التحدّي الواعي في ديوان "قصيدتي الأخيرة" لمادونا نصّار

التحدّي الواعي في ديوان "قصيدتي الأخيرة" لمادونا نصّار
غلاف ديوان "قصيدتي الأخيرة"
Smaller Bigger

خاضت مادونا نصّار معركة الوضوح في ديوانها الأوّل "قصيدتي الأخيرة"، الصادر ضمن منشورات "منتدى شاعر الكورة الخضراء". فعلى الرغم من تغزّلها بالمشاعر والأحاسيس، كان توكيدها على نقد العلاقات العشقيّة وتقويمها. كلّ ذلك يؤكّد إنسانيتها وتحدّيها العملاق للهزائم.

ألحّت الشاعرة على ضرورة معانقة الشعر للوجود، وانفتاح تجربتها الشعريّة على معضلات العصر، ولا معقوليتها على المطلق الذي لا يمكن تحقيقه إلّا بالاتّجاه المباشر نحو التحدّي، بعيداً عن النهلستيّة: "يا أيّها الرجل العنيد،/ ضع يدك بيدي،/ لنرسم شرقاً جديد،/ دون أن نتأثّر بغربٍ،/ ونبدأَ النسخَ والتقليد!" (صفحة 57).

اختلط واقع التقاليد مع الذات، لتتحدّ خصوصيّة التجربة بعموميّة المعاناة، فالشرائع التي حفرها الزمن على ألواح الفلسفة والدين منذ بدء التكوين، اكتنفتها الشاعرة وانعتقت من الحزن إلى رنين الضحكة: "عذراً... أعترف.../ أنا لا أفقه الشرائع،/ ولم أغص في تعاليم الدين،/ لا أملك شهادةَ في الفلسفةِ،/ ولا أسعى لفهم التكوين.../ أنا...!/ أنا روح بكلّ بساطة.../ تكتب نفسها بلا تزيين،/ تبكي حزنها حروفاً.../ بين الحين والحين،/ وبين جمل خواطرها/ لصوت ضحكتها... حنين..." (صفحة 11 و12)

ليس لتجربة الموت والانسحاق الشامل عند نصّار، ايقاع القلق والرعب الميتافيزيكي المتوتر، سوى تأويل مطلق وحيد، ضمن علم السكون اللامحدود. فقد واجهت فكرة الانتقال من الحياة بكل جرأة وتجرّد وسلام نفس، في ممارسة إبداعيّة إطلاقيّة غير محدودة: "أأخاف الموت؟ لمَ؟/ وأنا هنا... زائر سئمَ الترحال،/ فكرةٌ أرهقها الجدال،/ مهنة تريد الاعتزال،/ أأخاف الموت وهو/ تذكرتي الوحيدة للعودة،/ لرحمة ربّ الجمال؟/ لوطن لا يقبل في المحبّة اعتدال؟" (صفحة 66)

إذا كان جرح القلب يتابع نزيفه في أعماق الذّات، مردّداً ابتهاله الأبدي إلى آلهة هِداية لم تولد بعد، فإنّ بوح الشاعرة يدور في دوّامة صراع حاد، وشكوى أبديّة محبّبة وعفويّة، تائه مع نغم ضائع في دوائر وهميّة: "أحبّك... فقُل لي:/ كيف أحارب نفسي،/ وأنا أتوه منكَ.../ إليك.../ كتائهة.../ في دائرة!" (صفحة 15)

إنّ معاناة المرأة، قادت الشاعرة بطبيعة انقياد التجربة الوجوديّة التي تعطيها نعمة مشاركة ربّنا في الخلق، إلى واقع غير محبّب عند العامة، لكنّ مدلوله كبير عند من يشعر بالإنسانيّة الوجوديّة. وكأنّ نصّار رفعت شعاراً من شعارات الحضارات القديمة والمعاصرة، وسعت لهدفٍ من الأهداف العظمى السامية التي تحقّق العدالة المجتمعيّة في احترام الخصوصيّة الشخصيّة: "أنا امرأة متزوّجة... وجودي الكلّ يغتاب،/ وألام على أمرٍ... ليس لي فيه ارتكاب!/ يناقش الكلّ حالتي... ويُخضعني للإستجواب...!/ مجتمعُ بأنوثتي... يشكّك، يتساءل، يرتاب؛/ والتهمة هي (عاقر)... برحم... يرفض الإنجاب!/ يا تهمة تجلدني.../ تمزقّني.../ يا وجعي.../ ويا أبشع الألقاب...!" (صفحة 26)

الشعر بصفة عامة بالإضافة إلى أنّه لغة الأحاسيس، هو لغة متمرّدة. وهو أصل ما سبق من أدبٍ، وما سيلحقه من إبداع. وهنا في هذا الديوان كانت حالة مميّزة من ناحية دمج القصّة القصيرة بالقصيدة، فنجد بأنّ أغلب قصائد نصّار تحكي حكايات أو تفضي لحل مشكلة ما، وبخاصة القصيدة رقم 18 في الصفحة 50 والتي هي بعنوان "إيثارٌ أخفته قصيدة"، وقد استشرفت خلالها ما سيحدث، والحدث لو تمّ كان ليكون نواة لرواية: "وعندما ترحل.../ سأتابع أخبارك بصمتٍ.../ من صديق مشتركٍ، من مجالس المقاهي/ وفي أخبار الجريدة.../ وبخاطر مكسور،/ سأعلم انّك أحببت غيري/ يومها... في وحشتي/ سيكون الحزن صيّاداً/ وستكون روحي الطريدة!".

كتبت مادونا نصّار في ديوانها عن الإنسان وللإنسان الذي هو المنطلق والمنتهى. ولعلّها ليست أكثر من واسطة بين الإنسان وإنسانيته، لذلك كتبت في عوالمه "القصيدة الأخيرة"، لتنتقل إلى عالم سرّياليّ وتنشر قصائد خياليّة.  

الأكثر قراءة

كتاب النهار 10/15/2025 4:35:00 PM
إن كانت المشكلة قائمة فعلاً، فليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وكان يجدر بالوزيرين المعنيين معاً، أن يبادرا إلى درس التداعيات قبل اتخاذ قرار مماثل يمكن وصفه بـ"العشوائي"...
لبنان 10/16/2025 9:40:00 PM
 أكثر من 13 غارة إسرائيلية استهدفت جنوبي لبنان مساء اليوم...
سياسة 10/15/2025 10:23:00 PM
 طارق متري يستنكر تسريب جوازات السفر الخاصة بالوفد السوري الذي زار لبنان أخيراً، واصفاً هذا التصرف بأنه غير مقبول.
سياسة 10/16/2025 12:22:00 PM
وزير الداخلية من برجا: ملتزمون بسط سلطة الدولة وإجراء الانتخابات في موعدها الدستوري