مذكرات الشيخ جميل الحجيلان، أول وزير إعلام للسعودية "مسيرة في عهد سبعة ملوك" تسجل "صدى السنين الحاكي" عن مراحل تطور البلد، ولم تكتفِ بتصوير أطوار حياة فرد تخرّج في كلية الحقوق بالقاهرة، لكن مجالات أخرى اختبرت قدراته.

بقلمٍ رشيق حِبرُه اعتزازٌ وطني وانتماءٌ عروبي إسلامي وحِسٌ إنساني، أيقظ الحجيلان المقارنة بين ما كانت عليه السعودية بالأمس وما صارته اليوم. مثلا، يتذكر الشيخ الحجيلان لقاء الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود بوزير خارجية إسبانيا روبرتو أرتاخو عام 1952، وأن مرافقي الأخير استغاثوا طالبين مياها كافية لاستحمام الوزير في مقر إقامته داخل قصر المربع، فأجاب الحجيلان: "إن لم نجدها هنا فلن نجدها في مكان آخر داخل الرياض".

غلاف كتاب “مسيرة في عهد سبعة ملوك“.

يتيسر الآن لأي كان العثور على أفضل الخدمات في كل أماكن الرياض، ناهيكم بمدى تقدم مَرَافِق تولى "الجميل" مسؤولية وزارتها وتجديدها، سواءٌ الصحة التي ضاعفت خبرته أو الإعلام الذي تألق في ساحاته مذ كانت استوديوات الإذاعة "صندوقة"، وغدت منتدياته قِبلَةً عالمية.
"بروحٍ ثابتةٍ على العشرينِ" يواكب الرائد التسعيني ريادة بلاده في أكثر من مجال، تحت ظل الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان، ويفخر بمكانة المرأة السعودية وتصدرها المراكز القيادية. لماذا سُرّ الحجيلان بهذا؟ لأنه جبه مبكرا نكران حق المرأة في العمل الإعلامي. أقوى نصرة له جاءت من الأمير فيصل حين بشّر "بظهورها في التلفزيون"، ردا على زواره المستنكِرين ذيوع صوت المرأة عبر الإذاعة آخر عهد الملك سعود. 

تلمس للمرأةِ حضورا فاعلا في مذكرات وحياة "ابن إبراهيم الحجيلان": جدته آمنة "صانعة طفولته وحصنه ضد اليتم"، والدته الصابرة "وضحى التي أعادت العز" في دير الزور، وزوجته الكريمة "أم عماد" مَنْ شاطرته السهد في سبيل المجد طيلة مسيرته، ولحظات كتابة المذكرات خلال سنوات متفرقة أثناء رحلاتهما معا، وفق تدوين "أبو عماد"، إلى جانبه أدت دورا ديبلوماسيا "تكميليا" يعكس صورة مشرِقة ومشرِفة للكرم العربي الأصيل والتفهم الحضاري، حيثما ابتعث يمثل بلاده لدى طهران وإسلام آباد (أواسط الخمسينيات) الكويت (أول الستينيات، كان أول سفير سعودي لديها) ثم بون وباريس (من السبعينيات إلى التسعينيات) وكسبا صداقات رفيعة المستوى تُوِجت بتكريم رئاسي فرنسي بعد عقدين من التألق (1976-1996) سبقتا عمله أمينا عاما لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (1996-2002) خلال دورتين حافلتين باجتهادات "حجيلانية" موفقة، سواءٌ بمقترحات مجالس وزراء لدول المجلس وتوطيد علاقته معهم أو بتوفير متطلبات لائقة بأمانة المجلس.

الشيخ جميل الحجيلان. (وكالات)

امتدت ظِلال الإعلام مع الحجيلان إلى مضمار الديبلوماسية حيث تهيأ لمرحلة لا تُنسى أثناء عمله سفيرا وعميدا للسلك الديبلوماسي، يجسر العلاقات مع أقطاب السياسة والإعلام. وكونه من فرسان الديبلوماسية، انبرى يشرح لجمهور القنوات الفرنسية مواقف بلاده وقضية الكويت أثناء حرب الخليج الثانية 1991، مصححا الصور الذهنية المغلوطة، بفاعلية فاقت خدمات شركات علاقات عامة وأغنت عنها. ويحُسَب له قراره في شأن مبلغ كان مخصصا لحملة علاقات عامة، أن أنشأ به مدرسة سعودية داخل فرنسا، فضلا عن نبل موقفه المسؤول -رغم مشاعره- إزاء من أساؤوا فهم مواقف المملكة فأساؤوا إليها، ولكن عند تعثر بعض مشاريعهم جاؤوا يطرقون باب السفير الحجيلان الذي لم يتوانَ عن التلبية.

الإنجاز يتحقق بالكفاءة والإخلاص، والتعاون يكتمل بثقةٍ تُنال عن جدارة، والمبادرات ينشئها الاقتناع وترعاها قيادة حكيمة. وبالنظر إلى هذه الميزات يتضح سر "نجاح" جميل الحجيلان طيلة مسيرته "في عهد سبعة ملوك".