هنا لاليك حيث 600 تحفة ومتحف
ليست كلمة لاليك (Lalique) فحسب علامة تجارية فرنسية عالمية للمستحضرات الفاخرة، بل هي أيضاً اسم رينه لاليك (1860-1945) الذي طبع بابتكاراته في مجالات صناعة الحلى وفن الزجاج والهندسة الداخلية والزخرفة عصراً بأكمله كانت فيه باريس العاصمة الفنية الأولى في العالم.
للتعرّف عن قرب إلى عوالم هذا الفنان، وهو أيضاً مؤسّس الدار العريقة التي تحمل اسمه، لا بد من زيارة متحفه حيث افتتح معرض جديد بعنوان "رينه لاليك المعماري ومهندس الديكور".

يقع المتحف في قرية وينجين بالقرب من مدينة ستراسبورغ في منطقة الألزاس الفرنسية، وكان لاليك قد اختارها عام 1921 لبناء مصنعه المخصص للزجاج. وفي موازاة تنظيم المعارض السنوية للتعريف بمختلف المراحل الإبداعية التي مرّ بها الفنان، يضم المتحف مجموعة دائمة من الصالات نتعرف فيها إلى أكثر من 600 تحفة تختصر عوالم الفنان ومدى استيحائه من الطبيعة بعناصرها النباتية والحيوانية ومن المرأة وكل ما ترمز إليه من أبعاد جمالية وحسية.

يركّز المعرض الجديد على مساهمات الفنان الرائدة في فن العمارة والهندسة الداخلية، ومنها زخرفة الجدران وواجهات المباني، معتمداً على مادة الزجاج. جاء لاليك إلى فن التصميم بعدما كان قد فرض نفسه عند نهاية القرن التاسع عشر كواحد من كبار مبتكري المجوهرات الحديثة. منذ بداياته الفنية، جعل الفنان من صناعة الحلى والمجوهرات فنّاً كاملاً قائماً بذاته، معتمداً أولاً على رسومه التخطيطية المبتكرة التي كان ينفذها بنفسه بدقة متناهية. بعد إنجازه الرسوم كان يختار لتنفيذها المواد الثمينة والأحجار الكريمة ويحولها إلى تحف تتنافس النساء من العالم أجمع على شرائها، ومنهن شهيرات كالممثلة المسرحية سارة برنار.

خلال عمله في تصميم وصناعة الحلى، تعلق الفنان بمادة الزجاج لما تجسده من شفافية وروح شاعرية. مع مرور الوقت، لم يعد استعمال الزجاج بالنسبة إليه محصوراً بصناعة الأواني ومنها أواني العطور، بل صار مادته المفضلة يعتمدها في صناعة الأبواب والثريات ونوافير المياه التي تزيّن الساحات، والبلاطات المنحوتة التي تغطي الجدران، وأخيراً في صناعة المنحوتات المتفاوتة الأحجام التي تمثل البشر والطيور والحيوانات.

يتوقف المعرض الجديد عند مشاركة لاليك في المعرض العالمي للفنون الصناعية الذي أقيم عام 1925 في باريس ولاقى نجاحاً شعبياً كبيراً. أقام الفنان، في هذه التظاهرة الدولية التي شارك فيها مصممون ومبدعون من العالم أجمع، جناحاً خاصاً به، ونفّذ العديد من المشاريع الهندسية، منها نافورة مياه من زجاج أثنت على جمالها الكاتبة الفرنسية الشهيرة كوليت.
ثم توالت المشاريع الكبيرة، ومنها تلك المتعلقة بديكور متاجر كبرى في ساحة فاندوم وجادة الشانزيليزيه في باريس. ولم تكن مشاريعه محصورة في العاصمة الفرنسية بل شملت أيضاً مدناً أخرى كنيويورك ولوس أنجليس في الولايات المتحدة والرباط في المغرب.
وساهم لاليك في الهندسة الداخلية لعدد من قصور باريس، ومنها قصره الخاص في الدائرة الثامنة وتُعد واجهته تحفة فنية مسجلة على لائحة التراث الوطني منذ عام 1964. من العمل في القصور والساحات العامة إلى أجنحة القطارات، حيث أنجز لاليك عام 1929 ديكورات مميزة لقطار الشرق السريع المعروف بـ"أورينت اكسبرس"، وكان من رموز الفخامة والراحة بالنسبة للمسافرين الأثرياء منذ إنشائه نهاية القرن التاسع عشر ليربط باريس بإسطنبول.
نبض