشر التي وجدت فيها مورداً إضافياً للربح، واكتشاف كتاب جدد في الوقت نفسه، بل يتعداه إلى مبادرات لكُتاب متمرسين منهم الروائي والمترجم المصري محمد عبد النبي صاحب رواية "في غرفة العنكبوت" التي تضمنتها القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) لعام 2017، وفازت في العام نفسه بجائزة ساويرس، وفي العام 2019 فازت بجائزة الأدب العربي المترجم إلى الفرنسية التي يمنحها معهد العالم العربي في باريس، بالتعاون مع مؤسسة لاغاردير.

 

الكتابة الإبداعية. (Freepik)
الكتابة الإبداعية. (Freepik)

 

يقول عبد النبي لـ"النهار" عن تجربته في تنظيم ورشة للكتابة، وعن هذا الاتجاه عموماً: "تأثير الورش على المتدربين هو مسألة تختلف من شخص إلى آخر. هناك من يواصل الكتابة والعمل على مهاراته ومشاريعه بعد الورشة وهناك من يتوقف لأسباب كثيرة. ليس كل من يتخرج في الورش كاتب بطبيعة الحال ولكنه قد يكون أرضى فضوله قليلاً حول إمكان أن يعمل بالكتابة أو لا وتعرَّف إلى طبيعة هذه الحرفة". ويضيف: "سبق أن نظَّمتُ ورشة للرواية الأولى وكان معنا عدد كبير تمت تصفيته تدريجياً من مرحلة إلى أخرى. بعض خريجي تلك الورشة أنهى روايته الأولى، وسعى إلى نشرها، وبعضهم لم يتخذ بعد خطوات عملية في طريق النشر. أحيانا يكون التأثير نفسياً واجتماعياً أكثر منه فنياً وأدبياً. فسبق أن عقدنا ورشة مجانية (وبالعمل التطوعي الكامل) عن البيت ومعناه بين مجموعة من المتدربين من مصر والسودان لدمج الأشقاء السودانيين في المجتمع المصري ولفتح قنوات للتحاور حول المشتركات بيننا وحول ما يجمعنا كبيت. الفكرة كانت السماح للجميع بالتعبير عن نفسه بالحكاية الشفوية والصورة الفوتوغرافية (تولى هذه المهمة مدربون آخرون) وتوليتُ أنا ورشة الكتابة الذاتية الإبداعية وأخرجنا كِتاباً تذكارياً جمع نصوص المشاركين  وحكاياتهم وطبعته دار  الشروق. كانت تجربة فنية وإنسانية مثمرة للغاية بالنسبة إلي".

الإجادة والتطور
تخرّجت في ورشة القاص والناقد المصري ممدوح رزق ثلاث دفعات حتى الآن، "فضلًا عن الكثيرين الذين شاركوا في ورشة اليوم الواحد التي عقدتُها في أماكن مختلفة خلال السنوات الماضية". ويقول رزق لـ"النهار" إن ما يسعى لاكتشافه وتحفيزه كل مرة لدى المشارك، في ورش كتابة القصة القصيرة، ليس ما يُسمى الاستعداد الفطري لكتابة القصة، لكن الخطوات التي يتخذها الكاتب نحو الإجادة والتطوّر. ويضيف: "أتحدث عما تمثله القصة القصيرة للمشارك في الورشة؛ هل يفكر في كتابتها كإجراء عابر أو على هامش حياته، أم أنه يعتبرها الممارسة الأكثر أصالة من حياته نفسها؟ يمكن لكاتب ما أن يصفه الآخرون عند قراءة قصصه الأولى بأنه موهوب، كما يمكنه أن يكون مجتهداً ومثابراً حقاً في بداية مساره كقاص، لكن ذلك ببساطة لا يضمن استمراره في الكتابة".

 

تتضمن نصائحه الختامية لكلّ ورشة التشديد على "القرار الذاتي" لكتابة القصة: ما الدافع وراء هذا القرار، ما الذي يستهدفه، هل هو مرهون بمرحلة موقتة أو باكتساب الخبرة فحسب أم أنها الرغبة الجوهرية في أن "تعيش وتموت" كقاص؟ هذا ما يحدد بالضرورة طبيعة الدعم الذي سيوفره الكاتب لهذا القرار، وهل سيتوقف عند حد معين أم سيظل مدركاً - وبمنتهى العفوية - أن لا شيء في العالم يوجد حقاً إلا من خلال قصة قصيرة.

الموهبة هي الأساس
  تقول الروائية اللبنانية علوية صبح لـ"النهار"، رداً على سؤال عن رأيها في مثل تلك الورش: "لا أدري كيف يمكن تعلم الكتابة الإبداعية، الأمر خارج تصوراتي وقناعاتي حقاً. إما أن هناك موهبة أو لا، حتى أنّ طب الدماغ حدَّد مكانها في الدماغ". وتضيف صاحبة رواية "إسمه الغرام" وغيرها أنّ الإبداع شأن خاص حميم وسري بين الكاتب ونفسه، ولا يمكن تعلم الخيال أبداً.

وترى صبح أن القراءة والثقافة والتجربة تصقل الموهبة وتزيدها نضجاً، "وكم من النقاد الجيدين والكبار فشلوا في تحاربهم الروائية، لافتقادهم للموهبة. لا أعتقد أن الكتّاب العالميين الكبار على مر العصور تعلَّموا دروساً في مختبرات كتابية". ولكنها تستدرك بالقول: "نحن في زمن باتت مادة تدريس الكتابة الإبداعية مقرَّرة في كبريات الجامعات، ولا ضيْر في ذلك إذا أفادت الموهوبين. والحال كذلك مع الورش الكتابية. وفي كل الأحوال، فإن ذلك أشبه بمهنة عصرية تضاف إلى المهن، الطامحة لكسب المال، أو حتى مجرد التمظهر في كثير من الورش".

أمّا الروائي والباحث في التنمية الثقافية مينا عادل جيد فيقول لـ"النهار" إنّ "الكتابة موهبة في الأساس، ومن يمتلك الموهبة والشغف سيعلّم نفسه بالقراءة والتجربة والخطأ". ويضيف: "أنا تعلمت بهذه الطريقة، ولكن لا مانع من ورش الكتابة طالما أن هناك مَن يحتاجها، وهناك من يقدمها، على ألا تغرس في عقول المتدرّبين أن هناك طريقة واحدة للكتابة. أنا أؤمن أن القاعدة في الكتابة أنه لا توجد قاعدة. هذا موقفي بشكل عام، أمّا من واقع اهتمامي الأكاديمي بالتنمية الثقافية فيمكن اعتبار الورش نشاطاً ثقافياً مهماً، بخاصة حينما تُنظَّم لمساعدة الفئات المهمَّشة والأقليات واللاجئين والناجين من الحروب ومناطق النزاع، والنساء المعنَّفات على تدوين مشاعرهن وتجاربهن، والتي ربما تساعد على الاستشفاء النفسي بعد التجارب المريرة، كما تساعد المتدرّبين على نشر تجاربهم لفضح ممارسات ظالمة، وتوعية آخرين وتشجيعهم على أن يكون لهم صوت".

ويختم صاحب رواية "سقوط أوراق التين": "في هذه الحالات، على وجه الخصوص، ورش الكتابة ليست مهمة فحسب، بل خدمة إنسانية وثقافية، على وزارات الثقافة والمجتمع المدني والمؤسسات الثقافية والكتّاب المتمرّسين أنفسهم دعمها".



مشهد من مكتبة عامة. (Freepik)
مشهد من مكتبة عامة. (Freepik)

 

أسرار الكتابة
يعتبر الشاعر والمترجم العراقي عبد الهادي سعدون في حديث إلى"النهار" أنّ "الورش الكتابية يمكن أن تمنحك كل التفاصيل الممكنة، ولكنها لا تعطيك أيَّ سرٍ من أسرار العملية الإبداعية مثل من يقرأ كثيرأ ويتعلم من الكُتَّاب وكتبهم ويمكنه الحديث فيها ليل نهار، لكنه لن يأتي بمثلها". ويرى سعدون الذي يعمل أستاذاً للغة العربية والأدب في جامعة مدريد المركزية (كومبلتنسه) أن الكتابة هي نتاج عملية قراءة مستمرة وخبرة وموهبة ومران دائم: "الكتابة لا تأتي بين يوم وليلة أو بمجرد الإحساس بالحاجة للكتابة، بل هي عملية هضم قوي لكل التجارب والقراءات والخبرات السابقة والتي تليها بكل تأكيد، وما الورش الكتابية تحت أي مسمى سوى وسيلة صغرى للتمرين، أما الرهان القادم بعملية الكتابة والاحتراق بنيرانها والحيلولة للمسْك بغصن ابداعي فيها، فهذا عملية شائكة وهيمان ورغبة وتمرين لا يهدأ أبداً".

ويستطرد سعدون قائلاً إنه "حتى لا نبخس الورش الابداعية الكتابية حقها كخيط موضح ومشارك في هذا العراك المضني، يمكن القول إنها تساهم بورقة أولى من التعاليم الضرورية والممكنة، ما يجيء بعدها هو الغوص الحقيقي في عملية المشاركة الفعلية بملء المزيد والمزيد من هذه الأوراق المجدية والنافعة والمضيفة للمتن الإبداعي.

بين حدَّيْن
ويرى الناقد المصري محمد عبد الباسط عيد أن  من الصعب صوغ السؤال بشأن ورش الكتابة على النحو الذي يضعها بين حديْن؛ "فلا شك أن تلك الورش تنقل خبرات مباشرة، وتهدي الكتَّاب الجدد إلى التقنيات والفنيَّات الخاصة بهذا النوع الكتابي أو ذاك، وظني هو أنه إذا كان المتدرب موهوباً ولديه الحماسة الكافية، والدافع الذاتي القوي، فإن الورشة ستقطع معه شوطاً، وسوف تختصر عليه الوقت، أما إنْ كان غير ذلك، فلا أظن أن الورش أو غيرها قد تتمكن من تقديم كاتب له شأن".

ويضيف صاحب كتاب "الخطاب النقدي: التراث والتأويل": "أظن أنه يمكن استخلاص ما يمكن وصفه بـ "نحو" هذا النوع الكتابي أو ذاك، وإذا أمكن ذلك فتدريسه تحصيل حاصل، ولكن يظل الأمر رهناً بالطالب الموهوب الذي لديه الدافع أو الحافز الذاتي. صحيح أن هناك فرقاً بين تعليم الصحافة والنقد وتعليم الممارسة الإبداعية، لكن اختيار نخبة من الموهوبين وتعليمهم الكتابة الإبداعية سيكون مفيداً، على الأقل في مرحلة البدايات. نحن نُعلِم الشعر بالفعل، ولكن الموهوبين وحدهم هم من يكتبونه. أقصد نعلمهم القواعد التقليدية كالعروض والقوافي، وهذا عمل أولي. بعض الطلاب يكتب الشعر بعد  التعلم وأثناءه، والقليل منهم يستمر. هل يمكن لكاتب موهوب أن يستعين بالذكاء الاصطناعي في كتابته؟ هذا مما يجب التسليم به الآن".

صنعة الكتابة
من جانبه، يرى الكاتب المغربي محمد سعيد احجيوج أن الكتابة الإبداعية تعتمد على عنصرين متكاملين: الموهبة الفطرية والحرفة المكتسبة. الأولى هبة يصعب تعلمها وهي ليست بالضرورة منحة فوق بشرية، بل هي نتاج البيئة وتشكيل الذهنية منذ الطفولة المبكرة، أما الركيزة الثانية فنتاج قراءة وخبرة طويلة. ويبرز الخلل في الساحة الأدبية عندما يتكئ بعض الكتّاب على الموهبة وحدها من دون تطعيمها بالدراسة الفنية أو يندفعون نحو الكتابة، الروائية بخاصة، من دون امتلاك أي شعلة داخلية من الموهبة.

ويضيف صاحب رواية "كافكا في طنجة" أن ورش  الكتابة تأتي لتقدم حلولاً، تبدو ظاهرياً أنها ناجعة، لهذه الإشكالية، حيث تروج لفكرة تعليم صنعة الكتابة، بافتراض أن كل المطلوب هو تعلم الأدوات من دون الحاجة إلى موهبة، أو افتراض أن كلَّ مَن يقدم للورش  يملك سلفاً الموهبة. ويشدد أحجيوج في هذا الصدد على أن هذه الصنعة ليست مجموعة من القواعد الثابتة التي يمكن اكتسابها خلال بضع ساعات، بل هي نضج أسلوبي يتطلب زمناً وممارسة مستديمة؛ "ونتيجة لذلك، غالباً ما تقتصر مخرجات هذه الورش على نصوص نمطية تنتمي إلى الأدب التجاري الذي يعتمد على قوالب جاهزة للإنتاج الروائي".

ويرى أنه بما أن الاكتساب الحقيقي لأدوات الكتابة يحتاج إلى مرافقة طويلة الأمد، فإن هذه الورش  القصيرة لا تزيد عن كونها أداة لتسويق الوهم، مستهدفةً الباحثين عن طرق مختصرة لدخول ساحة الكتابة الإبداعية، في حين أن المسار الحقيقي للإبداع لا يقبل الاختصار، فهو طريق طويل من القراءة والممارسة والتجربة الذاتية الأصيلة.

الأكثر قراءة

اقتصاد وأعمال 11/20/2025 10:55:00 PM
الجديد في القرار أنه سيتيح للمستفيد من التعميم 158 الحصول على 800 دولار نقداً إضافة إلى 200 دولار عبر بطاقة الائتمان...
سياسة 11/20/2025 6:12:00 PM
الجيش اللبناني يوقف نوح زعيتر أحد أخطر تجّار المخدرات في لبنان
سياسة 11/22/2025 12:00:00 AM
نوّه عون بالدور المميّز الذي يقوم به الجيش المنتشر في الجنوب عموماً وفي قطاع جنوب الليطاني خصوصاً، محيّياً ذكرى العسكريين الشهداء الذين سقطوا منذ بدء تنفيذ الخطّة الأمنية والذين بلغ عددهم 12 شهيداً. 
مجتمع 11/21/2025 8:31:00 AM
تركيا وسواحل سوريا ولبنان وفلسطين ستكون من بين المناطق المستهدفة بالأمطار بعد إيطاليا