"عالهوى سوا" لسامر حنّا… مسرحية تُضحكنا بذكاء وتعيد إلينا بهجة المسرح

بدا واضحاً، منذ اللحظة الأولى، أنّ المخرج والكاتب سامر حنّا أراد عملاً خفيف الظلّ، موسيقياً، نابضاً بالعفوية، يحمل في طياته رسائل اجتماعية من دون أن يثقل على المشاهد أو يفرض وعظاً مباشراً. في هذا الزمن الذي يثقلنا بالهموم والأخبار المتسارعة، جاءنا عرض مسرحية "عالهوى سوا" على خشبة مسرح "المونو" في بيروت، ليمنحنا مساحة ثمينة من الفرح والضحك العفوي.
لتسعين دقيقة تقريباً، عاش الجمهور بين عالمَيْن متوازيَيْن: على الخشبة ثنائي إعلامي مثالي، أيقونتان إعلاميّتان، كريم وكاتيا (شربل أبي نادر وجوانا طوبيا)، يقدّمان برنامجاً صباحياً مليئاً بالابتسامات والانسجام؛ وخلف الكواليس، زوجان على شفير الانفصال، يتكشّف الصدع في علاقاتهما وتظهر حقيقة خلافاتهما مع كلّ مشهد. هذه المفارقة بين الصورة الإعلامية والواقع الشخصي كانت مصدر الضحك الأكبر، إذ تنقّل المُشاهد بين وهج البث المباشر وحرارة الحياة اليومية بكل تناقضاتها.
ماريا بشارة أبهرت الحضور بخفة ظلها في شخصية المؤثّرة "رشا ليشوس"، بكل ما حمله الدور من سذاجة مرحة. هي واحدة من نواتج "السوشيل ميديا" وظواهرها الغريبة العجيبة التي غزت العالم الافتراضي ودخلت كلّ بيت متطفّلة على مهنة صانعي المحتوى، وتقتحم بملايين المتابعين الذين تجرّهم خلفها على "السوشيل ميديا" عالم الإعلاميّين وتسحب البساط من تحتهم.
أما جاد حرب، فكان "دينامو" العرض، يوجّه الجمهور بذكاء كمدير للمسرح يكسر الحدّ الفاصل بين الخشبة والمُشاهد، فيحوّل القاعة الضيّقة إلى استديو حيّ حيث يصبح الحاضرون جزءاً من اللعبة المسرحية. إلى جانب هؤلاء، أضافت الإطلالات الخاصة لعدد من الأسماء المسرحية والكوميدية المعروفة، من أصدقاء "مونو"، بُعداً إضافياً من المتعة والتجديد.
لا تنزلق المسرحية نحو السخافة، وهو ما يُحسب لسامر حنّا الذي يطلّ بين الفينة والأخرى بشخصيّة المنتج الجشع، الذي تتحكّم به أرقام المشاهدات العالية، فيتحكّم بالإعلاميّين، بالفلس والحلم الوظيفي. وعلى رغم طابعها الكوميدي، لم تخلُ "عالهوى سوا" من إشارات ذكية إلى زيف علاقات المشاهير التي تزدهر في الضوء وتذبل خلفه، ويتعلّق بها الجمهور، بالإضافة إلى واقع اللعبة الإعلامية: هيمنة نسب المشاهدة على حساب المضمون، إقصاء الكفاءات الأكاديمية لمصلحة المؤثّرين، والتوريث في عالم الإنتاج. إلا أنّ هذه الرسائل جاءت مغلّفة بالضحك والموسيقى، فوصلت بسلاسة ومن دون أن تنتقص من متعة الحضور.
خرجنا من الصالة بابتسامات واسعة ومشاعر خفيفة، كأننا استعدنا لحظة فرح جماعي نفتقدها كثيراً. "عالهوى سوا" لا تسعى للاستعراض ولا تتعامل مع الأمور بخفّة، إنّما أراد منها سامر حنّا عملاً صادقاً ومرحاً، عرف كيف يوازن بين الترفيه والفكرة، وبين المسرح الغنائي والتمثيل غير المبالغ فيه، ليمنح جمهوره أمسية مليئة بالضحك والذكريات الجميلة.