ثقافة 28-03-2025 | 06:15

الأهرامات.. كائنات فضائية وتصوّر توراتي وألف قصة غريبة!

أسئلة شغلت علماء التاريخ والآثار وأثمرت آلاف القصص الغريبة. يمكن تلخيص الحكاية كلها بخمسة تيارات سنحاول التطرق إليها بإيجاز.
الأهرامات.. كائنات فضائية وتصوّر توراتي وألف قصة غريبة!
أهرامات الجيزة.
Smaller Bigger

وحدها "أهرامات الجيزة" بقيت من عجائب الدنيا السبع. وإذا كانت الأساطير تبدو مثل حكايات غارقة في الضباب، فإن الأهرامات الثلاثة تقف شامخة أسطورة أمام ملايين الناظرين، ليتجدد السؤال: كيف لبشر عاشوا قبل خمسة آلاف عام أن يشيدوا تلك العمارة المعقدة حجراً فوق حجر؟ وكيف لهم معرفة الحسابات الهندسية المعقدة؟

 

أسئلة شغلت علماء التاريخ والآثار وأثمرت آلاف القصص الغريبة. يمكن تلخيص الحكاية كلها بخمسة تيارات سنحاول التطرق إليها بإيجاز.

حضارة مفقودة
ثمة تيار يرى أن البناء يعبر عن حضارة عمرها لا يقل عن عشرة آلاف عام، ولا يستبعد أن يكون البناة ينتمون إلى حضارة عظيمة اندثرت تعود إلى شعب قارة أتلانتيس المفقودة، والدليل على ذلك عدم وجود كتابات ورسومات هيروغليفية حاسمة على جدرانها.

كائنات فضائية
ربط البعض الهرم الأكبر بالأطباق الطائرة باعتباره نقطة هبوط وانطلاق للكائنات الفضائية، واعتبرها "حلقة" من خط هاتفي لاسلكي هائل يربط بين الكواكب! وانضم أخيراً الملياردير الأميركي إيلون ماسك إلى القائلين إن من بنوها هم الكائنات الفضائية، وإن رمسيس الثاني نفسه هو كائن فضائي!

تصور توراتي
تشير المرويات الإسرائيلية إلى كونها "مخازن يوسف"، وربما هو من بناها، وثمة لوحة في معبد القديس مارك في فينيسيا تجسد هذا المعنى. أو هي مما بناه الجن للنبي سليمان.

 

وبحسب ميروسلاف فيرنر في كتابه "سر الأهرامات"، تزعم جون تيلور في منتصف القرن التاسع عشر نظريةً توراتية، ترى أن المعرفة الفلكية والرياضية الضخمة المطلوبة لبناء هرم مثل هذا لا يمكن توافرها لبشر عاشوا قبل خمسة آلاف عام، وإنما البناة كانوا على صلة مباشرة بالله، فهم سلالة مختارة!

 

وطور مورتون إدغار تلك النظرية معتقداً أن كل اتجاه وكل زاوية وكل حائط وكل نتوء له مغزى توراتي رمزي، يكمن فيه ماضي البشرية ومستقبلها، وخلق العالم ونهايته.

 

مؤيدو التأويلات الغنوصية على اقتناع تام بأن الهرم الأكبر على علاقة وثيقة بأسرار مصر الغامضة، وأنه كان مكاناً للمختارين المكرسين لخدمة الله، إذ يشير الدهليز الداخلي المنحدر إلى اليأس والظلمات، فيما يحمل الدهليز الصاعد والبهو العظيم الروح إلى الحقيقة والضياء.

فولكلور عربي
تغلب على هذا التصور السيَر الشعبية والأساطير والمرويات العربية التي تعود إلى القرون الوسطى. مثلاً، زعم السيوطي في "حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة" أن من بنى الأهرامات سوريد بن سلهوق ملك مصر، قبل الطوفان بثلاثمئة سنة. وسبب ذلك أنه رأى في منامه كأن الأرض انقلبت بأهلها، وكأن الناس هائمون على وجوههم، وكأن الكواكب تساقطت، ويصدم بعضها بعضاً بأصوات هائلة، فأغمه ذلك، فاستشار الكهنة لبنائها للنجاة من الطوفان. وهناك من ينسب بناءها إلى هرمس مثلث العظمة أو أخنوخ (النبي إدريس) هو من بناها للسبب نفسه.

 

كذلك يُروى أن جماعة دخلت إلى الهرم في زمن أحمد بن طولون، فرأى أحدهم إناء من زجاج، فلما خرجوا لم يجدوا صاحبهم، وفجأة خرج إليهم عرياناً وقال لهم وهو يضحك: لا تتعبوا في طلبي، ورجع هارباً داخل الهرم، فعلموا أن الجن استهوته، وأبلغوا ابن طولون فمنع الناس من دخول الهرم.

 

وقيل إن "الروحاني" الموكل بالهرم البحري في هيئة امرأة عريانة مكشوفة العورة، لها ذوائب في الأرض وتطوف حوله وقت القائلة، والموكل بالهرم المجاور غلام أصفر أمرد عريان يطوف وقت المغرب، أما الموكل بالثالث فهو شيخ في ثوب الكهان يطوف ليلاً حوله وفي يده مبخرة.

عماليق وقوم عاد
كما تنسبها الأدبيات العربية إلى "العماليق" أو "قوم عاد"! ومن أغرب التأويلات ما طرحه منصور عبد الحكيم في كتابه "المسيح الدجال وأسرار الأهرامات"، وفيه يتحدث عن ارتباط الماسونية بالشكل الهرمي، في انتظار ظهور المسيح الدجال عندما تستقر النجمة الذهبية فوق الهرم الأكبر، وينفي أن تكون قد بنيت لتكون مقابر لثلاثة ملوك، بل يعتبر الهرم الأكبر "بيت الطاغوت المحرم" أي إبليس ومكان العبادة لأعوانه ومنهم المسيح الدجال! فإبليس اتخذ من مصر بلداً حراماً له، وكلمة "هرم"ـ في رأي المؤلف، تحريف لكلمة "حرم"، ليصبح مكاناً مقدساً لعبدة الشيطان في مقابل الحرم للمسلمين في مكة! ويستشهد بحديث عن عبد الله بن عمر أن إبليس دخل مصر فباض فيها وفرّخ!

 

وتحت عنوان "كشف المستور في سر الخبر المكنون"، يقدم خالد نبهان ما يسميه "دراسة تاريخية عن الأهرامات بمنهج عربي"، ويزعم ـ استناداً إلى كتاب الموتى، المعروف أن باني الأهرامات هو "تحوت" إله الحكمة والمعرفة عند المصريين القدماء، لتكون معبداً وهيكلاً للإله الخالق.

التيار الأثري 
تقصى ميروسلاف فيرنر "سر الأهرامات"، وكيف مرت بتطورات معقدة منذ الأسرة الأولى، إذ  كانت تقام فوق تلال رملية (ترمز إلى التل الأزلي الذي ظهر من المياه الأزلية وبدأت الحياة عليه)، على هيئة مصاطب مرتفعة، تحاكي البيوت، وتضمن للملك بعد وفاته وتحنيطه أن يستمر في ضمان الرخاء والأمان لبلده، وهو في العالم الآخر. ثم ارتفعت المصاطب درجات وتغيرت من الشكل المستطيل إلى الهرمي المدرج، مع بقاء القاعدة أقرب إلى الاستطالة وتقسيمها إلى غرفة خاصة بالدفن وأخرى كمخزن للأثاث الجنائزي، ويحيل التدرج إلى صعود الروح إلى السماء.

 

من ثم، تعبر "الأهرامات" عن التطور المعماري والديني والمعرفي الخاص بعلوم الفلك والرياضيات، فلم تعد مجرد مقابر ملكية وإنما ترمز إلى الدور التاريخي للملك كرمز للدولة وللنظام الذي وهبته الآلهة لمصر.
وثمة مئات من الأهرامات الصغيرة، وإن اندثر معظمها، استفاد المصريون في تشييدها من وفرة الحجر الجيري الأبيض بحكم أن مصر في تكوينها السحيق كانت عبارة عن خليج من البحر الطباشيري.

أنياب من نحاس
كان عمال المحاجر يعتمدون على أنياب من النحاس وأزاميل ومطارق من حجارة صلبة كالغرانيت، وكانت الكتل تسحب إلى شاطئ النيل بواسطة البشر والحيوانات، وتوضع على ألواح تجرها أزواج من الثيران، بعد تعبيد الطريق لها بالطمي والمياه.

 

ويرى فيرنر أن المصريين شيدوا أهراماتهم بما توافر لديهم من معرفة، ومن تقسيم متقن للعمل بين مجموعات مختلفة، مقدراً عدد من شاركوا في سائر مراحل بناء الهرم الأكبر بأكثر من 30 ألف شخص.

 

كما يستشهد بقول مأثور: "الكل يخشى الزمن إلا الأهرامات فإنها تسخر منه"، ويختم كتابه المهم والفريد، بالكلام عن الأساطير والقصص التي أحاطت نشأة الأهرامات.

ماذا يقول المصريون؟
أما وجهة النظر المصرية فيتزعمها الأثري الكبير أحمد فخري في كتابه "الأهرامات المصرية". والطريف أنه ألفه بطلب من دار نشر أميركية عام 1954، توقعت منه أن يكتب عن القصص الغرائبية والأساطير والحوادث المثيرة، لكن الناشر صُدم من الجهد البحثي والأثري الجاد، وفي النهاية نشرته جامعة شيكاغو بالإنكليزية قبل أن يعيد نشره بالعربية.

 

عاش فخري - بحكم عمله - لسنوات على بعد أمتار من الأهرامات، ويشير إلى وجود عشرات الأهرامات في سقارة وأبو رواش ومنف وأبيدوس وزاوية العريان وتل أتريب وغيرها، عدا وجود أهرامات في شمال السودان تعرف بالأهرامات الكوشية، وأرجع محاولة إنشاء أول هرم إلى عام 2780 ق.م، لكن أول هرم حقيقي أقيم بعد ذلك بمئة عام وهو "هرم سنفرو" في2680 ق.م، واعتبر أن فكرة الشكل الهرمي كمقابر للملوك تطورت عبر قرون من التجربة.
وممن ساهموا في تطويرها المهندس المعماري "أمحوتب" الذي توسع في استخراج الأحجار على نطاق واسع، وبنى فيها مقبرة "زوسر" على هيئة مصطبة، ثم أجرى تعديلات عليها ليضيف مصاطب أخرى شكلت في النهاية شكلاً هرمياً أو ما يعرف بالهرم المدرج.

 

ورغم أن بعض الأثريين الأجانب اعتبروا أن تلك الأبنية استنزاف للثروة بلا فائدة،إلا أن فخري يرد ذلك إلى إيمان المصريين الشديد بالبعث والحساب، لذلك اختاروا تشييد الأهرامات في الضفة الغربية للنيل، في مواقع تشرف على الوادي المزروع، لإيمانهم بأن مملكة الموتى تقع في الناحية الغربية حيث غروب الشمس. كما ذكر أن كتلة الحجر الواحد قد تصل إلى ثمانية أطنان لكن المصريين كانوا معتادين على نقل تماثيل وكتل تصل الى ألف طن.

سجال مستمر
إلى اليوم، لايزال السجال قائماً بشأن كل تفصيل داخل الأهرامات وحولها، منها ما يسمى "مراكب الشمس" التي اكتشفها كمال الملاخ، وهي عبارة عن سفن قيل إنها ترمز إلى رحلة "رع" (الشمس) من الشروق إلى الغروب، كاستعارة دالة على رحلة الإنسان نفسه في الحياة، لكن خالد عزب وأيمن منصور في كتابهما "الأهرامات المصرية: أسطورة البناء والواقع" يقولان إن هذه السفن الخشبية ليست "مراكب الشمس"، وإنما كانت خاصة بنقل مومياء الملك والأثاث الجنائزي الخاص به، ثم أصبحت جزءاً من الأثاث، وحفر لها حول الأهرامات.

 

بغض النظر عن التفسيرات والتأويلات الغريبة، مؤكد أن الهرم الأكبر تحديداً وأبا الهول ينطويان على رسائل سرية مشفرة، وأن سر الأهرامات في تعبيرها الخالد عن حضارة متقدمة قد تكون أقدم زمناً من تاريخ بنائها.

 

لكن غالبية القصص الرائجة لا تعدو كونها "شطحات" مضحكة أو على حد تعبير بتري: "هناك علماء تكون النظرية لديهم أغلى من الحقيقة"، بمعنى آخر تملك القصة المثيرة تأثيراً أشد فتكاً من الحقيقة.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
تحقيقات 9/30/2025 4:06:00 PM
تقول سيدة فلسطينية في شهادتها: "كان عليّ مجاراته لأنني كنت خائفة"... قبل أن يُجبرها على ممارسة الجنس!
ثقافة 9/28/2025 10:01:00 PM
"كانت امرأة مذهلة وصديقة نادرة وذات أهمّية كبيرة في حياتي"
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟