حوّاء في فردَوس بيار كرم

حوّاء في فردَوس بيار كرم
منحوتة حوّاء لبيار كرم.
Smaller Bigger

انتصاب التماثيل في الساحات، أعمق مساحات الوعي الإنساني منذ الأبد؛ فانفلاش الإعجاب الشديد بصمتٍ أمام الإبداع، هو خشوع الكلام على مسرح الدهشة.

 

 

بيار كرم صانع التماثيل، صدمنا بوعينا لإيماننا، ففي منحوتة "حوّاء"، بروحها وكينونتها، يجعل المُشاهد حائراً بين المادة ومكوّناتها، وبين بذور الحياة التي أفرخت في طينه.

 

تمثال "حوّاء"، صنعه كرم من نتف طين متبقّية من جبلة الرب التي نفح فيها روح آدم، وكأنّه كان الشاهد الوحيد عندما نزع الله ضلع البعل الأوّل. مشهديّة أعادت إلينا فكرة التأمّل، قبل أن تبهرنا الروح التي تحاول الاندماج مع طيف أنثويّ داخل التمثال. فيتحوّل العمق المتلاشي في سحر المكان الذي فرضته حوّاء بحضورها الثاني هنا، إلى حالة حائرة بين المادة والروح.

 

ثنائية المادة والروح، صبّها كَرَم في أجزاء التمثال على هيئة تضاريس منسجمة، مقدّمًا المنحوتة في جسد متسامٍ في روحانيته. تلك الثنائيّة أعطت للطين معنى الاتصال الواقعي بين سِفر التكوين واللحظة الحاضرة.

 

على ملامح التمثال بان تخبّط حوّاء وندمها على غواية بعلها، وتشوّشها الساعي لعيش الحياة بقسوة فرضها الرب من جراء فعلتها. لذلك وضعها كرم في سجن الندم من دون أن يمنعها عن إلغاء الماضي، واستعادة الحياة والبدء من جديد. وعليه لم نلاحظ ورقة توت أو تين تستر عريها.

 

ولعلّ تلك التضاريس الجسديّة، والسحنة الجميلة، والجدائل المغوية، دلالة على تماهي كلّ الأبعاد الهندسية مع إدراك كرم للأنوثة، والغواية، والخيال، والزمن الأوّل والحاضر.

 

لو قُيّض لتلك السيّدة المحبوسة داخل التمثال، أن تقرأ سفر التكوين، لندمت على الإغواء وحلمت بالرحيل من الماضي. وماذا تراها تفعل إزاء العذابات التي مرّ ويمرّ بها بعلها؟ إلى أين يحلم التمثال أن يرحل إذًا؟ وإلى أين تمضي السيّدة من تمثالها؟ لقد بانت مطلوبة من عدالة الديانات السماويّة، فبحثت عن مصنع تماثيل في فردوسٍ اسمه لبنان، صاحِبُه بيار كرم، فوضعها في باحة قصر يطل على الجنّة في عهد التكوين، بعد أن خانها المجتمع وخذلها التاريخ، وغفر لها السيّد المسيح.

 

يطرح هذا العمل أسئلة عديدة، فهل يستطيع الزائر أن يجيب عليها؟ وهل يستطيع إدراك محتوى هذا العمل بأبعاده السرياليّة، والجماليّة، والفلسفيّة التي كانت صلة وصل بين البداية والنهاية؟ فليست مهمّة الفنّان سرد حكاية التمثال، وليست مهمّة الناظر إليه إمتاع البصر فقط؛ فالحالة الإبداعيّة عند كرم تحثّ على توسيع الخيال، وترتقي بالناظر إلى فضاءات اللانهاية، كما الى الغوص في أعمق مجاهل الذات حيث تتكثّف المشاعر، فيحييها ويبعثها من الأعماق.

 

هل يجيد تمثال حوّاء في جنّة كرم أيَّ شيء غير الإغواء؟ يكفي أنّه يجسّد الأنوثة والجمال، هاتين الصفتين المكمّلتين لإبداعه.  

 


الأكثر قراءة

كتاب النهار 10/15/2025 4:35:00 PM
إن كانت المشكلة قائمة فعلاً، فليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وكان يجدر بالوزيرين المعنيين معاً، أن يبادرا إلى درس التداعيات قبل اتخاذ قرار مماثل يمكن وصفه بـ"العشوائي"...
لبنان 10/16/2025 9:40:00 PM
 أكثر من 13 غارة إسرائيلية استهدفت جنوبي لبنان مساء اليوم...
سياسة 10/15/2025 10:23:00 PM
 طارق متري يستنكر تسريب جوازات السفر الخاصة بالوفد السوري الذي زار لبنان أخيراً، واصفاً هذا التصرف بأنه غير مقبول.
سياسة 10/16/2025 12:22:00 PM
وزير الداخلية من برجا: ملتزمون بسط سلطة الدولة وإجراء الانتخابات في موعدها الدستوري