قصة صغيرة: كتاب نادر يوثّق شهادات كميل شمعون عن الحرب الأهلية اللبنانية

يُعدّ كتاب "أزمة في لبنان" للرئيس الراحل كميل شمعون من الإصدارات النادرة التي كتبها بنفسه عام 1976، في خضم اشتعال الحرب الأهلية اللبنانية. يروي شمعون في هذا الكتاب يومياته السياسية والعسكرية، ويقدّم شهادته الشخصية على مرحلة من أكثر مراحل لبنان تعقيداً وألماً.
شمعون، الذي انتُخب رئيساً للجمهورية اللبنانية عام 1952، وبقي في سدة الحكم حتى عام 1958، عايش سلسلة من التحولات الكبرى، أبرزها وحدة مصر وسوريا التي ألقت بظلالها على الداخل اللبناني، وأدت إلى اندلاع ثورة عام 1958، مما استدعى تدخّلاً أميركياً مباشراً عبر إرسال قوات "المارينز" إلى بيروت.
بعد نهاية ولايته، لم يغب شمعون عن الساحة، فأسّس الحلف الثلاثي عام 1969 مع بيار الجميّل وريمون إدّه، وأدّى دوراً محورياً في قيادة "الجبهة اللبنانية" التي مثّلت اليمين المسيحي خلال الحرب، كما أسّس تنظيم "نمور الأحرار" العسكري، الذي شارك في المعارك الميدانية.
رأى شمعون أن للحرب الأهلية اللبنانية أربعة مكونات رئيسية، أولها الفلسطينيون ومنظمة التحرير الفلسطينية التي استخدمت الأراضي اللبنانية كنقطة انطلاق لمهاجمة إسرائيل. ثانيها ما وصفه بـ"الإسلام السنّي"، مشيراً إلى ما اعتبره غياب الشعور بالانتماء لدى بعض السنّة، وهو رأي يعكس وجهة نظره في تلك المرحلة. ثالث المكونات، بحسب شمعون، هو "المكوّن المسيحي" الذي اعتبره مدافعاً عن سيادة لبنان. أما العنصر الرابع فهو الشيوعية، التي خشي من تمدّدها على الطريقة الأنغولية.
يتوقّف شمعون عند اتفاقية القاهرة الموقعة عام 1969، ويرى فيها مصدراً رئيسياً لضعف الدولة اللبنانية، إذ منحت منظمة التحرير الفلسطينية حق استخدام الجنوب والمخيمات قاعدةً عسكرية، فيما يتطرق إلى "اتفاقية ملكارت" عام 1973، التي اعتبرها استمراراً للاتفاقية الأولى، لكنها فشلت، برأيه، في تهدئة التوتر بسبب ضعف الجيش اللبناني.
الكتاب يُضيء على معركة تل الزعتر الدامية، ويسرد شمعون تفاصيل هذه المعركة من موقعه القيادي، مظهراً وجهة نظر اليمين المسيحي من قرار اقتحام المخيم.
من بين المحطات اللافتة في الكتاب أيضاً اللقاء الذي جمع شمعون بكل من الرئيس سليمان فرنجية وبيار الجميّل في نيسان/أبريل 1976، في محاولة للبحث عن حلّ سياسي وسط الإنهاك العسكري، كما يكشف عن اقتراح ترشيحه لرئاسة الجمهورية من قبل فرنجية والجميّل، لكنه تريّث بانتظار تأكّده من فرص الفوز.
يخصّص شمعون فصولاً للحديث عن علاقته المتوترة بياسر عرفات، معتبراً أن وعود الأخير لم تُنفّذ على أرض الواقع، كما يتناول الدور الفلسطيني في تفجير الوضع الداخلي.
تكمن أهمية هذا الكتاب في كونه شهادة حيّة من أحد أبرز الفاعلين في الحرب، ويروي من موقع القيادة السياسية والعسكرية، في وقت كانت البلاد تغلي وتُعاد صياغة توازناتها. إنها مذكّرات رئيس جمهورية أصبح قائداً ميدانياً، وتقدّم مادّة غنيّة لفهم دوافع الحرب وخلفياتها من وجهة نظره.