”الورشة“: ترميم مجمّع سينمائي يتحوّل حكاية عن عالمنا

ثقافة 13-08-2025 | 20:07

”الورشة“: ترميم مجمّع سينمائي يتحوّل حكاية عن عالمنا

يُعرض فيلم "الورشة" ضمن برنامج مهرجان لوكارنو السينمائي، وهو من أقوى الاقتراحات البصرية هذا العام.
”الورشة“: ترميم مجمّع سينمائي يتحوّل حكاية عن عالمنا
”الورشة“ لجان ستيفان برون المعروض في لوكارنو.
Smaller Bigger

من ورشة ترميم مجمّع سينمائي في باريس، يستلهم المخرج جان ستيفان برون فيلمه الوثائقي "الورشة"، ليقدّم عملاً بديعاً لا يكاد يغفل جانباً أو يتجاهل شأناً، حتى وإن مرّ به مروراً سريعاً. يُعرض الفيلم ضمن برنامج الدورة الثامنة والسبعين من مهرجان لوكارنو السينمائي (6 – 16 آب)، وهو من أقوى الاقتراحات البصرية هذا العام. عملٌ يُذكّرنا بسينما الأميركي فريدريك وايزمان، ويجمعه بها قدرته على التقاط التفاصيل لصوغ فسيفساء سينمائية متكاملة، من دون تدخّل مباشر من المخرج، الذي يحافظ على مسافة (غالباً ما تكون صحية) من مادته المصوّرة.

المجمّع المعنيّ هو "باتيه بالاس" (كان يُعرف سابقاً بـ"غومون أوبرا")، الواقع في جادة الكبوشيين بدائرة باريس التاسعة. شُيِّد المبنى قبل نحو قرن، وسرعان ما أصبح أحد أبرز معالم مدينة الأنوار. في بداياته، كان المجمّع تابعاً لشركة "باراماونت" الأميركية، قبل أن تنتقل ملكيتها إلى مجموعة "باتيه" عام 2007 التي أطلقت مشروع ترميم ضخماً في العام 2019 استمر خمس سنوات، واختُتم صيف 2024، مع إعادة افتتاحه بحلّة جديدة تليق بالباحثين عن الفخامة والرقيّ. يضم المجمّع اليوم سبع صالات توفّر تجربة مشاهدة راقية، مزوّدة نظام صوت "دولبي أتموس"، فيما تحتوي الصالة الكبرى على جهاز عرض يمكنه العمل بتقنيتي 35 و70 ملم.

ينقل الفيلم عملية الترميم من الألف إلى الياء. من لحظة وضع الأساسات في عمق المبنى إلى لحظة وقوف موظّف الاستقبال خلف شبّاك التذاكر في انتظار دخول الجمهور. نرى كلّ شيء: من اختيار صنابير المياه في الحمّامات إلى تحديد نوع مقاعد الصالة، وشكلها وحجمها، فمن القماش الذي تُصنع منه الشاشة إلى مرحلة التنظيف الأخيرة. كلّ ذلك يجري في أجواء مشحونة بالتوتّر والمناقشات الساخنة في المكاتب والكواليس، حيث يرزح المكلّفون الترميم من مديرين ومهندسين وعمّال، تحت ضغط التسليم في الموعد المحدد، وإلا فعليهم تحمّل غرامات التأخير.

 

ملصق مهرجان لوكارنو السينمائي.
ملصق مهرجان لوكارنو السينمائي.

 

من هيكل عظمي وجدران عارية، يتحوّل المجمّع تدريجاً إلى مساحة للحلم. ويجري كلّ هذا تحت إشراف المهندس الإيطالي الأسطورة رنزو بيانو، وصاحب "باتيه"، جيروم سيدو، وكلاهما على مشارف التسعين. تعليقات سيدو الساخرة على أدق التفاصيل، تُضفي على الفيلم روحاً مرحة، بل إنها من المرات النادرة التي ينجح فيها فيلم وثائقي في إضحاكي إلى هذا الحدّ.

لكن، لنتّفق على أمر: الفيلم ليس تسجيلاً تقنياً لعملية ترميم فحسب. وهنا تكمن روعته الحقيقية. ففي هذه القدرة على الارتقاء بالموضوع وتوسيعه إلى آفاق غير متوقّعة، نلمس أهمية العمل. عبر هذا التوسيع، تتحول الورشة إلى ميكروكوزم يعكس مجتمعاً كاملاً: بسيكولوجيا المستهلك، آليات التسويق، منطق الرأسمالية، وبيئة العمل بكلّ ما تنطوي عليه من هرمية وتفاوت. كلّ هذه الأبعاد تمرّ أمام كاميرا برون، التي لا تكتفي بالتقاط تطور البناء، بل تُحسن إدراجه في السياق العام للفيلم. كلّ مرحلة من مراحل الترميم تُناقش بُعداً من أبعاد صناعة عالم الترفيه والاستعراض، ما يخفيه وما يكشفه، من دون أي افتعال أو مباشرة. الخطاب يتكوّن بهدوء، من تلقاء نفسه، بلا تعليق، بلا مبالغة، وبالتأكيد بلا تدليس.

كما قال غودار، كلّ فيلم وثائقي عظيم هو أيضاً روائي، والعكس. ومن هنا تنبع صعوبة التمييز في بعض المَشاهد التي تدور فيها نقاشات حول التحضيرات: فهي متقنة إلى درجة توحي بأننا أمام فيلم روائي، حيث كلّ شيء منظم ومدروس ولا تشوبه شائبة، تماماً كما في السينما الروائية ذات الطابع المصقول. على مدار ثلاث سنوات، حرص المخرج على توثيق أدق التفاصيل، محيطاً بالحلم من كلّ زواياه، ليقدّم عملاً مرجعياً، مختبرياً، بالغ الامعان في التفاصيل، لا يُقارب السينما بوصفها فنّاً، إنما كبقعة ينبعث منها الضوء، ذلك الضوء الذي لا يزال، بعد أكثر من قرن على سطوعه الأول، قادراً على إيقاظ الدهشة.

 

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/6/2025 12:01:00 AM
لافتات في ذكرى سقوط نظام الأسد تُلصق على أسوار مقام السيدة رقية بدمشق وتثير جدلاً واسعاً.
المشرق-العربي 12/6/2025 1:17:00 PM
يظهر في أحد التسجيلات حديث للأسد مع الشبل يقول فيه إنّه "لا يشعر بشيء" عند رؤية صوره المنتشرة في شوارع المدن السورية.
منبر 12/5/2025 1:36:00 PM
أخاطب في كتابي هذا سعادة حاكم مصرف لبنان الجديد، السيد كريم سعيد، باحترام وموضوعية، متوخياً شرحاً وتفسيراً موضوعياً وقانونياً حول الأمور الآتية التي بقي فيها القديم على قدمه، ولم يبدل فيها سعادة الحاكم الجديد، بل لا زالت سارية المفعول تصنيفاً، وتعاميم.
اقتصاد وأعمال 12/4/2025 3:38:00 PM
تشير مصادر مصرفية لـ"النهار"  إلى أن "مصرف لبنان أصدر التعميم يوم الجمعة الماضي، تلته عطلة زيارة البابا لاون الرابع عشر الى لبنان، ما أخر إنجاز فتح الحسابات للمستفيدين من التعميمين