جورج خبّاز لـ"النهار": لا أملك شجاعة الهروب

ثقافة 11-06-2025 | 00:44

جورج خبّاز لـ"النهار": لا أملك شجاعة الهروب

جورج خبّاز يجسّد في "يونان" لأمير فخر الدين كاتباً مهاجراً تائهاً، يبحث عن ذاته وسط أسئلة الوجود، في تجربة سينمائية غنية بالتنوع الثقافي والعمق الإنساني.
جورج خبّاز لـ"النهار": لا أملك شجاعة الهروب
جورج خبّاز مع أمير فخر الدين خلال التصوير. (صوفي دافان)
Smaller Bigger

في "يونان"، ثاني أفلام المخرج السوري أمير فخر الدين الذي عُرض في مسابقة مهرجان برلين الأخير، يؤدّي جورج خبّاز دور منير، كاتب مغترب يعاني أزمة وجودية. يصل إلى جزيرة نائية في الشمال الألماني، بحثاً عن راحة نفسية بعيداً من اختناقه الداخلي وإبداعه المتعثّر. يجسّد خبّاز شخصية محمّلة ارتباكاً تاريخياً ونفسياً، يلاحقه ظلّ الانتحار. غداة نيله وسام الاستحقاق اللبناني الفضّي، من رئيس الجمهورية جوزف عون، كان لـ"النهار" المقابلة الآتية مع خبّاز عن دوره هذا الذي فاز عنه بجوائز دولية.

* كيف بدأت علاقتك بمشروعه "يونان"؟
- أمير على اطّلاع على أعمالي منذ سنوات، وكان يُبدي إعجابه بها مذ كان شاباً يافعاً، فهو أصغر منّي سناً، عمره لا يتجاوز الرابعة والثلاثين. في مرحلة إعداد النسخة الأولى من سيناريو "يونان"، شاهدني في "أصحاب… ولا أعزّ" على ”نتفليكس“، وقال لفريقه: "هذا هو. وجدتُ منير!". فقرأتُ نصّ "يونان" وأُغرمتُ فوراً بالشخصية وثرائها، شخصية مليئة بالتناقضات والصراعات والأسئلة الوجودية: أسئلة تتعلّق بالانتماء الجغرافي والعائلي، وبالهوية من منظور وجودي أوسع. أحسستُ أن الدور يليق بي في هذه المرحلة من عمري، لأنني وجدتُ تقاطعات حقيقية بيني وبينه. أسئلته بدت لي مألوفة، كأنها جزء من أسئلتي. فقررتُ خوض هذه المغامرة. وكانت تجربة رائعة جداً…

* أتسعى إلى هذا النوع من الانعكاس في أدوارك؟
-  ليس بالضرورة. كممثّل، أنتَ من المفترض أن تكون قادراً على تجسيد شخصيات تختلف عنك كلياً. لكن، حتى عندما يكون الدور نقيضك، فعليك أن تقترب منه، أن تدخل إليه من باب ما، وتكسوه بشيء من روحك، كي تمنحه الصدق والمصداقية. في حالة منير، الأسئلة التي يحملها قريبة جداً من الأسئلة التي تؤرقني.

*  حدّثني عن الإقامة في الجزيرة؟ يبدو أنها كانت تجربة قاسية.
- صعبة جداً. الجزيرة بعيدة ثلاث ساعات تقريباً من هامبورغ. والغريب أن هذه الجزيرة تُغمر بالمياه كلّ ثلاثة أو أربعة أشهر، خلال ظاهرة طبيعية نادرة. تغمرها المياه تماماً، ولا يبقى إلا بعض البيوت المرتفعة لحماية المواشي.

*  كرجل معاصر، هل أثّرت فيك الطبيعة وأجواء المكان خلال التصوير كونها شخصية في ذاتها؟
- كلّ شيء خدمني كممثّل، وذلك في سبيل الشخصية. هامبورغ مدينة صاخبة، فيها زحام وضجيج، وهذا الصخب يعبّر عن عزلة منير داخل المدينة. ثم ننتقل إلى الجزيرة، حيث الصمت والفراغ، حيث الطبيعة هي البطلة: الماء، الهواء، التراب. في مشهد القتال مثلاً، لم يكن منير يهمّه أن ينتصر. كان يبحث عن شعور، أراد أن يحسّ من جديد. وعندما سقط أرضاً ولمس التراب، بدا ذلك الانتصار الحقيقي. الأرض، الماء، حتى الحيوانات – كلّ هذا أعاد وصله بالحياة، أو صالحه مع أوجاعه. في نهاية الفيلم، لم تختفِ جراحه، لكنه رآها من زاوية أخرى، بمنظور جديد.

 

جورج خبّاز مع أمير فخر الدين خلال التصوير. (صوفي دافان)
جورج خبّاز مع أمير فخر الدين خلال التصوير. (صوفي دافان)

 

*  هل لفتكَ المخرج إلى أي تقاطعات بينه وبين الشخصية؟
- طبعاً. أمير لا يكتب أفلاماً "خارجية" أو منفصلة عنه. هو يكتب من داخله، من هواجسه، من تناقضاته، من أسئلته الخاصة. ومنير ليس مجرد شخصية متخيّلة، بل مرآة لجزء من أمير نفسه. وأنا، عندما فهمتُ هذا العمق في لغته السينمائية، قلتُ له: ما عاد يهمّني ان نتحدّث كثيراً عن "يونان"، صرتُ أريد أن أفهمك أنت. أريد أن أعرف رؤيتك، إحساسك، كيف تحوّل مشاعرك إلى صور. وأظن أن هذا الفهم المتبادل هو ما خلق التناغم بيني وبينه. ويمكنك أن ترى أثر ذلك في أدائي.

*  قصّة الراعي فيها فجوات كثيرة وهي رهن للتأويلات. هل تملك أجوبة عمّا قد يتساءل عنه المشاهد؟
-  كلّ مَشهد في الفيلم يُحتمَل تأويله على أكثر من وجه. هناك طبقة إنسانية، طبقة وجودية، طبقة عائلية، وحتى طبقة سياسية. المَشهد الذي تظهر فيه فاليسكا (شيغولا) تحتضن ابنها كارل، مثلاً، يمكن أن يُقرأ كصراع بين المقيم والنازح، أو بين الوطن والآخر الذي حلّ مكان الابن. لكن، أنا لا أريد أن أفرض قراءتي على أحد.

*  هل أنت في حاجة لأن يكون لديك أجوبة عن كلّ أسئلة الشخصية كي تجسّدها؟
-  لا. أحياناً، من الأفضل أن أظلّ في ضياعي. في الفيلم، مثلاً، هناك سؤالٌ كبير: "شو به منير؟". لا أحتاج كجورج خبّاز أن أعرف الجواب. لستُ طبيباً أشخّص مرضاً. أنا فقط أؤدّي حالة وصلت إلى حدودها القصوى، تبحث عن حلول ومن بينها الانتحار.

* هل سبق أن اختبرتَ هذه الحدود القصوى في حياتك الشخصية؟
- بصراحة، لا. أنا أجبن من أن أفكّر في الانتحار. الفكرة تحتاج إلى شجاعة الهروب، شجاعة التخلّي. وهذا أمر ليس سهلاً. في أي حال، الفيلم واسع الأفق، ويمكن كلّ متلقٍّ ان يتلقّفه وفق قراءته ووضعه الإنساني.

* كيف تتخلّص من جورج خبّاز في كلّ مرة لتصبح الشخصية؟ هل هناك أدوات محددّة تعتمدها؟
الممثّل يطوّر أدواته مع الوقت. لكن بالنسبة لي، ليست لدي منهجية واحدة. هناك مدارس مختلفة: إما أن تذهب نحو الشخصية بالكامل وتتنازل عن ذاتك، أو أن تجلب الشخصية إلى عالمك، أو أن تدمج الطريقتين. ما أؤمن به هو الصدق.

 

وجهاً لوجه مع أيقونة ألمانية

هانا شيغولا، أيقونة "السينما الألمانية الجديدة"، تعود في عمر الـ81 بدور سيدة تعيش مع ابنها على جزيرة. بعد فترة صعوبة في التواصل معها، ستتعمّق علاقة منير بها. لكن ماذا عن لقاء خبّاز بها في كواليس تصوير الفيلم؟ يجيب مبتسماً: ”كان لقاء رائعاً… هي، رغم مكانتها، متواضعة إلى أقصى حدّ. "داون تو إرث" (قدماها على الأرض) كما يقولون. نشأ بيننا انسجام على المستوى الإنساني، كما كانت الحال على الشاشة. صحيح أن هناك مهابة حين تقف أمام هانا شيغولا، فأنت أمام أيقونة. لكن على مستوى الشغل، كانت مهنية إلى أقصى حدّ، وحصل بيننا تناغم رائع انعكس حتماً على الأداء. أستطيع القول إنني استفدتُ من هذه الهيبة واستخدمتها كممثّل، خاصةً في مَشاهد التشنّج بيننا في الفيلم. في بداية التصوير، كنت أستحضر رهبة الوقوف أمامها لأعطي المَشهد واقعيته وعمقه. لم تتلاشَ الهيبة بعد أيام من التصوير، خصوصاً عندما تكون مدركاً تراكم التجربة التي تحملها أمامك. هانا شيغولا نالت جوائز في مهرجانات كانّ وفينيسيا وبرلين، ورُشِّحت لـ"الأوسكار"، ومثّلت تحت إدارة أعظم المخرجين في أوروبا: فاسبيندر، فاندرز، غودار… حين تجلس أمامها، لا يمكنك إلا أن تستفيد، سواءً أردتَ ذلك أم لم ترده. أنت ببساطة أمام معلّمة، وإن بطريقة غير مباشرة. في لحظة ما، كان لا بد أن أنسى ذلك، كي أنغمس في الدور، وهذا ما فعلته. في البداية، استعنتُ بذاك الإحساس أمام الكاميرا. لكن بعد حين، أصبحنا زميلين نتعاون كفريق. العلاقة تغيّرت، لكنها لم تُلغِ التقدير“. 

 

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/31/2025 2:00:00 PM
أشقاء الشرع.. مسؤولان بارزان في الحكومة وثالث "معاقَب"
شمال إفريقيا 11/1/2025 8:19:00 AM
من هي الدول المشاركة في حفل افتتاح المتحف المصري الكبير؟ 
سياسة 11/1/2025 3:32:00 PM
برّاك: "آلاف الصواريخ المنتشرة في جنوب لبنان ما زالت تشكل تهديداً حقيقياً لإسرائيل"...
اقتصاد وأعمال 10/31/2025 9:15:00 AM
جدول جديد لأسعار المحروقات