كيف أعاد الأدب والسينما تشكيل صورة الأميرة ديانا؟

قلّة من الشخصيات الحديثة تركت أثراً لا يُمحى في كلٍّ من السينما والأدب مثل ديانا، أميرة ويلز. قصتها المأسوية، المشوّقة، والمُعرَّضة دوماً للتشكيك والدقيق، لاتزال تلهم المخرجين والكتّاب الذين يحاولون مقاربة شخصية امرأة عالقة بين المعاناة والإعجاب الجماهيري الجارف.
"أميرة القلوب" والسينما
أُعيد تخيّل "أميرة القلوب" مراراً وتكراراً على الشاشة وفي الكتب. شخصيّتها انعكست عبر طموحات كلّ من حاول تصويرها وقلقه. في السينما، ثمّة عملان بارزان، أولهما فيلم ستيفن فريرز "الملكة" (2006)، والذي جعل من ديانا مركز ثقل غائباً: كانت وفاتها السبب في دفع العائلة المالكة - ومعها رئيس الوزراء المنتخب حديثاً توني بلير - إلى مواجهة شعب غارق في الحزن. أداء هيلين ميرين ونص بيتر مورغان حوّلا أسبوعاً واحداً من عام 1997 إلى دراسة عن الصورة والواجب وضغط الإعلام، مكرّسين كيف أعادت أسطورة ديانا تشكيل علاقة التاج بالشعب.
على الطرف الآخر، يبرز فيلم بابلو لارين "سبنسر" (2021). عملاً جريئاً أشبه بمسرحية تدور أحداثها خلال عطلة عيد ميلاد متوتّرة في ساندرينغهام. قدّمت كريستين ستيوارت، التي رُشّحت عن دورها لجائزة الـ"أوسكار" لأفضل ممثلة، صورة نفسية دقيقة، متخلّية عن السرد التقليدي من المهد إلى اللحد لصالح حكاية رمزية عن الهوية والأسر وثمن التحوّل إلى أسطورة. يصوّر الفيلم ديانا بحساسية إنسانية، لا من خلال عناوين الصحف: ذكية، جريحة، وموضوعة تحت مجهر لا يرحم.
في المقابل، ثمّة أفلام لم تنجح، ومنها فيلم أوليفر هيرشبيغل "ديانا" (2013)، من بطولة ناعومي واتس، الذي ركّز على علاقة الأميرة بجرّاح القلب حسنات خان. قوبل العمل بازدراء شبه شامل بسبب نصه الركيك وتبسيطه المفرط للشخصية، وقدّم بذلك درساً حيّاً في كيف يمكن للحرفية الجامدة أن تُفرغ الموضوع ذاته من معناه.
صوت ديانا
غالباً ما ادّعت الأفلام الوثائقية أنها الأقرب إلى صوت ديانا، لكنها أثارت في الوقت نفسه أعقد الأسئلة الأخلاقية. برنامج "ديانا: بكلماتها الخاصة" (2017) الذي بثته قناة "تشانل 4"، واعتمد على تسجيلات خاصة من أوائل التسعينات، حقّق نسب مشاهدة عالية وأثار اعتراضات قوية من أصدقاء العائلة وأقاربها الذين رأوا أن عرض مواد شخصية كهذه قد يفاقم معاناة ولديها. الجدل في ذاته - بين القيمة التاريخية وخصوصية ما بعد الوفاة - أظهر أنّ ديانا ما زالت حاضرة في ذاكرة بريطانيا ووجدانها.
أما في الأدب، فيبقى النص المفصلي هو كتاب أندرو مورتون "ديانا: قصتها الحقيقية" (1992). الكتاب الذي طالما أثيرت الشكوك حوله، ثم تبيّن لاحقاً أنه صِيغ استناداً إلى إجابات مسجّلة من ديانا نفسها، فجّر السردية العامة، كاشفاً عن اضطرابات الأكل (البوليميا) والوحدة وتفكّك زواجها، وساهم في تحويل التعاطف بشكل حاسم نحو الأميرة. ومكانة الكتاب التي لم تتبدّد - من طبعات جديدة إلى اقتباسات تلفزيونية ودراسات حديثة - تؤكّد مدى مساهمة ديانا نفسها في صوغ أسطورتها.
امرأة لامعة وهشة
لاحقاً، دخل كتّاب السيرة في جدل مع مورتون ومع بعضهم البعض. كتاب سالي بيدل سميث "ديانا في بحثها عن ذاتها" (1999) قدّم صورة موثّقة بعناية، أحياناً ببرود، لامرأة لامعة لكنها هشة، تكافح تحت ثقل توقعات مستحيلة؛ وقد أثارت نبرته المتزنة نقاشاً، لكنه وسّع الحوار إلى ما هو أبعد من التقديس. أما كتاب تينا براون "سير ديانا" (2007) فاستعرض عالم البريق الذي أحاطها، من حاشية القصر إلى محرري الصحف الصفراء ودور الأزياء، كاشفاً التواطؤ بين الأميرة وإعلام عالمي متعطش لصورتها.
حتى الخيال الأدبي اختبر الاحتمالات المغايرة. رواية مونيكا علي "قصة لم تُروَ" (2011) تتخيّل أميرة تُزيّف موتها وتختفي في المجهول الأميركي، مستحضرة السؤال الذي يطارد كل رواية عن ديانا: إذا انتهى العرض، ماذا يبقى من البطل؟ فكرة الرواية تذكّر بأنّ قصة ديانا تغري الكتّاب دوماً بمساءلة مصير الشهرة بعد موتها.
عبر السينما والأدب معاً، تظل ديانا موضوعاً ومرآة في آن واحد. أكثر الأعمال إقناعاً هي التي تعترف بالفجوة بين المرأة والظاهرة، رافضة إغراء اختزالها إلى معنى واحد. إنها الأعمال التي تدرك ما فهمته ديانا بنفسها: أنّ لقب "أميرة الشعب" الثقيل صيغ بأقلام كثيرة، وأنّ الصراع على امتلاك السردية وصياغتها بصوت البطل هو دراما حقيقية خالصة.