رسّامنا وحبيبنا راوول دوفي... على الموضة
فرض دوفي نفسه في المشهد التشكيلي الفرنسي والعالمي بعد إنجازه لوحات وجداريات تستوحي عناصر الطبيعة والبشر والحياة الحديثة بأسلوب جريء قائم على الحركة والحيوية، فيشعر المشاهد أنه أمام مسرح مفتوح حيث تدرجات الضوء والألوان المبهرة ومنها في الأخص الأحمر والأخضر والأزرق. كان الفنان على اقتناع بأن لا حدود تفصل بين الفنون، وأن المبدع الحقيقي قادر أن يحقق طموحاته الجمالية خارج المفهوم الضيق للوحة وفي مجالات وتقنيات متنوعة كفنون الأقمشة والخشب والحفر.

يركز المعرض الجديد على مساهمات دوفي المدهشة في ابتكار مفردات زخرفية جديدة للأقمشة اعتمدها لاحقا كبار مصممي الأزياء الفخمة وأولهم الفرنسي بول بواريه (1879-1944)، رائد الموضة الحديثة قبل كريستيان ديور. حقق بواريه تغييرات جوهرية في تصميمه الفساتين النسائية حررت المرأة من القيود المفروضة عليها في أزياء القرون الماضية. بداية أُعجب بواريه برسوم راوول دوفي التي كان الرسام أعدها خصيصا لترافق نصوص الشاعر الفرنسي أبولينير، فطلب منه عام 1911 أن ينجز رسوما زخرفية مشابهة للأقمشة. بعد إنجازه هذه الرسوم، كانت تُطبع على الأقمشة في مصنع صغير أسسه مصمم الأزياء بالتعاون مع الفنان. نشاهد في المعرض فساتين بديعة لبول بواريه اعتمد فيها على أقمشة من تصميم راوول دوفي ومنها ثوب للسهرة بعنوان "المرأة الفارسية"، عكس حبه للشرق وفنونه التي لطالما استوحى منها العديد من أزيائه النسائية.

ودائما في إطار هذا التعاون بين بواريه ودوفي، تم الاتفاق لاحقا مع "مصنع الحرير بيانشيني" في مدينة ليون على صناعة أقمشة ذات مستوى فني رفيع. يشارك هذا المصنع في المعرض بعد أن أعار العديد من وثائقه النادرة التي تشهد لابتكارات دوفي الكبيرة في مجال زخرفة الأقمشة. وإذا كانت الأقمشة الأولى للفنان تعتمد فقط على الأبيض والأسود، فإن الألوان الأخرى تسللت شيئا فشيئا الى الزخارف المستوحاة من الأزهار والحيوانات والشخصيات الأسطورية بأسلوب مبهج للعين، كما في الفساتين المنفذة خلال سنوات العشرينات من القرن الماضي. عبّر راوول دوفي في كتاباته عن سعادته بإنجازاته في تزيين الأقمشة لأنها مكّنته من تحقيق مشروعه الفني القائم على وحدة الفنون البصرية وإلغاء الحواجز بين الديكور والفنون التشكيلية.

لم يكن جان بواريه مصمم الأزياء الوحيد المعجب بأقمشة راوول دوفي كما يؤكد لنا المعرض. فبعد وفاة الفنان ظلت هذه الأقمشة مصدر إلهام لمصممين عالميين منهم الفرنسي كريستيان لاكروا (من مواليد عام 1951) الذي نشاهد له في المعرض فستانا بعنوان "الكوريدا" أو مصارع الثيران، وهو تحية الى راوول دوفي وإلى الفنون الاسبانية التي لطالما بهرته.

نبض