حوارات نسرين البخشونجي: أدب العالم في ترجمة عربية نادرة

ثقافة 17-06-2025 | 18:19

حوارات نسرين البخشونجي: أدب العالم في ترجمة عربية نادرة

هذا الكتاب محاولة لمقاومة المركزية الثقافية والذهاب نحو الهوامش المضيئة.
حوارات نسرين البخشونجي: أدب العالم في ترجمة عربية نادرة
كتاب "كل شيء سيرتي... كل شيء خيالي".
Smaller Bigger

يجمع كتاب "كل شيء سيرتي... كل شيء خيالي" (دار صفصافة للنشر والتوزيع) لنسرين البخشونجي عدداً من الحوارات الأدبية والثقافية التي أجرتها على مدار أكثر من عشر سنوات مع كتّاب ومبدعين من مختلف أنحاء العالم، يمثلون مدارس فكرية وجمالية متعددة، ويكتبون بلغات وثقافات وسياقات اجتماعية متنوعة.  

تقول الكاتبة والمترجمة في حوار مع "النهار" إنها  لم تكن تدرك، وهي تجمع هذه الحوارات، أنها بصدد مشروع نادر في سياق النشر العربي، "لكن شيئاً فشيئاً، ومع كل لقاء جديد، بدأت أعي أن هذا الكتاب يختلف عن غيره من كتب الحوارات التي عرفتها في منطقتنا. فكل الحوارات التي يتضمنها الكتاب حصرية، لم تُترجم ولم تُقتبس من مجلات أو منصات أجنبية، بل هي حوارات أجريتها بالفعل مع الكتّاب خصيصاً للقارئ العربي، ونُشرت بالعربية، ومن منطلق رؤيتي الذاتية ككاتبة عربية تتفاعل مع الأدب العالمي بلغتها، وبأسئلتها، وبوعيها الثقافي. ولعل هذا ما يجعل الكتاب تجربة خاصة ومغايرة: فهو لا يقدّم فقط أصواتاً أدبية من القارات الخمس، بل يعيد تقديمها من خلال عدسة عربية حيّة، تنظر إلى الأدب العالمي، لا كمراقب من الخارج، بل كشريك في الحلم والتجربة والسؤال".  

 

غلاف الكتاب.
غلاف الكتاب.

 

"الكتاب ليس فقط توثيقاً لحوارات مع مبدعين، بل هو محاولة لرصد روح الزمن عبر صوت الكتّاب الذين يسكنون في عوالم متباينة" توضح البخشونجي، "ومع ذلك يلتقون عند مفاهيم كونية: الغربة، النسيان، الطفولة، الحب، الذاكرة، الهامش، والهوية. ما كنت أسعى إليه في هذه الحوارات الصحافية هو تتبّع نقاط التقاء الأدب بالواقع، والفرد بالمجتمع، واللغة بالحياة، عبر أسئلة لا تهدف إلى استنطاق الأعمال فقط، بل الكشف عن الكواليس النفسية والإنسانية لصنّاعها".

* هناك اهتمام واضح في الحوارات بالفضاءات غير التقليدية في الحديث عن الكتابة: كيف يكتب الكاتب وسط الحروب؟ كيف تتجلى الطفولة في السرد؟ هل للغابة أو البحر أو المنفى دور في بناء الخيال؟
- أي قلق يسكن الكاتب حين يختار لغته؟ هذه هي الأسئلة التي شكّلت النواة الجمالية للكتاب.
أعتقد أن الشخصيات المنتقاة تمثل خريطة متحرّكة للكتابة. فالكتّاب الذين حاورتهم في هذا الكتاب ينتمون إلى خمس قارات، ومن بينهم: الكولومبي أكتور آباد، الكاتبة الإيرانية آذار نفيسي، الفنلندي آكي أوليكين، الصيني شيو تسي تشين، وآخرون. تم اختيارهم ليس فقط لنجاحاتهم الأدبية، بل لأن أعمالهم تفتح أسئلة كبرى، وهم أنفسهم كتّاب لا يهابون التفكير بصوت عال، ولا يقدمون إجابات جاهزة.

اخترت الحوار مع كتاب قد لا يكونون جميعاً نجوماً في الإعلام العربي، لكنهم مؤثرون في المشهد الثقافي العالمي، ويملكون فرادة في الصوت والأسلوب. هذا الكتاب محاولة لمقاومة المركزية الثقافية والذهاب نحو الهوامش المضيئة.

* ولماذا هذا الكتاب، والآن؟
- لأنني كنت دائماً مأخوذة بفكرة الإنصات. الصحافة الثقافية كانت مدخلي الأصلي إلى عالم الكتابة، والحوار بالنسبة إلي ليس نوعاً صحافياً بقدر ما هو لقاء إنساني يحرّض على التفكير والتأمل. أردت جمع هذه الحوارات في كتاب لأنها تمثل لي خريطة شخصية لعلاقتي بالعالم، بقراءاتي، وبالأسئلة التي تؤرقني.
كما أن هذا المشروع امتد لسنوات، فكان يشبه دفتر يوميات سرياً مفتوحاً على الغرباء الذين صاروا جزءاً من ذاكرتي ووعيي الأدبي. كل حوار في هذا الكتاب يذكّرني بفترة ما في حياتي، بكتاب كنت أقرأه، أو بقلق كنت أعيشه، أو حتى بأولادي الذين يسألون: "ليه بتسألي الناس عن حياتهم؟".
يمثل هذا الكتاب، ببساطة، مرآة داخلية. لكل سؤال طرحته على أحد الكتّاب كنت أطرحه، في العمق، على نفسي. لذلك أعتبر هذا العمل أحد أقرب مشاريعي إلى وجداني. هو ليس كتاباً عن الآخرين فقط، بل عني أنا أيضاً.
العنوان نفسه "كل شيء سيرتي... كل شيء خيالي"، هو اعتراف بأن الأدب ليس حيادياً، بل مشبع بالذاتي، بالتجربة الإنسانية للمبدعين، وبمخاوفهم وتطلعاتهم كبشر يكتبون الأدب.

 

الكاتبة والمترجمة نسرين البخشونجي.
الكاتبة والمترجمة نسرين البخشونجي.

 

* وهل أخذتك هذه الحوارات بعيداً عن عالمك الإبداعي؟
- سؤال مؤرق، والإجابة عنه ليست بسيطة. نعم، في لحظات كثيرة، شعرت أنني أعيش داخل عوالم الآخرين أكثر من كتابتي الخاصة. الترجمة، والبحث، والتحضير لكل حوار، كلها كانت تأخذ وقتاً وجهداً نفسياً كبيرين. لكن في المقابل، هذه الحوارات منحتني مخزوناً إنسانياً وسردياً هائلًا، أغنى  كتابتي للقصص والروايات من حيث لا أدري.

* وهل اختيارك مجال الترجمة، كان سبباً، مباشراً في تأخرك/ تراجعك الروائي الإبداعي؟ 
- ربما تأخرتُ في إصدار رواية جديدة بسبب انشغالي بهذه الحوارات، لكنني أعتقد أنني كنت أكتب طوال الوقت فقط بطريقة مختلفة. كنت أكتب عبر أسئلة الآخرين، وكنت أتدرّب على الإصغاء، وهو أمر نادر في زمن صاخب مثل زمننا.

"كل شيء سيرتي... كل شيء خيالي" ليس فقط كتاباً عن كتّاب آخرين. إنه تجربة شخصية جداً، ومرآة حوارية تحاول أن تفهم العالم عبر قصص من يصنعونه. في زمن تتراجع فيه الأسئلة لحساب الصراخ، حاولت أن أستعيد طقس السؤال كفنٍّ من فنون التلاقي الإنساني.

هذا الكتاب كان ضرورة، لا خياراً. وربما، في النهاية، هو اعتراف صريح بأنني أكتب لأفهم وأحياناً، لأتذكر.

* ماذا عن دوافعك للكتابة؟ 
- لا أذكر متى كتبت للمرة الأولى. ولكنني أذكر جيداً تلك الرجفة التي اعترتني، كأنني كشفت سري للعالم فجأة. الكتابة لم تكن قراراً، وكأني ولدت من رحم الحرف، كأنني كنت أبحث عن طريق أتنفس فيه، وأراني. منذ سنوات، وأنا أقول إنني لا أكتب لكي أقول كل شيء. بل أكتب لأقترب من بعض الأشياء. الكتابة بالنسبة إلي ليست فقط أداة للتعبير، بل وسيلة للتماهي مع ما لا أستطيع قوله صراحة، وللتفاهم مع نفسي قبل أن أتفاهم مع الآخرين. أنا لا أكتب من أجل الجمال وحده، بل أكتب لأن هناك شيئاً فيّ لا يهدأ إلا حين يُقال. كأن الكتابة طقس تطهيري، ونداء داخلي يُلح عليَّ أن أُصغي له. لم أكتب يوماً تحت إلحاح النشر. أكتب حينما تشتد بي الحاجة إلى البوح، إلى ترتيب الفوضى التي في داخلي، أو التقاط لحظة شعورية فائقة الهشاشة. الكتابة بهذا المعنى ليست “مهنة”، إنها أسلوب حياة. لذلك أعتبر أن علاقتي بالنص علاقة حميمة، فيها التردد كما فيها الشغف، فيها الخوف كما فيها الإصرار. أحياناً أكتب لأنني أخشى أن أمضي من دون أن أترك أثراً، وأحياناً أكتب لأن الأثر هو أنا. البوح لا يعني دوماً أنني أحكي حكايتي، بل قد يعني أنني أستعير حكايات الآخرين لأقول حكايتي. في أزمنة متغيرة ومضطربة، تصبح الكتابة نوعاً من المقاومة. مقاومة النسيان، مقاومة الصمت، مقاومة العادي. وربما لهذا أحببت فكرة "النسيان" كموضوع روائي أشتغل عليه الآن، لأنها مساحة تتماسّ كثيراً مع البوح غير المكتمل، أو المؤجل. تعلمت أن الأصوات كثيرة، لكن الأصالة نادرة. تعلمت أن أستمع أكثر مما أتكلم، وأن أبحث عمّا لا يُقال في السطور، بل في ما بين السطور. أكتب لأنني ما زلت أؤمن بأن في الكلمة حياة. وفي البوح شفاء.

 

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 11/1/2025 8:19:00 AM
من هي الدول المشاركة في حفل افتتاح المتحف المصري الكبير؟ 
سياسة 11/1/2025 3:32:00 PM
برّاك: "آلاف الصواريخ المنتشرة في جنوب لبنان ما زالت تشكل تهديداً حقيقياً لإسرائيل"...
ثقافة 11/1/2025 8:45:00 PM
بصمة لبنانية في مصر تمثّلت بتصميم طارق عتريسي للهوية البصرية للمتحف المصري الكبير.
اقتصاد وأعمال 10/31/2025 9:15:00 AM
جدول جديد لأسعار المحروقات