عمار علي حسن لـ"النهار": "المطاريد" ملحمة لعذاب الإنسان

ثقافة 09-06-2025 | 17:59

عمار علي حسن لـ"النهار": "المطاريد" ملحمة لعذاب الإنسان

"كلّ ما أريده دومًا ألا أتخلّى عن اللافتة التي أرفعها وهي التجويد والإجادة والتجديد".
عمار علي حسن لـ"النهار": "المطاريد" ملحمة لعذاب الإنسان
ثلاثية "ملحمة المطاريد" لعمار علي حسن. (النهار)
Smaller Bigger

عمار علي حسن أديب ومفكر مصري، أنجز ستين كتاباً، نصفها أعمال أدبية عبارة عن روايات ومجموعات قصصية ومسرحية وديواني شعر،  ويتوزع الباقي على النقد الثقافي والاجتماع السياسي والتصوف ونصوص عابرة للأنواع. أُعدت حول أعماله الأدبية عشرون أطروحة جامعية، وتُرجمت بعض كتاباته الأدبية والفكرية إلى لغات عدّة، ونال عنها جوائز أبرزها: جائزة الدولة للتفوق، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، وجائزة اتحاد كتاب مصر في الرواية، وجائزة الطيب صالح في القصة القصيرة، وأصدر أخيراً روايته "ملحمة المطاريد" في ثلاثة أجزاء، عن "الدار المصرية اللبنانية"، وهي تعد ذروة أعماله السردية.

"النهار" حاورته بشأن هذا العمل المختلف في مساره الإبداعي.

* أصدرت رواية "ملحمة المطاريد" في ثلاثة أجزاء. لماذا أطلقت عليها اسم ملحمة؟
- لم يكن هذا لامتدادها، إذ إن زمنها يمتدّ على خمسة قرون؛ ولا لأجيالها المتلاحقة التي تبلغ ستة عشر جيلاً، إنما لطبيعة سرديّتها، وبنائها الحكائيّ، ولغتها الغنائية؛ والأهمّ من كل هذا لانطلاقها من سياقها المحليّ المباشر، لتصبح أمثولة لعذاب الإنسان، في أيّ مكان وأي زمان، ووفق أي ثقافة أو عقيدة، وهو يسقط وينهض، وينكسر وينتصر، ويمضي خلف حلمه ويدفع في سبيله الكثير. 
هي رواية لأنها تمتثل لشروط هذا الفن؛ وهي ملحمة لكلّ ما ذكرت؛ ولأنها أيضاً، وكما تبيّن الأحداث، تُروى على ألسنة منشدين، يسمّون في الرواية "قوّالون"، وفق الكلمة التي تم تداولها في صعيد مصر قروناً، ثم صاروا يسمّون "الشعراء"، وهم رواة السير؛ فـ"ملحمة المطاريد" سيرةُ صراع تاريخيّ بين عائلتين متخيّلتين، هما الصوابر والجوابر، يصنع حكايات تحملها الجدات عبر القرون.

* ألهذا السبب كنت تنهي كل حكاية بمقطوعة شعرية من فنّ الواو؟
- نعم، حتى يشعر القارئ طوال الوقت بأنه يكاد يسمع الحكاية على لسان شاعر شعبيّ. واخترت فن الواو لأنه أحد الأشكال الفنية التي تعبّر عن صعيد مصر، حيث تدور أحداث الرواية. وهو يختلف عن المواويل والغناء الشعبي والأزجال، ليس فقط ببنائه الفنيّ، إنما أيضاً بعمقه، وانطوائه على فلسفة، مثلما نرى في مربّعات ابن عروس  عبد الستار سليم في زماننا.

* هل استعنت بمربّعات معروفة من فن الواو أم هي من تأليفك؟
- من تأليفي، ولم يكن هذا صعباً عليَّ، لسببين: الأول أنني بدأت مساري الأدبي شاعراً، وصدر لي ديوانان؛ والثاني هو أنني نشأت في بيئة اجتماعية كان فيها المولعون بتأليف الأشعار العامية والأغاني يؤلّفونها بشكل فطريّ، رغم أنهم لم يتلقّوا أيّ تعليم في مدارس، إنما علّمتهم الحياة. 
في البداية، اقترح عليَّ صديقٌ أن أستعين بمربّعات موجودة بالفعل، أو أن أطلب من أحد مبدعي فن الواو أن يكتب لروايتي خصيصاً ما يناسبها، لكنني وجدت أن الأفضل هو أن أقوم بتأليفها، ربما لأني أشعر أكثر من أيّ أحد بروح الرواية ومغزاها، وأنا الأكثر انفعالاً بأحداثها.

 

الأديب والمفكر المصري عمار علي حسن. (النهار)
الأديب والمفكر المصري عمار علي حسن. (النهار)

 

*  روايتك "جبل الطير" تمتدّ زمناً أطول، ولم تخلُ من هذه السمات الملحمية تقريباً؛ لكنّك لم تطلق عليها اسم الملحمة؟
- هذا صحيح. وقد كتب الناقد الراحل الدكتور جابر عصفور عنها دراسةً، نشرها على مدار أربعة مقالات في صحيفة "الأهرام"، قارن فيها بين "جبل الطير" وبين "ملحمة الحرافيش" و"أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ. لكنني، ورغم أن "جبل الطير" تتبع تطور الأساطير الدينية في مصر عبر آلاف السنين من خلال خفير الآثار، الذي انتقل من حراسة مقابر فرعونية إلى آثار قبطية ثم إسلامية، فإن الرواية ذات طابع معرفيّ، تغيب عنها بعض سمات العمل الملحميّ المتوافرة في رواية "المطاريد"، أو هكذا أعتقد.

* بمناسبة الإتيان على ذكر نجيب محفوظ، هل أردت كتابة ملحمة على غرار "الحرافيش"؟
- لم أقصد كتابة ملحمة. بدأت الفكرة مجرد رواية، كتبت منها صفحات، وظلّت على جهاز الحاسوب نحو سبع سنوات، حتى فكّرت في أن أحوّلها إلى قصة قصيرة، أضمّها إلى أيٍّ من مجموعاتي؛ وفجأة، وجدت نفسي منفعلًا بهذا النص انفعالاً شديداً، أكثر من أيّ وقت مضى لي مع الكتابة السردية، فتركت نفسي لتتابع الأحداث، حتى اكتملت على هذا النحو.
وتختلف "المطاريد" عن "الحرافيش" في مسائل كثيرة، على رأسها أن "الحرافيش" مدينية، و"االمطاريد" ريفية"، والقيمة المركزية للحرافيش هي العدل، أما "المطاريد" فقيمتها المركزية هي الإخلاص. وملحمة محفوظ تعيد إنتاج فكرة "المهدي المنتظر"، متجسّدة في عاشور الناجي، إلى درجة التطابق بين الاثنين، بعد إدخالها في القالب المحفوظي العبقري حين نقلها إلى الحارة المصرية بتاريخها. أما "المطاريد" فهي تأخذ حلم العودة المسكونة به شعوب كثيرة عبر التاريخ الإنساني، لتضفيها على أحلام عائلة من الصعيد.

* كم من الوقت استغرقت كتابة هذه الرواية؟
 - ابتداء، يختلف الأمر من رواية إلى أخرى. فقد كتبت مثلًا "شجرة العابد" في عشر سنوات، كنت أكتب جزءاً صغيراً منها أثناء فترة الاصطياف، ثمّ أتركها وانشغل بغيرها، لأعود إليها بعد عام. أمّا رواية "جبل الطير" التي صدرت في ما يربو على ستمئة صفحة فكتبتها في تسعة أشهر. والعجيب أن "ملحمة المطاريد" كُتبت مسوّدتها الأولى في ستة أشهر فقط، وبعدها راجعتها خمس مرات تقريباً، سواءٌ لضبط اللغة، أو لتعيين النقلات التاريخية، أو لتدقيق بعض الأدوات التي كانت تستخدم في زمن معين، على مدار القرون الخمسة التي تشكّل زمن الرواية. كنت منفعلاً جداً بكل ما يجري حولي، ووجدت أن الانهماك في الكتابة شفاء أو مقاومة، فأعطيت هذا العمل كلّ وقتي، ولم أكن أريد له أن ينتهي.

 

ثلاثية عمار علي حسن. (مواقع التواصل)
ثلاثية عمار علي حسن. (مواقع التواصل)

 

* ألم تخشَ بعد انتهاء الرواية من أن ضخامة العمل قد تجعل فرص نشره صعبة؟
- الناشر يرحّب بما أكتب، لكن المشكلة، لديّ ولديه، كانت في فرص توزيع العمل بعد نشره، مع ارتفاع سعر الورق، والظروف الاقتصادية التي أدّت إلى ضعف الإقبال على شراء الكتب. في البداية، راهن الأستاذ محمد رشاد، صاحب "الدار المصرية اللبنانية"، ناشرة الرواية، على معارض الكتب الخارجية، لكننا فوجئنا بأن الرواية وزّعت بشكل جيّد في معرض القاهرة الدولي للكتاب، حتى أن طبعتها الأولى نفدت رغم أن سعرها ليس بمتناول أغلب القراء. 

* الحقيقة ليس هذا فقط، إنما أيضاً عن حال القارئ الذي يميل اليوم، في زمن تغريدات أكس وفايسبوك، إلى النصوص القصيرة، التي تناسب إيقاع الزمن؛ ألم تخشَ مِن هذا؟
- بالطبع نعم، لكن الغريب أنني فوجئت بأن هناك إقبالاً جيداً على الرواية. وحين سألت دار النشر أخبروني بأن بعض القرّاء يفضل الأعمال المطوّلة، ولاسيما إن كان على علاقة جيّدة بكاتبها من قبلُ، أو قرأ عنها مراجعات من بعض القراء تحفّزه على شرائها. أخبروني بأن بعض القراء ما دام سيدفع، فإنه يريد عملًا يقضي معه وقتاً أطول. ابتسمت، وقلت: للّه في خلقه شؤون.

* أيّ أفق تتوقع لروايتك الأخيرة؟
- أتمنى لها نجاحاً يكافئ تعبي فيها، وما أعوّله عليها، إذ اعتبرها أفضل ما كتبت حتى الآن. نعم القرّاء يتحدثون دومًا عن روايتي "شجرة العابد"، وهناك من يفضّل "جبل الطير" أو "خبيئة العارف"، لكن ليس من بينها، في نظري أنا ككاتب، ما يطاول "ملحمة المطاريد"، وإن كانت كل رواياتي بناتي، كما يقولون. 
عموماً، أتذكّر هنا ما يقوله لي أحد النقّاد من أن روايتي الأولى "حكاية شمردل"، وهي "نوفيللا" لا تتجاوز التسعين صفحة، تروق له جداً، ويعتبرها من أجمل ما كتبت، ثمّ يتحدّث عن جمال العمل الأول  وبراءته.
وكان أحد الناشرين يؤمن بأن للكتب حظوظاً مثل البشر. كنت أتعجّب من قوله، لكن بعد كل هذه السنين، أقول لنفسي ضاحكاً: يبدو أن الرجل كان على حق.

* إذا كانت "المطاريد" هي ذروة رواياتك، أو أعمالك الأدبية، كما تعتقد، ألا تخشى من أن يبدأ منحنى الإبداع عندك في التراجع؟
- هذا هو التحدي. وقد خضته من قبل مرتين؛ فحين صدرت "شجرة العابد" قال كثيرون لن يستطيع أن يكتب مثلها، حتى قرأ صديق روايتي "جبل الطير"، فقال هذه أقوى، وهو ما قاله د. جابر عصفور أيضاً في مقاله؛ وها أنا أصدر ما يعتبره البعض أقوى من الروايتين. 
لكن دعني أعترف لك بأنني لم أقل لنفسي أبداً سأجلس لأكتب عملًا أقوى من سابقه. أنا أكتب ما أنفعل به، وما تجود به مخيّلتي وقريحتي، وأترك الحكم على قيمة العمل ومكانته بين مؤلّفاتي الأخرى للنقّاد والقرّاء. كلّ ما أريده دومًا ألا أتخلّى عن اللافتة التي أرفعها وهي "التجويد والإجادة والتجديد". 

 

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 11/1/2025 8:19:00 AM
من هي الدول المشاركة في حفل افتتاح المتحف المصري الكبير؟ 
سياسة 11/1/2025 3:32:00 PM
برّاك: "آلاف الصواريخ المنتشرة في جنوب لبنان ما زالت تشكل تهديداً حقيقياً لإسرائيل"...
ثقافة 11/1/2025 8:45:00 PM
بصمة لبنانية في مصر تمثّلت بتصميم طارق عتريسي للهوية البصرية للمتحف المصري الكبير.
اقتصاد وأعمال 10/31/2025 9:15:00 AM
جدول جديد لأسعار المحروقات