روسيا تُعيد إحياء "إنترفيجن": مهرجان موسيقي قديم في مواجهة "يوروفيجن"
بمشاركة فنانين من 23 دولة، تستعدّ روسيا السبت لإحياء مسابقة "إنترفيجن" الغنائية، الحدث العائد من زمن الاتحاد السوفياتي والذي تطرحه موسكو بديلاً عن "يوروفيجن" الأوروبية، متهمةً الأخيرة بالترويج لما تصفه بـ"قيم غربية متداعية".
على خشبة "لايف أرينا" قرب العاصمة، يلتقي الجمهور بفنانين من جمهوريات سوفياتية سابقة مثل بيلاروس وأوزبكستان وكازاخستان، إلى جانب دول من مجموعة "بريكس" كشركاء استراتيجيين، بينهم البرازيل والهند وجنوب إفريقيا، إضافة إلى مصر والإمارات. ومن اللافت مشاركة المغنية الأسترالية فاسي، التي ستمثل الولايات المتحدة في هذه الدورة، مقدّمة ألوان البوب والإلكترونيك.

ولم يخلُ الترويج من لمسة استفزازية، إذ بثّ التلفزيون الرسمي الروسي إعلاناً ضخماً على شاشة في قلب تايمز سكوير بنيويورك، في لحظة سياسية مشحونة مع واشنطن. ففي وقت كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعلن أن صبره مع فلاديمير بوتين "ينفد بسرعة" على خلفية الحرب في أوكرانيا، وجدت موسكو في هذا المهرجان وسيلة رمزية للردّ، بعد استبعادها من "يوروفيجن" منذ سنوات.
عودة من الماضي
وُلد مهرجان "إنترفيجن" عام 1965 في تشيكوسلوفاكيا كمنصة ثقافية لدول المعسكر الشرقي، لكن أحداث "ربيع براغ" عام 1968 أدت إلى تجميده، قبل أن يُبعث من جديد في بولندا عام 1977. ومع انهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع التسعينيات، اختفى المهرجان ليعود اليوم بحلة جديدة تحمل في طياتها خطاباً سياسياً وثقافياً معاصراً.

المنظمون يقدّمون النسخة الحالية بوصفها "عيداً للموسيقى" واحتفالاً بالهوية الوطنية والقيم التقليدية، في انسجام مع خطاب الكرملين الذي يضع روسيا في مواجهة "الانحلال الغربي". ولا يشارك أي بلد من الاتحاد الأوروبي هذه المرة، ما يجعل المهرجان مساحة بديلة مفتوحة لآسيا وأفريقيا والعالم العربي.
ويصف الباحث الفرنسي سيريل بريت، مؤلف كتاب مرتقب عن "جيوسياسة يوروفيجن"، هذا الإحياء بأنه "محاولة واضحة لمواجهة الترفيه الغربي بأدوات ثقافية جديدة، في امتداد لصدى الحرب الباردة".
أما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فاختار السخرية حين استُذكر فوز المغنية المتحولة جنسياً كونشيتا فورست عام 2014 في يوروفيجن، قائلاً إنه لا يعترض على "حق جمهور اليوروفيجن في التصويت لصالح رجل بلحية يرتدي فستاناً"، ومضيفاً: "إذا كانت مسابقة يوروفيجن تُسعد البعض، فلا مانع لدينا من أن يشاهدها الناس في بلادنا".
رسالة موجهة إلى نصف العالم
المهرجان سيُبَثّ مباشرة أو مسجلاً في الدول المشاركة، من قطر إلى مدغشقر، حيث يؤدي الفنانون أعمالهم بلغاتهم الأم، بخلاف ما يجري في "يوروفيجن" حيث تطغى الإنكليزية. وسيقدّم المغني الروسي شامان أغنيته "نحو القلب مباشرة"، في مشهد يُراد له أن يجمع بين الموسيقى والرمزية السياسية.
وبحسب كونستانتين إرنست، المدير العام للتلفزيون الروسي وأحد أبرز المنظمين، فإن "إنترفيجن" يطمح لأن يكون منصة بديلة لقوة ناعمة روسية جديدة. أما سيرغي كيرينكو، رئيس مجلس الإشراف على المسابقة، فأكد أن الدول المشاركة تمثل "أكثر من نصف سكان الأرض، أي ما يقارب 4,3 مليارات نسمة".
إحياء "إنترفيجن" لا يبدو مجرد استعراض موسيقي، بل جزء من استراتيجية روسية لإعادة تموضعها الثقافي، بعيداً عن الغرب ومتجهاً نحو الشرق والجنوب العالمي. وبينما يظل "يوروفيجن" عنواناً للانفتاح الأوروبي وقيم التعددية، تراهن موسكو على نسخة بديلة تعكس رؤيتها لـ"القيم التقليدية" وتضع الموسيقى في قلب معركة النفوذ الناعم.
نبض