ثقافة 21-09-2025 | 14:15

رشدي أباظة الهارب من الدونجوانية إلى مطران القدس!

رشدي أباظة "الدونجوان" الذي تمرّد على صورته النمطية.
رشدي أباظة الهارب من الدونجوانية إلى مطران القدس!
رشدي أباظة بدور المطران هيلاريون كابوتشي.
Smaller Bigger

تُعبّر ملامح رشدي أباظة عن خلطة مصرية أوروبية، فالأب مصري والأم طليانية (إيطالية)، إضافة إلى انتمائه لعائلة الأباظية الشهيرة. ويشكل مع عمر الشريف، وبدرجة أقل أحمد رمزي، أشهر ثلاثة نماذج للفتى الشقي أو "الدونجوان"، وثلاثتهم أكثر تحرراً من زميلهم شكري سرحان بوسامته الريفية المحافظة.

تفاوتت حظوظهم في النجاح، فالضوء اتجه أكثر إلى عمر الشريف، ففي "أيامنا الحلوة" بدت مساحة عمر أكبر من رمزي الذي استمر لاهياً غير مكترث بالمجد الفني. وفي فيلم "في بيتنا رجل" كانت البطولة لعمر بينما حضر رشدي ضيف شرف، بينما توازنت مساحة الاثنين في "صراع في المينا".

 

الممثل الراحل رشدي أباظة. (أرشيفية)
الممثل الراحل رشدي أباظة. (أرشيفية)

 

ثلاث أيقونات للوسامة والنجومية على الطريقة الأميركية ونمط "جيمس دين"، لكن ثمة انطباع أن رشدي أكثرهم موهبة رغم أنه بدأ بأدوار ثانوية أقرب إلى الكومبارس، كما في "رد قلبي" و"جعلوني مجرماً"، بينما حقق عمر النجومية منذ البدء. وبعدما انتقل إلى العالمية، ظل الانطباع السائد أن رشدي لو أتقن بضع لغات مثله لحقق نجاحاً أكبر، لكنه للأسف انصرف عن استكمال دراسته واكتفى بممارسة الرياضة.

تمرّد على النمط
استثمرت السينما في وسامة رشدي وكان واعياً لذلك، وفي حياته العاطفية ارتبط بأشهر راقصتين: تحية كاريوكا ثم سامية جمال، إضافة إلى قصة غرام وزيجة قصيرة مع صباح وإنجاب ابنته الوحيدة من سيدة أميركية، وأخيراً زواجه الخامس من ابنة عمه.
لكن الصورة النمطية للدونجوان لا تعبر عن حقيقة موهبته أو رغبته وإصراره على أنه ليس مجرد الفتى اللاهي محطم قلوب العذارى.
الدونجوانية في تأويلها النفسي ليست بحثاً عن "بديل الأم" فحسب، وإنما تعبر أيضاً عن فكرة غزو النساء والرغبة في أن يكون محبوباً ما يتطلب قوة إرادة وإنجازات فريدة.
في "امرأة على الطريق" (1958) أمام هدى سلطان، لعب دور الأخ رمز الرجولة الذي يثير غرائز زوجة شقيقه الضعيف الشخصية (شكري سرحان)، ويعالج الفيلم بلمحات إيروسية اندفاع وجنون الغريزة وليس الحب التقليدي.

 

الممثل الراحل رشدي أباظة. (أرشيفية)
الممثل الراحل رشدي أباظة. (أرشيفية)

 

عام 1961 لعب دور الظاهر بيبرس في الفيلم التاريخي "وإسلاماه" وبعض أفلامه أخذ طابع الأكشن مثل "الرجل الثاني" أو الرومانسية الكوميدية كما في "آه من حواء"، و"الزوجة 13"، ولديه أيضاً أدوار لا تُنسى عن نصوص أدبية مثل: "الطريق" رواية نجيب محفوظ، و"غروب وشروق" قصة جمال حماد، و"شيء في صدري" قصة إحسان عبد القدوس و"الحب الضائع" لطه حسين.
أي أن مشواره الذي يزيد عن ثلاثين عاماً كان محاولة متكررة وإصراراً على الهروب من تهمة الدونجوانية، مع تبنّيه حالات مختلفة لمعنى "الرجولة" فاجتهد مرات كي يقدم الرجل الشعبي و"ريس المركب" والقاتل، والزوج الخفيف الظل، والقائد التاريخي.

مطران القدس
إن الغيرة الفنية بينه وبين عمر الشريف لم تكن في ساحة الدونجوانية فحسب، بل في صميم الموهبة والجدارة، أحدهما راهن على العالمية والآخر فضّل البقاء محلياً.
وفي إطار سعيه لإثبات مكانته، وقع اختيار رشدي على قصة مطران القدس هيلاريون كابوتشي (1922 - 2017) لتجسيدها على الشاشة.
ولد المطران في حلب باسم جورج وأصبح رئيس كنيسة الروم الكاثوليك في القدس. واسم كابوتشي أو كبوجي يعني بالسريانية "الحارس"، أما اسمه الأول هيلاريون فاتخذه تكريماً لراهب غزاوي عاش في العصور السحيقة.
لفت المطران أنظار العالم منتصف سبعينات القرن الماضي، حين اتهمته إسرائيل بتهريب سلاح إلى المقاومة الفلسطينية، فأصبح أيقونة للنضال.
وظل مشروع تقديم فيلم عنه حلماً يراود النجوم، فتردد أن المخرج السوري مصطفى العقاد اشتغل على مشروع عالمي من بطولة عمر الشريف، منافس رشدي اللدود. 
للدقة التاريخية سبق رشدي زميله عمر الشريف في تبنّي المشروع، وأبدى استعداده للمساهمة في الإنتاج.
قيل إنه من إخراج حسن الإمام المعروف أكثر بأفلام عن راقصات، وطرح اسم المخرج صلاح أبو سيف - وهذا أقرب إلى المنطق - وبالفعل سافر رشدي إلى لبنان والتقى أشخاصاً عرفوا المطران عن قرب وظهر في صور بملابس الشخصية.

 

رشدي أباظة بدور المطران هيلاريون كابوتشي.
رشدي أباظة بدور المطران هيلاريون كابوتشي.

 

تتداخل ثلاثة اعتبارات وراء هذا الحلم: تقديم تحية للمقاومة الفلسطينية، وشعوره بتقدم العمر واختبار معاني الزهد والرهبنة، وأيضاً مواصلة التمرد على الدونجوانية وأنه لا يقل موهبة عن عمر الشريف.
أما أسباب التعثر فهي تتأرجح ما بين التكلفة الإنتاجية، واعتراض السادات بسبب سعيه إلى عقد سلام مع إسرائيل وعدم رغبته في توجيه رسائل معادية؛ وهناك من يرجع الرفض إلى الفتنة الطائفية التي وقعت في منطقة "الخانكة"، لكن تلك الحادثة كانت عام 1972 أي قبل ذيوع قصة المطران!

تعثر مشروع رشدي ومن بعده توقف مشروع الشريف والعقاد، والملاحظ أن معظم الأفلام التي تناولت القضية الفلسطينية غالباً ما تعثرت لأسباب إنتاجية أو سياسية، أو جرى تنفيذها وسط جدل شديد كما حدث مع فيلم "ناجي العلي" لنور الشريف.

بعد الانتفاضة الأولى في كانون الأول/ديسمبر 1987، عادت قصة المطران إلى الأضواء مجدداً وظهر نجم آخر تحمّس لتقديمها هو فاروق الفيشاوي في عمل من كتابة محسن زايد.
أي أننا نتحدث عن القصة نفسها، لكن المشاريع مختلفة بمخرجين وممثلين ومنتجين مختلفين، ولم ينفذ فعلياً إلا المسلسل السوري "حارس القدس" (2020) من بطولة رشيد عساف وإخراج باسل الخطيب، وبعدها بعامين أعاد الثنائي نفسه رواية القصة في فيلم "المطران".

أيامه الأخيرة
لم يحقق رشدي حلمه الطموح بفيلم المطران، ومن يشاهد أفلامه الأخيرة سوف يلحظ علامات الشيخوخة، تراجعت ضحكته الرنانة، وخفّت حركته وبات جسده ثقيلًا يميل إلى الصمت، وهو ما يظهر منذ فيلمه "كلمة شرف" 1973، بطولة فريد شوقي وشارك رشدي ضيف شرف. 
أما آخر أفلامه "الأقوياء" 1982 فعرض بعد رحيله، ولأنه لم يكمل دوره "الباشا رشدي"، استعان المخرج بزميله صلاح نظمي، ومن يدقق سوى يتنبه الى الفروق بين الاثنين رغم التمويه.
لم يبتعد رشدي أباظة عن شاشة السينما حتى آخر لحظة في عمره، بل استمر في نضاله الخاص لإثبات أنه "ممثل قدير" وليس مجرد دونجوان وسيم.

 

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
تحقيقات 9/30/2025 4:06:00 PM
تقول سيدة فلسطينية في شهادتها: "كان عليّ مجاراته لأنني كنت خائفة"... قبل أن يُجبرها على ممارسة الجنس!
ثقافة 9/28/2025 10:01:00 PM
"كانت امرأة مذهلة وصديقة نادرة وذات أهمّية كبيرة في حياتي"
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟