ويجب أنْ أفرفر وأرفرف
لوحة "في المَخْضَرة" (1879) بريشة إدوار مانيه.
Smaller Bigger

قالت: سألْتَني البارحة، وكنتَ متعجّبًا، وعلى استنكار، ألا يوجد صحن زيتون على الطاولة، في بلاد الكرمة والزيتون؟! اليوم، هذا الصباح، ما رأيكَ، ما دمتَ تحبّ الزيتون وتوابعه، لو نتروّق في الحقل القريب، بعيدًا من الوشوشات والكلمات؛ الحقل الفالت من الغمزات من النظرات. نتروّق خبزًا وزيتونًا ورشادًا وبصلًا أخضر وبندورة Cerise، شغل بيتنا وحقلنا، لكنْ على طريقتكم اللبنانيّة، فنجلس على العشب، نتمدّد كما في لوحة إدوار مانيه، نتفيّأ، نأكل حبّة الهناء، نتحلّى بمربّى البصل Confettura Di Cipolle، ونغنّج الجبنة المعتّقة من نوع Parmigiano أو Pecorino، ونتلاعب بالوقت، إلى أنْ يحين عرس قانا الجليل، فيحلّ التلاشي، وينقطع الحيل...

في الحقل، سألتْه ماذا تفعلون للعناية بهذه الثمرة. أجاب نقلب الأرض، مرّتين اثنتين، نفلحها على الجرّار، ونرشّها بالمبيدات، وفي موسم القطاف نضرب الأغصان بالشبّيط ضربًا مبرّحًا إلى أنْ تنزف الحبوب، وتدوخ، فتتساقط مغمى عليها.

استهولت الغريبة، واستنكرت، واستهولت، واستنكرت، ثمّ قالت هذه أساليب أيّام زمان، اليوم الضرب ممنوع، والمبيدات في الزراعات العضويّة ممنوعة، إلّا في الضرورات القصوى، وتحت رقابةٍ صارمة ومرخّصٍ لها، شرط تفادي أيّ احتمال لبقايا المبيدات. فليس لأحدٍ أنْ يسمّم حبّة زيتون، أنْ يعنّفها، ويهينها.

أمّا الفلاحة فتتوقّف على عمر الشجرة، وعمق الجذور. تهوية التربة جيّدة. وإزالة الأعشاب الضارّة. لكنْ في الزراعة العضويّة يُفضَّل عدم الحرث. الزيتون يزعل، يأخذ على خاطره، ترتجّ شروشه، وأحيانًا تتمزّق، وتتقطّع. وكالنياط. وكالشرايين. تصوّرْ، أنْ لا يعود يصل الدم بانتظام إلى قلب الشجرة، إلى الجذع الأساس، من مثل أنْ يُسَدّ شريان، كلّ الشرايين، وتلك الفرعيّة، فماذا يصير؟! العوض بسلامتك، قالت له. وتابعت: الشجرة "تحرد" في الموسم اللاحق، والزيتون عندما يزعل، بعد أنْ تتزلزل الأرض والجذور من تحته، يُضرب عن الطعام والشراب والتنفّس، ييبس، وأحيانًا ينتحر، وفي الغالب يتباخل عند الإثمار.

 

“الغداء في الحقل“ (1863) بريشة إدوار مانيه.
“الغداء في الحقل“ (1863) بريشة إدوار مانيه.

 

الزيتون، قالت، لا يتحمّل الإهانة، وعندما يحتجّ، تحلّ اللعنة، وتهرب البركة، ويقع الزعل، الذي ليس بعده رضا.

وأشاحت الغريبة، وسكتت، ثمّ التفتت نحوه بالتأنيب، بالعتاب، وقالت: عندنا الزيتونة Signorina وSignora، وذات سيادة، وحرّة، وآنسة، وتملك الأهليّة، والأنوثة، وكامل الصفات، ولا يجوز أنْ تعامَل بالتعنيف والتجريح.

ثمّ سألتْه هل تعرف كيف يتمّ ترجيف الأغصان والحبوب بالآلة التي، كجناح طير، تفرفر وترفرف؟ القطاف عندنا حبّة حبّة، وبالفرفرة والرفرفة. هل تريد أنْ أعلّمكَ الفرفرة والرفرفة، فعسى تطبّق هذه الطريقة على نفسكَ، على زيتونكَ الذي تنام تحته وتفعل، على ما يُشاع، "السبعة وذمّتها"؟
والغريبة الآنسة آنذاك، أكملتْ ساعة التدريس، ساعة الترويقة والتحلاية، بالتحدّث عن الضوء، عن لزوم تسليط الشمس على قلب الشجرة، فهو الأساس. شأن إيصال الهواء إلى القلب إلى الدماغ إلى الرئتين. أوكسيجين، قالت. العتمة التي في قلب الشجرة، لا بدّ من تشحيلها بالتفريع. الضوء خرزة عين. تعويذة. إشارة سير. لا بدّ من هذا الضوء.

وانتبِهْ جيّدًا؛ فالزيت في بيتنا في معصرتنا باب أوّل Biologica Olio Extravergine di Oliva، وهو بعد العصر، يؤثر العتمة، لذا نخبّئه خشية أنْ يعذّبه النور، ويؤذيه، فيشحب، ويتغيّر الذوق والمذاق. فأنتَ عتِّمه، وخبِّئه، كما الآن وهنا تُعتّمني وتُخبِّني. وهيّا. وها قد دقّ جرس العرس. ويجب. يجب أنْ أفرفر وأرفرف. وكزيتونة. وآنسة. وأنْ...

 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/6/2025 7:23:00 AM
فرض طوق أمني بالمنطقة ونقل الجثتين إلى المشرحة.
النهار تتحقق 10/6/2025 11:04:00 AM
ابتسامات عريضة أضاءت القسمات. فيديو للشيخ أحمد الأسير والمغني فضل شاكر انتشر في وسائل التواصل خلال الساعات الماضية، وتقصّت "النّهار" صحّته. 
لبنان 10/6/2025 11:37:00 PM
افادت معلومات أن الإشكال بدأ على خلفية تتعلق بـ "نزيل في فندق قيد الإنشاء تحت السن القانوني في المنطقة".