في كلّ مرة نظن أنّنا بلغنا أقصى ما يمكن أن نعرفه عن ليوناردو دا فينشي، يُطلّ علينا حاملاً سحراً جديداً، واكتشافاً مذهلاً، وكأنّ عبقريته لم تكتفِ بأن تعيش في زمن النهضة، بل قررت أن ترافقنا إلى الأبد. رجل لا تنضب أسراره، ولا تكفّ أعماله عن التحدث إلى الأزمنة اللاحقة، بكل لغاتها وتطوراتها.

أسرار تحت ميلانو
في اكتشاف رائد، كشف الباحثون عن شبكة من الأنفاق الخفية تحت قلعة سفورزا التاريخية في ميلانو، وهي هياكل رسمها ليوناردو دا فينشي في "كودكس فورستر الأول". وباستخدام تقنيات متقدمة مثل الرادار المخترق للأرض والمسح بالليزر، أكّد الفريق وجود هذه الممرات التي تعود إلى القرن الخامس عشر والتي يُعتقد أنها استخدمت لأغراض عسكرية واحتفالية على حدّ سواء.

ومن المثير أن أحد هذه الأنفاق يربط القلعة مباشرة بكنيسة سانتا ماريا ديلي غراتسيه، حيث توجد جدارية "العشاء الأخير" الشهيرة لليوناردو. وهناك خطط جارية لإنشاء نسخة رقمية طبق الأصل للقلعة، تتيح للزوار استكشاف هذه الممرات المخفية افتراضياً.

احتفاء عالمي بالإرث
يُحتفى بتأثير ليوناردو المستمر عبر معارض وفعاليات متنوعة في مختلف أنحاء العالم. فمن المقرّر افتتاح المتحف الأول والوحيد المخصّص لدا فينشي في أميركا الشمالية في مدينة بويبلو بولاية كولورادو، في وقت لاحق من الخريف المقبل، ليُقدّم معارض تفاعلية ونسخاً بالحجم الطبيعي مستوحاة من رسومات ومخططات الفنان، مع التركيز على مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والفنون والرياضيات.

وفي متحف ديسكفري في أكتون، ماساتشوستس، يُقام احتفال خاص بعيد ميلاده، بمشاركة العائلات في أنشطة مثل صنع طائرات ورقية واستكشاف تصاميمه المبتكرة.

تكريم على ورقة اليورو
في لفتة إلى تأثيره الهائل في الثقافة الأوروبية، اقترح البنك المركزي الأوروبي وضع صورة دا فينشي على ورقة الـ100 يورو الجديدة. وتندرج هذه المبادرة ضمن خطة تصميم جديدة تهدف إلى عكس التراث الثقافي الغني لأوروبا، حيث يُجسّد ليوناردو موضوع "الثقافة الأوروبية".

أزاحت التطورات التكنولوجية الحديثة الستار عن أساليب ليوناردو الإبداعية. ففي المعرض الوطني في لندن، كشفت تقنيات التصوير المتقدمة عن تركيب سابق تحت لوحة "عذراء الصخور"، ما يبرز تطوّر الرؤية الفنية لديه. كما كشفت الدراسات حول "الموناليزا" عن آثار باهتة لرسم تحضيري بالفحم، ما يشير إلى استخدامه لتقنية "سبولفيرو"، والتي قد تدلّ على وجود رسمة أولية تحضيرية من تنفيذ ليوناردو.

تُبرز هذه الاكتشافات والاحتفاءات مدى استمرار صلة ليوناردو دا فينشي بالحاضر، ومدى افتتان العالم الدائم بأعماله. ومع استمرار التكنولوجيا في كشف أسرار عبقريته، يبقى إرث هذا المعلم النهضوي الفريد ملهماً ومؤثراً.