"ليلة مرصّعة بالنجوم" ليوسف الخضر: بين دراما الذات والتنقيب عنها

اختار يوسف الخضر في روايته " ليلة مرصّعة بالنجوم " (هاشيت أنطوان/نوفل) أن يتموضع سرداً في الذات، شكلاً عبر توظيف الضمير المتكلّم "أنا"، وسياقاً من خلال اصراره على أن يكون الراوي مصاحباً برؤيته السرديّة للنّص وأحواله. وقد اختار الخضر أن يكوّن الشخصيّة مفردة وحيدة مجرّدة في هذا السرد ليحاكم الزمن، تحديداً الماضي من خلال ترتيب علاقات آدم بالآخرين، بدءاً بنوال مرورًا بصديقه العامل في محل "سيديهات" الأفلام السينمائيّة وصولاً إلى علاقته بأبيه التي تشكّل العقدة والعامل المعاكس له في مساره ومصيره، كلّ هذا أتى ضمن سياق لغويّ يترنّح بين التوثيق وكتابة اليوميّة من جهة وبين المسار الروائي الذي لم يسعَ الخضر لجعله محفوفاً بالدهش والمفاجأة.
اللغة والسرد... التنقيب عن الحدث
عمل يوسف الخضر على جعل النّص قائماً بحدّ ذاته، بمعنى آخر، متحرّراً من الأدبيّات التقليديّة التي تحكم الرواية، ومتجنباً ما يفضّله القارئ عادة من تناوب الأصوات الروائيّة على السرد أو إعطاء الأولويّة لعنصر الحركة الذي سيمهّد لأحداث متتالية تثير فضول القارئ وترفع من منسوب تشويقه.
من يقرأ المسار المشهدي المتماسك من ناحية الأفكار والتركيبة، يعلم أنّ الكاتب اختار التوثيق والبناء بدلًا من المتعة والإثارة، وهو ما ينافي ما جزمه دانيال بناك في كتابه الأثير "متعة القراءة" (غاليمار، 1992) حول العلاقة الوطيدة التي تجمع المجانيّة بالفنّ، فالصفحة الأولى وثّقت الروتين اليومي لشخص يستفيق ليجد نفسه في دوّامة من الفوضى، من دون أن يستدرج القارئ إلى عالم أو عوالم مختلفة تنتظره، وعلى رغم اختياره الواقعيّة والنبرة الاجتماعيّة التي تظهر العلاقة مع القيم.
لم تكفِ اللغة وصناعة المشهد بدقّة نصّ يوسف الخضر ليأتي بجديد أو حتّى للاحتكاك بالواقع وجزيئاته، بقي الخضر يبحث عن نفسه من خلال آدم الذي اشتهى الطرقات - الأحداث من دون أن يعالج قضيّته أو يتعرّف إلى عقده، فصار السياق عبارة عن تمرين على كتابة البنى السرديّة من دون أن تكون هناك محاولة لبناء نصّ صاخب مليء بالأحداث والتشويق.
الموضوع وصوغ النهاية
لم تكن الرواية التي تتمحور حول شخصيّة آدم الذي فقد كلّ ارتباطاته بالاهتمام الأسري والعيش الكريم وبقي مطارداً من الفقد والفقر والحاجة إلى الهدوء والأمان، وهو لا شكّ موضوعة ملحّة تحوّلت إلى ظاهرة مستدامة في الشرق الأوسط، لكن دائرة العوامل السرديّة لم تكن مكتملة نتيجة تركيز الكاتب على ذاته من دون أن يعطي الجهد والأولويّة لبناء الشخصيّات الموازية.
تعاطى الخضر مع الواقع على أنّه وعاء يحتوي الشخصيّة الأساس من دون أي محاولة لتفكيك الشخصيّة التي تقوم على هدمها من خلال المطبّات والعقد والمواقف وبنائها من خلال منعطفات وتحوّلات في الشخصيّة.
لم تتغيّر الشخصيّة لدى الخضر، بقيت على مسارها التائه الذي يحاول أن يترجم ويوثّق ما حدث من دون تدخل أو تحليل ما يجعل النّص محتفظاً بصيغة كلاسيكيّة قائمة على مشاهد وشخصيّات وأمكنة وأزمنة من دون الوصول إلى منعطف.
ما يحسب ليوسف الخضر هو القدرة على توظيف المكان والزمان في خدمة رسم الشخصيّة أو ما يسمى نقداً بالبناء، وهو ما ساعد على صوغ القسم الأخير الذي ركّز على العلاقة مع الأب بتفاصيلها المتشنّجة، فضلاً عن محافظته على البنية السرديّة المتينة التي تمكنت من صوغ نهاية تشبه الشخصيّة وهواجسها ونكباتها المتتالية.
تحاول رواية يوسف الخضر الخروج عن السائد من خلال التصوير والكتابة وبناء الذات متخلية عن العناصر الأكثر طلباً واستقطاباً من القرّاء، لا سيّما العامل الآخر.