وفاة الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا الحائز جائزة نوبل للآداب

ودّع عالم الأدب واحداً من أعظم أعمدته: ماريو فارغاس يوسا، الكاتب النوبلي البيروفي الذي طبعت كلماته أجيالاً، ولم يتوقّف صوته يوماً عن تحدي السلطة. من دهاليز الاستبداد إلى أعماق النفس البشرية، رسم فارغاس يوسا خريطة الآلام السياسية والأخلاقية لأميركا اللاتينية، وتوفي الأحد عن 89 عاماً في ليما، حيث كان يعيش منذ أشهر قليلة بعيداً عن الحياة العامة.
وجاء في رسالة كتبها نجله البكر ألفارو ووقّعها شقيقه غونزالو وشقيقته مورغانا: "بحزن عميق نعلن وفاة والدنا ماريو فارغاس يوسا في ليما بهدوء محاطاً بعائلته".
ولد فارغاس يوسا في عائلة بيروفية من الطبقة المتوسطة وكان أحد أبرز الأسماء في "الفورة" الأدبية الأميركية اللاتينية في الستينات والسبعينات مع الكولومبي غابريال غارسيا ماركيز والأرجنتيني خوليو كورتازار.
لم يكن روائياً عادياً، بل كان ضميراً حيّاً لشعب رفع صوته. في رواياته مثل "حديث في الكاتدرائية"، "حفلة التيس" و"حرب نهاية العالم"، كشف عن جراح التاريخ، وسطوة الاستبداد، ومقاومة الإنسان في وجه القمع. وقد جمع في أسلوبه بين القوة والنعومة، بين جرأة البنية السردية وصدق التجربة الإنسانية.
موجة أميركا اللاتينية الأدبية الجديدة
نشر فارغاس يوسا أول مجموعة قصصية له بعنوان "الجراء وقصص أخرى" عام 1959، لكنه اقتحم الساحة الأدبية بقوة عام 1963 من خلال روايته الأولى الرائدة "زمن البطل"، التي استلهمها من تجاربه في أكاديمية عسكرية في البيرو، وقد أثارت سخط المؤسسة العسكرية في البلاد. وأقدمت السلطات على حرق ألف نسخة من الرواية، واعتبرها بعض الجنرالات "كاذبة"، ووسموا يوسا بالشيوعي.
رسّخت هذه الرواية، إلى جانب أعمال لاحقة مثل "حديث في الكاتدرائية" (1969)، مكانة فارغاس يوسا كواحد من أعمدة ما يُعرف بـ"الطفرة الأدبية" أو موجة الكتّاب الجدد في أميركا اللاتينية خلال الستينيات والسبعينيات، إلى جانب غابرييل غارسيا ماركيز وكارلوس فوينتس.
بدأ يوسا الكتابة في سن مبكرة، وكان في الخامسة عشرة يعمل صحافياً يغطي الجرائم في صحيفة "لا كرونيكا" البيروفية. ووفقاً لموقعه الرسمي، فقد عمل أيضاً في مراجعة شواهد القبور في مقبرة، وفي تدريس اللغة في معهد "برلتز" بباريس، ولفترة وجيزة في القسم الإسباني لوكالة "فرانس برس" في العاصمة الفرنسية.
واصل كتابة المقالات الصحافية طوال حياته، وخصوصاً في عمود رأي سياسي نصف شهري نُشر في عدد من الصحف حول العالم. ومع الوقت، أصبح يوسا مدافعاً شرساً عن الحريات الفردية والاقتصادية، مبتعداً تدريجياً عن خلفيته المرتبطة بالشيوعية، ووجّه انتقادات لاذعة إلى قادة اليسار في أميركا اللاتينية الذين اعتبرهم "طغاة".
لكمة لصديقه ماركيز
ورغم أنه كان من أوائل المؤيدين للثورة الكوبية بقيادة فيديل كاسترو، فإنه أصيب بخيبة أمل لاحقاً، ووجّه انتقادات قاسية لنظام كاسترو. وبحلول عام 1980، أعلن أنه لم يعد يؤمن بالاشتراكية كحلّ للدول النامية.
وفي حادثة شهيرة في مكسيكو سيتي عام 1976، وجّه يوسا لكمة إلى صديقه السابق ماركيز، الذي وصفه لاحقاً بـ"محظية كاسترو". ولم تُعرف حتى اليوم أسباب الشجار، سواء كانت سياسية أم شخصية، لأن كلا الكاتبين رفض الحديث عنها علناً.
ومع تحوّله التدريجي نحو الليبرالية الاقتصادية والمحافظة السياسية، خسر يوسا تأييد العديد من رفاقه من كتّاب أميركا اللاتينية، وتعرض لانتقادات حتى من بعض معجبيه.