الفقر والجهل والمرض... ثالوث صراع الرجل والمرأة في أربعة كتب نسوية

ثقافة 21-08-2025 | 14:13

الفقر والجهل والمرض... ثالوث صراع الرجل والمرأة في أربعة كتب نسوية

يدور المتلقي للخطاب في العناوين الأربعة في حلقات مفرغة تستعرض عورات مجتمع لم يسلم مثقفوه وكتابه ونخبته من السقوط في براثن تدوير القضية.
الفقر والجهل والمرض... ثالوث صراع الرجل والمرأة في أربعة كتب نسوية
لوحة "حاصدات السنابل" (1857) بريشة جان فرانسوا ميليه.
Smaller Bigger

المرأة وما تحمله الصدامات مع الرجل من تبعات يترتب عليها الكثير من النهايات التعسة والمحزنة والمهلكة، والتي تنعكس بدورها على الأسرة والأبناء، حاضران دائماً في الأدب وفي الرواية على الخصوص. من العناوين الروائية التي تناولت هذه الإشكالية، على سبيل المثال وليس الحصر، "مقامات الغضب"، رواية الكاتبة صفاء النجار (الدار المصرية اللبنانية)، "السير في طرق ممتدة وبعيدة"، قصص الكاتبة الروائية والقاصة نهى محمود (دار كيان للنشر والتوزيع)، "لعبة النوافذ" (دار بيت الحكمة للصناعات الثقافية) للكاتبة رباب كساب، و"على مصطبة الزمن" لمي أبو زيد (دار أم الدنيا للنشر).

في رواية "مقامات الغضب"، تتواتر الأحداث على لسان الساردة، أو بطلة الحكاية، والتي تبدأ عقب ثورة كانون الثاني/يناير، بطرح الكثير من الأحداث السياسية والمجتمعية التي أثرت بشكل مباشر في انتشار الكثير من السلوكيات وخطاب هش يفتقد تراتبيته في العلم والدين والرحمة الدافعة إلى بناء مجتمعي أسري حياتي، متناغم. تستعرض النجار المجال العام، بقبحه واختلافه عما مضى، قبل الخامس عشر من كانون الثاني، فلا تتوقف عند إدانات تخص أياً من طرفي الصراع - الرجل والمرأة - بل تنجح ببراعة في كشف الكثير من الحجب.

هذه رواية اللحظة الراهنة، في ما خص جذور الصراع والإقبال بين الرجل والمرأة في مجتمع ما قبل الثورة وبعدها. في "مقامات الغضب" تقدّم لنا الروائية رؤية كاشفة لتشريح المجتمع المصري خلال سرد حميمى لثلاثة أجيال فى عائلة ذات أصول إقطاعية، ينتهي بها الحال إلى ضاحية المنيل التي ما زالت تحتفظ بملامح قديمة من بيوت الميسورين وكلاب الشوارع، والحدائق المهجورة بين الجيزة وميدان التحرير، تختلط الحياة الأسرية بثورة الغضب 2011، وتحرك "الإخوان المسلمين" للاستيلاء على الميدان والثورة. تسقط أمام عينيها كليشيهات الأمانة والاستقامة والأمومة والأبوة والمهنية. من خلال أحداث تاريخية سياسية، تتعرض صفاء لتغلغل "التدين" كقشرة ظاهرية لابدة فى كيان المجتمع المصري، ودور "الإخوان" وشيوخ الدعوة من الشباب والإعلام فى تضليل المجتمع والتكسب من مظاهر التدين، ومن خلال اختلاط "أروى" بـ"فادي" المسيحي تنفذ صفاء إلى دوائر الشك والاستنارة والحيرة والضياع "مجهدة وغاضبة بين الزيجات الفاشلة والشجار والألم والحزن".

 

رواية “مقامات الغضب“ لصفاء النجار. (الدار المصرية اللبنانية)
رواية “مقامات الغضب“ لصفاء النجار. (الدار المصرية اللبنانية)

 

تفوقت الكاتبة فى أن تلج خبايا النفوس المضطربة فى عالم مضطرب تهتز فيه كل القيم والمعايير، ويموج بالغضب تحت ما يبدو حياة راكدة ساكتة. الرواية تجلت ببراعة في  الرصد والترصد لتسجل فترة تاريخية حديثة بدأت مع ثورة 1952 لتنتهى إلى حوادث ثورة 2011 وتحاكمها، والتي كانت الساردة، البطلة، الكاتبة، شاهدة عياناً عليها.

تنجح الرواية في تفنيد ما أنتجته السياسة بمحطاتها الثورية لتدين الجميع من دون التورط في ماهية الفيمينيست، أو حتى التجريح في كل  من طرفي الصراع، فهل يعود هذا الخطاب في رواية "مقامات الغضب"، إلى تلك التراتبية المتسقة كتربية وسلوك وتعليم ونهج يحدد نوع الخطاب الفكري لكاتبة انصهرت مع أزمات في مجتمع، هلهلته الهشاشة والتدين الظاهري والإفتقاد للعلم والمعرفة بالآخر؟.

السير في طرق ممتدة وبعيدة
في مجموعتها القصصية "السير في طرق ممتدة وبعيدة"، تنطلق الكاتبة نهى محمود من عتبات حقيقية تعود إلى علاقتها بالزوج وهو كاتب معروف، لتصعد تلك الآليه في الاشتباك بين طرفي المعادلة، الرجل والمرأة، وتدين الزوج الذي دائماً ما تزعجه الزوجة، رفيقة الدرب، بعملها في المجال الثقافي، ومحاولاتها تطبيق كل الأسس العلمية والصحية مجتمعة، وهي التي ترجمت إلى سلوك من جانب الأم للتعاطي وتدعيم العلاقة الأسرية بالحب والتفهم وتلقيم هذا النهج للإبنة، ما تعيه الأم جيداً، في غالبية أطروحات الرواية، عن دورها وما يدور حولها من تسلط الرجل في مجتمع ذكوري صلب.

 

“السير في طرق ممتدة وبعيدة“ لنهى محمود. (دار كيان للنشر والتوزيع)
“السير في طرق ممتدة وبعيدة“ لنهى محمود. (دار كيان للنشر والتوزيع)

 

حاولت الكاتبة الدفاع عن نفسها من خلال قوامها الإنساني بالعلم والحب والتفاهم ومحاولات "نضلل على بعضنا البعض" من دون الغور في مصطلحات نسوية أرى أنها، قد أضرّت بكيان كل من الرجل والمرأة، إذ لا حياة لأي  منهما من دون الآخر، وهذا ما نتلمسه بالفعل في سرد القصص التي تتغني بالحب والصفاء واستقبال الصباحات الجديدة مع الزوج المكبل بإرث تليد من الديني والسياسي والاجتماعي، صار وحده يمثل نقطة ارتكاز "العوار" الذي يصبغ ويسير ويتحكم في علاقة الرمرآة بالرجل. 

"لعبة النوافذ"
في روايتها "لعبة النوافذ"، تتسلّل الساردة إلى قلب الفاجعة، حيث طرفا الصراع أيضاً بين المرأة  والرجل، فلا يمكن لإنسان، رجلاً كان أو امرأة، أن يعيش في عزلة تامة، ومن هنا أدمنت "سماء" التلصّص على الآخرين عبر "نافذتها" في محاولة لتعويض حياتها المفتقدة بعد انفصالها عن "جهاد شكر" الذي ظلت مشاعرها متناقضة إزاءه، فإن كانت قادرة بوعيها بعد اكتشاف خيانته على اتخاذ قرار الانفصال، فهي في الوقت نفسه لا تملك السيطرة على عواطفها، ولهذا ظلت ذكرياتها معه حاضرة على مدار الرواية.

 

 

عنوان "لعبة النوافذ" يذكرنا بـ"لعبة الكراسي"، ما يوحي تبادل الأدوار، وقد ظهر ذلك ببلاغة، لغوية وكنايات فنية جمالية في تعدد الأصوات، إذ تبادلت شخصيتا الرواية الرئيستان "سماء" و"بهجت الكومي" مواقع السرد، وأحياناً نُفاجأ بصوت الراوي العليم في ما يشبه الكورس المراقب للأحداث والشخصيات في المسرح اليوناني، وهذا الراوي يقطع تدفق السرد عبر ضمير "الأنا" مستخدماً ضمير الغائب كأنه يجيد هو الآخر لعبة التلصّص. لتستمر آليات السرد مدفوعة بشحننات من التربص والمراقبة في السر.

الإرث الشعبي التليد لخيبة المرأة/الرجل
في مجموعتها القصصية "على مصطبة الزمن"، تستعيد الساردة والكاتبة مي أبو زيد حكايات من قرى الدلتا، وهي مكان ميلاد الكاتبة واحتكاكها الأول بتلك الموروثات البائدة، والتي لم تزل تحكم العلاقة بين الرجل والمرأة بحيث تفشي المورث الشعبي في طقوس السحر والشعوذة والحسد ووأد البنات، بل ومزج الطقوس الخرافية الممثلة في نداءات جنيات البحر وشظف العيش وشرف الرجل ولعنة "الخلفة" للبنات، وتلك الحجب والعادات الخرافية التي تدور في رحى القرى المصرية منذ مئات السنين، إذ لم تزل الخرافة تشكل الوعي المنقوص لكل من الرجل والمرأة وهي المغلوبة على أمرها في كل الأحوال، حيث لا مناص ولا فكاك من تلك الأفخاخ القميئة التي جعلت من البنت "عورة" والمرأة غواية تندفع برؤى شيطانية لإستحلال الرجل.

 

“على مصطبة الزمن“ لمي أبو زيد. (دار أم الدنيا للنشر)
“على مصطبة الزمن“ لمي أبو زيد. (دار أم الدنيا للنشر)

 

يدور المتلقي للخطاب في العناوين الأربعة المذكورة في حلقات مفرغة تستعرض عورات مجتمع لم يسلم مثقفوه وكتابه ونخبته من السقوط في براثن تدوير القضية، وكل بحسب موقفه/ أزماته/ وعيه/ بل فرادنيته في النجاة الشخصانية، تاركاً هذا الموروث العفن والمتمثل في حصاد آليات ثالوث الفقر والجهل والمرض وسريانه في المجتمع المصري وحراكه، وعاءً طافحاً بالمأساة.

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 11/1/2025 8:19:00 AM
من هي الدول المشاركة في حفل افتتاح المتحف المصري الكبير؟ 
سياسة 11/1/2025 3:32:00 PM
برّاك: "آلاف الصواريخ المنتشرة في جنوب لبنان ما زالت تشكل تهديداً حقيقياً لإسرائيل"...
ثقافة 11/1/2025 8:45:00 PM
بصمة لبنانية في مصر تمثّلت بتصميم طارق عتريسي للهوية البصرية للمتحف المصري الكبير.
اقتصاد وأعمال 10/31/2025 9:15:00 AM
جدول جديد لأسعار المحروقات