زيارة لمنزل بيار لوتي في روشفور... وحوار معه
 
                                    باريس- أوراس زيباوي
أُعيد افتتاح منزل الكاتب والرحالة الفرنسي بيار لوتي (1850-1923) في مدينة روشفور، جنوب غرب فرنسا، بعد 13 عاما على غلقه بسبب أعمال الترميم والتجديد.
هذا المنزل الذي ولد فيه الكاتب ونشأ مع أسرته، مسجل اليوم على لائحة التراث الوطني والكنوز الفرنسية لأنه يضم مجموعة كبيرة من الآثار التي حملها معه من أسفاره في جميع القارات وشملت أكثر من 25 بلدا. وكانت بلدية المدينة قد اقتنت المنزل من ابنه الوحيد صمويل عام 1969 وحولته الى متحف عام 1973 بسبب تحفه النادرة التي تليق بالمتاحف.

ورث لوتي حب السفر من شقيقه غوستاف، وكان يكبره بأربعة عشر عاما ويعمل كطبيب في البحرية الفرنسية. من الأكيد أن وفاة هذا الأخير المبكرة وهو في التاسعة والعشرين من عمره أثناء عمله متأثرا بوباء، شكلت صدمة كبيرة للكاتب رافقته طوال حياته، فقرر أن يكون مثله ضابطا في البحرية الفرنسية بعد الدراسة الثانوية مما أتاح له وهو في مطلع العشرين أن يجوب البحار ويزور جزيرة تاهيتي واليابان. ومن أسفاره استوحى الكاتب رواياته التي لاقت رواجا كبيرا في حياته.
أينما حل لوتي كان يعود الى فرنسا حاملا معه تحفا متنوعة المواد والتقنيات، منها المنحوتات والأقمشة والأقنعة والرسوم والعناصر المعمارية، ليعرضها في قاعات منزله العائلي الموزعة على ثلاثة طوابق كأنه أراد بها أن يؤسس لمتحفه الخاص قبل وفاته.
أتيحت لنا زيارة المنزل بعد أعمال الترميم التي جاوزت تكاليفها 14 مليون يورو. تعرفنا الى آثاره الرائعة الموزعة بحسب مرجعيتها الجغرافية والثقافية، الأوروبية والآسيوية والعربية الإسلامية. من المؤكد أن أجمل قاعات المنزل هي تلك المخصصة للآثار العربية الإسلامية ويمكن مقارنتها بتلك التي نعثر عليها في أعرق المتاحف بسبب مستواها الفني الرفيع.

كان بيار لوتي كغيره من كتاب وفناني القرن التاسع عشر، منجذبا نحو الشرق الأوسط والمتوسط، فزار دول شمال أفريقيا ومصر والمدن الفلسطينية كالخليل والقدس، كما زار دمشق وبعلبك وبيروت. عام 1877 زار إسطنبول وتكررت الزيارة حتى عام 1913 وفيها استوحى العديد من كتاباته ومنها روايته "أزيادة" وموضوعها قصة حبه لسيدة تركية متزوجة، انتهت بطريقة مأسوية، إذ توفيت الحبيبة لكنه ظل يتردد على إسطنبول ويزور قبرها.
هذا الافتتان بالشرق العربي الإسلامي يطالعنا بأبهى صورة في قاعات منزله حيث السقف الخشبي الرائع الذي جاء به من أحد قصور دمشق والبلاطات الخزفية التي تغطي الجدران وتستعيد أجواء العمارة العثمانية والأندلسية. وقد حافظت أعمال الترميم على التوزيع الأصلي للتحف كما كانت عليه في حياة الكاتب الفرنسي وتمت إضاءة النوافذ حتى تحافظ التحف على بريقها وجاذبيتها الأولى.
شعر لوتي أن اسطنبول هي مدينته المفضلة منذ زيارته الأولى له، وكنزه الضائع الذي كان يبحث عنه منذ الطفولة. كتب عنها "آه إسطنبول... من كل الأسماء يكون اسمها الأكثر سحرا دائما وأبدا. ولا عاصمة يكثر فيها التنوع والاختلاف مثلها".
بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية شعر بحزن شديد وعاب عليه العديد من الكتاب الفرنسيين عدم إدانته للمجازر والحروب التي رافقت نهاية الإمبراطورية وشهدت صعود الدول القومية التي نعرفها اليوم.   

 
     
                                                                             
                                                                             
                                                                             
                                                                             
                                                                             
                                                                             نبض
                                                                        نبض
                                                                     
                                                 
                                                 
                                                 
                                                 
                                                 
                                                 
                                                 
                                                