لم يكن ظهوره السينمائي الأول تقليدياً، بل كان بعيداً كلّ البعد عن التقليدية. بدلاً من أن يتعرّف إليه الجمهور في الدور الكاريكاتوري للرجل الوسيم، اختار فال كيلمر الذي رحل مساء أمس عن 65 عاماً دور نيك ريفرز، نجم الروك الذي يتحول إلى جاسوس، في كوميديا عام 84 "توب سيكرت!". كان هذا الدور محاكاة ساخرة لـ"البرسونا" التي ربما كان من المتوقع أن يؤديها كيلمر بفضل وسامته وجاذبيته التي منّت عليه بها الطبيعة. ومع ذلك، كانت مسيرته الفنية بعيدة عن التوقعات وسلك بها ومعها طريقاً غير سهل.

وُلد كيلمر ونشأ في لوس أنجلس، وهناك امتزجت أصوله الأيرلندية والسويدية والألمانية والشيروكي في البوتقة الأميركية. في السابعة عشرة من عمره، أصبح أصغر طالب يتلقّى رسالة قبول في برنامج الدراما الدراسي في مدرسة جوليارد. حتى قبل انتقاله إلى نيويورك، كان يكتب وينشر الشعر بنفسه؛ وفي أوائل الثمانينيات، شارك في أدوار مسرحية وتلفزيونية، لكن هوليوود لم تتأخر في ملاحظته. بعد ظهوره الأول الغريب، شارك في فيلم Real Genius، وترك بصمته كـ"آيسمان" في Top Gun بعده بسنة، وأدّى الدور الرئيسي في فيلم الخيال الملحمي Willow في عام 1988، حيث التقى وتزوج زميلته جوان والي.

فال كيلمر بشخصية جيم موريسون في The Doors.

بلغت مسيرة كيلمر ذروتها في التسعينيات. تلك الحقبة طبعته وأغدقت عليه المجد وعزّزت مكانته كواحد من أبطال الشاشة. كان تجسيده لجيم موريسون في فيلم The Doors عام 1991 باهراً، وكال له النقّاد المديح لتجسيده روح النجم الصاخب بإقناع مُحكم. وعلى رغم تميّزه في الأدوار الرئيسية، كانت أفضل أدواره غالباً في الشخصيات المساندة. في True Romance، قدّم ظهوراً مؤثراً بشخصية إلفيس بريسلي، وفي العام نفسه، أبدع في دور دوك هوليداي في Tombstone، مجسّداً الخارج عن القانون بروح متهالكة تدرك مصيرها المحتوم. كذلك برز في فيلم Heat منتصف التسعينيات كجزء من مجموعة من اللصوص، حيث أضاف عمقاً إنسانياً وسط مشاهد الحركة المكثفة.

في مقابل النجاح والمجد، لم تحظَ أعماله جميعها بالنجاح نفسه. جاء أداؤه لشخصية "باتمان" في Batman Forever متوسطاً، بينما فشلت أفلام أخرى مثل The Ghost and the Darkness وThe Saint في شباك التذاكر. ومع تزايد سمعته كممثل صعب التعامل، زاد الأمر سوءاً بعد تصوير The Island of Dr. Moreau، الذي جمعه بمارلون براندو ووُصف مرّات عدّة بـ"الغرائبي" و"الكارثي".

فال كيلمر بدور دوك هوليداي في Tombstone.

رغم التحديات، استمرّ كيلمر في تقديم أدوار أعمق في الألفية الجديدة، مثل دوره في Wonderland عام 2003 وSpartan عام 2004. وأثبت مهاراته الكوميدية مجدداً في Kiss Kiss Bang Bang عام 2005. ثمّ عمل في السنوات اللاحقة مع مخرجين كبار مثل فرنر هرتزوغ وتيرينس ماليك وفرنسيس فورد كوبولا. وبعد معركة طويلة مع سرطان الحنجرة بدأت في 2015، كان له ظهور أخير مؤثر في Top Gun: Maverick عام 2022.

في مهرجان كانّ السينمائي عام 2021، عُرض الفيلم الوثائقي "فال"، الأقرب إلى رسالة وداع، للمرة الأولى، مقدماً صورة حميمة لفال كيلمر الإنسان، ومصححاً عدداً من المغالطات الصحافية والانتقادات السلبية التي تعرّض لها. ظهر كيلمر في الوثائقي ممثلاً بليغاً يعترف بصراحة بأنّه لم يتّخذ دائماً القرارات الصحيحة، لكنه لم يكن مهتماً بتوافق صورته مع صورة النجم التقليدي. لم يعش حياة عادية، محقّقاً ما قاله على لسان شخصية دوك هوليداي: "لا توجد حياة طبيعية. إنّها مجرد حياة. امضِ قدماً".