الرباط عاصمةٌ للكتاب المغربي والعربي في معرض جديد

ابتداءً من 17 نيسان/ أبريل الجاري إلى 27 منه، تتحوّل عاصمة المملكة المغربية إلى مركز إشعاع واستقطاب للثقافات المغربية والأفريقية والعربية والأجنبية، لمناسبة انطلاق المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته الثلاثين (دورته الأولى كانت في عام 1987، وأسّسه وزير الثقافة والخارجية الراحل أخيراً محمد بن عيسى). مع هذا المعرض الذي انتقل إليها من الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية للمغرب، تُتوّج الرباط عاصمةً للثقافة في المغرب، وهي تستعد من الآن لتُعلن وتشغل رسميّاً العام المقبل مركز ومنتدى عاصمةٍ دوليةٍ للكتاب.

منذ التأسيس تُشرف وزارة الثقافة على تنظيم هذه التظاهرة التي تحوّلت تدريجاً إلى عيد سنوي للكتاب، ومعها ينمو قطاع النشر بالتدريج وتكبُر وتتنوّع شرائحُ القراء بشكل لافت للنظر، ما جعل المعرضَ المغربيَّ يتبوأ اليوم موقعاً مركزيّاً بين المعارض العربية، تفوق طلبات المشاركة فيه إمكانيات الاستيعاب بناءً على معاييره الجدية وأجوائه الثقافية الحيوية. هكذا، يعرف في دورته الجديدة في ضوء أرقام ديوان وزارة الثقافة مشاركة 51 دولة و775 عارضاً إضافة إلى التوكيلات، يقدمون للقراء مئة ألف عنوان. يوازيها 712 نشاطاً ثقافيّاً.

شعار معرض الكتاب في الرباط.

ما خصوصية الدورة الجديدة لمعرض الكتاب الدولي المغربي بما يجعله أكثر من سوق لبيع الكتب وعرضٍ للإصدارات قديمِها الغالب وجديدِ دور النشر؟ حرص وزير الاتصال والثقافة والشباب محمد مهدي بسعيد، المسؤول الأول عن هذه التظاهرة، على الإجابة بصراحة عن هذا السؤال المفترض، حتى لا تكون المناسبة تكراراً، ولكي تقدم ما يُصطلح عليه بـ"القيمة المضافة"، يجدها في أن الدورة الحالية "تأتي لترسيخ هوية المعرض ملتقى سنوياً ثقافيّاً متجذِّراً" وفي "جعل المغرب ملتقى عالميّاً لتثمين قيم الأصالة والانفتاح" ولـ"إرساء دعائم مجتمع المعرفة" حيث يتجاور الكُتّاب والقرّاء ليشكلوا قاطرة للثقافة، وتجسيداً لمنظومة الصناعات الثقافية والإبداعية.

وبما أن عدداً كبيراً من المغاربة يقيمون ويعملون في الخارج، يُسمّون في الاصطلاح الرسمي "مغاربة العالم"، فإن هذه المناسبة توليهم عناية كبيرة من ناحية التعريف بإسهاماتهم في بلدان الإقامة، والخصوصيات التي ترفد بها أعمالُهم النتاجَ الفكريَّ الإبداعيَّ لوطنهم الأم. هذه الاعتبارات وغيرها تصنع عند المسؤول الثقافي المغربي الأول، والهيئة العلمية المشرفة على البرنامج الثقافي، الهدف الأسمى من المعرض، أي الاحتفاء بالفكر والعلوم والتقنيات والأدب والفنون، ومناقشة كل ما استجدّ في عالمي النشر والإبداع.

هذا هو الوجه الأبرز الذي أضحى المعرض الدولي للنشر والكتاب في المغرب يظهر به في السنوات الأخيرة، ولاحظ المشاركون والجمهور أنه يستأثر بقسم كبير من أيامه. نعرف أن معارض الكتاب العربية جميعها تنظم نشاطات موازية، وتعقد لقاءات للكتاب، وحلقات للفرجة والتسلية، وعروضاً للطبخ ومهارات وأذواقاً مختلفة، بما يسلّي ويحظى بإقبال عام.

وزير الثقافة المغربي محمد مهدي بن سعيد.

معرض الرباط عُمِّد العام الماضي في "الجامعة المفتوحة"، وندواته وحواراته التي جمعت نخبة المفكرين والكتاب من المغاربة والعرب والأجانب المدعوّين، حازت نصيباً كبيراً من الاهتمام وضاقت بجمهورها القاعات المخصّصة ونافست أروقةَ العرض بشكل ملحوظ. برنامج هذا العام يثبت هذا لترسيخه تقليداً، مواضيعه كثيرة نقدّم منها العناوين الكبرى التالية:

ـ الترجمة الأدبية وتجليات صورة المغرب عبر العالم.
ـ ترجمة الأعمال الأدبية للمغاربة في الخارج من لغاتها إلى العربية، أيّ إضافة؟
ـ أسئلة الكتابة بلغة (الآخر) الأجنبي، كيف تُطرح نصّاً وإضماراً.
ـ استعادة الشعر العربي بالوسائط التكنولوجية الجديدة.
ـ الظاهرة النسوية واستراتيجية إنتاج المعرفة.
ـ الأدب الفرنكوفوني منظوراً إليه من المغرب. 
ـ الظاهرة النسوية واستراتيجية إنتاج المعرفة.
ـ قصيدة النثر : تجديد الشعر أم قطيعة مع التراث؟
ـ ترجمة ، ترجمات الأدب العربي: الصيغ والمعضلات والمردود.
ـ الذكاء الاصطناعي: أيّ تأثير على الثقافة وتعليم اللغة؟
ـ الإبداع الفلسطيني في مواجهة سياسات المحو. 
ـ الرواية العربية وقضايا المجتمع المدني.

تعاضد هذه المواضيع التي تمثل انشغالاتٍ فكريةً وأدبيةً للنخبة المفكرة والمبدعة في المغرب والعالم العربي، قضايا مهمة يلتقيها الجمهور في القسم المخصص للغات الأجنبية، الفرنسية خاصة، والضيوف الأفارقة، إذ تتحول الرباط إلى مركز تقاطع للثقافة الأفريقية التي خصّصت لها أكاديمية المملكة المغربية، التي يرأسها أمين السر الدائم عبد الجليل الحجمري، كرسيّاً أكاديميّاً مرموقاً، وتجد في المعرض واجهة ومنصّة للتعبير والحوار مع المغاربة والعرب.

يغتني معرض الكتاب الدولي الرباطي بعد هذا بتقليد نبيل أقرّته وزارة الثقافة بتكريم الأعلام المغاربة، ويستمر في هذه الدورة باسم "مسارات" ويحتفي بسيدات وسادة ذوي مكانة أدبية. فإن أضفنا إلى ما سبق جلسات توزيع جوائز وطنية وعربية (جائزة المغرب للكتاب، جائزة الشعراء الشباب، جائزة القراءة، وجائزة أدب الرحلة للمركز العربي للأدب الجغرافي ـ ارتياد الآفاق) مع تخصيص سهرات شعرية وفنية كل مساء؛ فإن المعرض الدولي للكتاب في دورته الثلاثين، يكرِّس الرباط عاصمةً ثقافية للمغرب وأفريقيا وفي العالم العربي، ويبدأ حافلاً وناجحاً، محليّاً، وعربيّاً إذ يفتح أحضانه لاستقبال إمارة الشارقة ضيف شرف ببرنامج دسم وبالاشتراك مع دارسين وكتّاب مغاربة، وكانت الشارقة ضيّفت المغرب في معرضها الأخير.

من وراء معرض الكتاب المغربي، الذي هو عرس ثقافي وطني بلا منازع، ونظائره في العالم العربي هي بالاعتبار نفسه وأكثر، نواجه نحن العرب تحدي القراء المتدنيّة في بلداننا ونريد أن نكسب رهان المعرفة، والكتاب والوسائل الحديثة مطيتهما، ولنا عودة إلى هذه الهموم.