ثقافة
25-03-2025 | 12:44
"أشغال شقة جداً"... سقوط الكوميديا في فخ الترند
إنّ "الترندية" أو اشتهاء الترند وابتكاره والركوب عليه واستلهامه باتت أساسية في الدراما العربية عموماً، وهو ما استوجب ضخ الكثير من "الأفيهات" اللفظية المفتعلة.

أشغال شقة جداً".
"الدنيا كوميديا لمن يفكر، تراجيديا لمن يُحس". تصلح جملة هوراس وولبول مدخلاً لقراءة مسلسل "أشغال شقة جداً"، إخراج وكتابة خالد دياب، وشاركته الكتابة شيرين دياب. فجوهر الكوميديا أنها تخلخل الفكر السائد وأنماط البشر والبنيات الاجتماعية الراسخة. فهي تفكّر ساخر وهزلي خارج الصندوق، قد ينتهي بالإنسان إلى حل سعيد، أو على الأقل إلى التحرر من تحيزاته ورغباته القاتمة. وعندما يضحك الإنسان، فهذا يعني أنه يعيش لحظة سعادة وحرية معاً، متجاوزاً كل ما ينتقص من ذاته ويكبله.
والكوميديا قبل أي شيء رؤية مرحة للوجود ضد الكآبة والقتل وضد الكراهية والتنمر والعنصرية. فإلى أي مدى حقق المسلسل في نسخته الثانية المكونة من 15 حلقة، فلسفة الكوميديا؟
ابتداءً، يعيب المسلسل نفس أخطاء مسلسلات "الأجزاء"، أنها تصبح استثماراً في نجاح سابق وجاهز، وقلما تتفوق على النسخة الأولى التي اشتغلت على إطار درامي واضح يتعلق بحاجة الزوجين "حمدي" (هشام ماجد) و"ياسمين" (أسماء جلال) إلى مدبرة منزل تساعدهما على العناية بأطفالهما.
في الجزء الثاني، بدا هذا الخط خافتاً أو باهتاً، واختزلت تفاصيل كثيرة تتعلق بسياق تلك المهنة، ومن ثم تراجع حضور الممثلات اللواتي قدمن الدور.
في مقابل ذلك، سعى صنّاع العمل إلى إضفاء الحيوية والروح الكوميدية على شخصية "ياسمين" فتحولت من "مذيعة" إلى "ممثلة" هاوية تسعى للشهرة والنجومية. ربما حدث تطور إيجابي في شخصيتها، لكن الممثلة نفسها هل تملك طاقة كوميدية؟ في أغلب المشاهد ظل أداؤها فاتراً، برغم المفارقات السخية في مشاهدها، والقادرة على تفجير الضحك لو أسندت إلى ممثلة أخرى.
لذلك استمر الضحك مرهوناً بالثنائي "دكتور حمدي" ومساعده "عربي" (مصطفى غريب)، وكانا بلغة الموسيقى مثل "القرار" و"الجواب"، يلعب هشام ماجد من منطقة خافتة "تفرش الأفيه" لصالح مصطفى غريب.
ولم تعد مواقف الإضحاك مرتبطة كثيراً بشخصية مدبرة المنزل غريبة الأطوار، وإنما بطبيعة عمل الرجلين في مصلحة الطب الشرعي، لذلك كانت حلقات انتصار، وناهد سباعي، ودنيا ماهر، ورحاب الجمل، بالكاد تتاح لهن فرصة الإضحاك، بل بدا كأن "انتصار" شاركت فقط لتستكمل دورها في الموسم الأول، من دون زيادة أو نقصان.
في المصلحة
لا يعلم معظم الناس شيئاً عن مهام مصلحة الطب الشرعي والتراتب الوظيفي، وبالتالي تعتبر فضاءً درامياً غير مستهلك بالنسبة إلى المتفرج العربي، ويمكن استثمارها في مفارقات كثيرة تتعلق بفحص جثث القتلى والموتى، ومصابي الحوادث وبيئات العمل القاسية، وإثبات النسب، وتزوير الأوراق الرسمية، وفحص الأحراز، وحضور تنفيذ الإعدام.
لكن المسلسل لم يتأمل عميقاً في مهام الطب الشرعي، ولا المفارقات الساخرة ما بين الحياة والموت، وإنما لجأ إلى حبكات ثانوية هشة في اتصالها بالمهنة، مثل "اصطياد حوت نادر"، "البحث عن خازوق سليمان الحلبي"، "فحص مومياء فرعونية". ويسهل إدراك الافتعال والاستسهال في العلاقات البصرية بين المشاهد، فقد كان من الواضح -مثلاً- أن "الحوت النادر" في حوض السباحة مجرد دمية غير مقنعة، مثلما يتعارض المشهد البصري للمتحف الكبير بكل فخامته مع التصوير الداخلي الخاص بتمثيل سرقة "الخازوق"، أو السرقة الغامضة للسيارات، ومعظمها حبكات مفتعلة في علاقتها بوظيفة البطلين. وأحياناً تبدو الخطوط مبتورة، تأتي وتختفي بطريقة عشوائية، مثل قصة الأخ الذي زور توقيع والده لحرمان أخواته من الميراث.
الترندية
إجمالاً، قدّم الجزء الأول كوميديا عائلية خفيفة ومقبولة، ولا تخلو من ومضات إنسانية، لكن الجزء الثاني حاول انتزاع الضحك بمبالغات قد تفتقر إلى المعقولية، مثل شخصية "مدينة" (إسلام مبارك) التي تأكل طعام حفل زفاف بالكامل، أو صعق الأم (شيرين) في جلسات كهربائية، أو صعود "عربي" إلى الشقة بدراجة هوائية، أو إقامة "سناء" (فدوى عابد) لعلاقات جنسية مع أكثر من خمسين شخصاً، مع ادّعاء أنها " زوجة شريفة" فقط تحاول الإنجاب!
إن "الترندية" أو اشتهاء الترند وابتكاره والركوب عليه واستلهامه باتت أساسية في الدراما العربية عموماً، وهو ما استوجب ضخّ الكثير من "الأفيهات" اللفظية المفتعلة، كأن تعرّف السيدة نفسها بأنها "مدينة من نيجريا"، فيبدأ عربي بتخمين اسم مدينة! أو تحاول سناء تذكر عشاقها وهي تقول "اللهم ذكرني"، أو مشهد فحص البول في الحمام، أو تكرار لفظة "الخازوق" في جمل وإيحاءات مختلفة.
موقف أخلاقي
إذا عدنا إلى تراث نجيب الريحاني -أحد آباء الكوميديا العربية- سنجد أنه يقدّم كوميديا موقف راقية، لا تخدش الحياء، ولا تجنح للأفيه المبتذل، ولديه موقف نقدي أخلاقي من مسلمات اجتماعية فاسدة.
هنا لا يبدو المسلسل مشغولاً بالموقف الأخلاقي، قدر انشغاله بالترند، بل قد يُعاب عليه التنمر على ذوي البشرة السمراء عبر إظهار "مدينة" كسيدة أفريقية عملاقة نهمة. ربما تكون الإساءة غير مباشرة، لكنه تنمّر ضمني يكرّس نظرة نمطيّة سلبية ضد الأفارقة، وكذلك الإشارة إلى "المالديف" كبلد متحيّز لصالح المسلمين فقط.
يضاف إلى ذلك جمل وتعبيرات لا حصر لها ذات إيحاءات مبتذلة، خصوصاً في حلقة "سناء" والكلام عن عدد من نامت معهم؛ والطريف دفاع الممثلة نفسها عن الدور وأنها "شخصية حرة"، وهو تصور ساذج ومعيب جداً للحرية، لأنها تجسّد سيدة مدانة أخلاقياً، وكأنها مناضلة تبحث عن "حقوقها"! إضافة إلى حوارات متعلقة بطول مدة العلاقة ما بين سبع ساعات إلى خمس دقائق! وبعض التفاصيل الأخرى في حلقة "البواسير".
لا يعني ذلك تقييد حرية الممثلين في التعبير، وإنما مراعاة البث في الشهر الفضيل، وكذلك مراعاة أن الجمهور العربي يتعامل مع الكوميديا عموماً بوصفها "فرجة عائلية"، فلو أراد صُنّاعه الاستثمار في هذا الخط، فيجب وضع تصنيف صارم للمشاهدة، كما هو معمول به في دول العالم.
ولدينا مثل آخر يتمثل بسلسلة "الكبير آوي" التي تقدّم كوميديا لا تصل إلى هذا المستوى من التلميحات والإيحاءات.
ومن يدقّق في بناء الحلقات عموماً سيشعر بأنّ فريق العمل استسهل "الأفيهات" و"التلميحات"، وحاول عن طريقها أن يلملم أجزاء كل حلقة بصعوبة.
لا تعني هذه الملاحظات أن المسلسل لم ينجح، لكن القصد أنه كان بالإمكان استثمار الطاقات المميزة لطاقم التمثيل، والإطار الدرامي بفضائه المميز، في إنتاج حلقات كوميدية أكثر رقياً، وإحكاماً، وتجنّب الوقوع في فخ الترند.
والكوميديا قبل أي شيء رؤية مرحة للوجود ضد الكآبة والقتل وضد الكراهية والتنمر والعنصرية. فإلى أي مدى حقق المسلسل في نسخته الثانية المكونة من 15 حلقة، فلسفة الكوميديا؟
ابتداءً، يعيب المسلسل نفس أخطاء مسلسلات "الأجزاء"، أنها تصبح استثماراً في نجاح سابق وجاهز، وقلما تتفوق على النسخة الأولى التي اشتغلت على إطار درامي واضح يتعلق بحاجة الزوجين "حمدي" (هشام ماجد) و"ياسمين" (أسماء جلال) إلى مدبرة منزل تساعدهما على العناية بأطفالهما.
في الجزء الثاني، بدا هذا الخط خافتاً أو باهتاً، واختزلت تفاصيل كثيرة تتعلق بسياق تلك المهنة، ومن ثم تراجع حضور الممثلات اللواتي قدمن الدور.
في مقابل ذلك، سعى صنّاع العمل إلى إضفاء الحيوية والروح الكوميدية على شخصية "ياسمين" فتحولت من "مذيعة" إلى "ممثلة" هاوية تسعى للشهرة والنجومية. ربما حدث تطور إيجابي في شخصيتها، لكن الممثلة نفسها هل تملك طاقة كوميدية؟ في أغلب المشاهد ظل أداؤها فاتراً، برغم المفارقات السخية في مشاهدها، والقادرة على تفجير الضحك لو أسندت إلى ممثلة أخرى.
لذلك استمر الضحك مرهوناً بالثنائي "دكتور حمدي" ومساعده "عربي" (مصطفى غريب)، وكانا بلغة الموسيقى مثل "القرار" و"الجواب"، يلعب هشام ماجد من منطقة خافتة "تفرش الأفيه" لصالح مصطفى غريب.
ولم تعد مواقف الإضحاك مرتبطة كثيراً بشخصية مدبرة المنزل غريبة الأطوار، وإنما بطبيعة عمل الرجلين في مصلحة الطب الشرعي، لذلك كانت حلقات انتصار، وناهد سباعي، ودنيا ماهر، ورحاب الجمل، بالكاد تتاح لهن فرصة الإضحاك، بل بدا كأن "انتصار" شاركت فقط لتستكمل دورها في الموسم الأول، من دون زيادة أو نقصان.
في المصلحة
لا يعلم معظم الناس شيئاً عن مهام مصلحة الطب الشرعي والتراتب الوظيفي، وبالتالي تعتبر فضاءً درامياً غير مستهلك بالنسبة إلى المتفرج العربي، ويمكن استثمارها في مفارقات كثيرة تتعلق بفحص جثث القتلى والموتى، ومصابي الحوادث وبيئات العمل القاسية، وإثبات النسب، وتزوير الأوراق الرسمية، وفحص الأحراز، وحضور تنفيذ الإعدام.
لكن المسلسل لم يتأمل عميقاً في مهام الطب الشرعي، ولا المفارقات الساخرة ما بين الحياة والموت، وإنما لجأ إلى حبكات ثانوية هشة في اتصالها بالمهنة، مثل "اصطياد حوت نادر"، "البحث عن خازوق سليمان الحلبي"، "فحص مومياء فرعونية". ويسهل إدراك الافتعال والاستسهال في العلاقات البصرية بين المشاهد، فقد كان من الواضح -مثلاً- أن "الحوت النادر" في حوض السباحة مجرد دمية غير مقنعة، مثلما يتعارض المشهد البصري للمتحف الكبير بكل فخامته مع التصوير الداخلي الخاص بتمثيل سرقة "الخازوق"، أو السرقة الغامضة للسيارات، ومعظمها حبكات مفتعلة في علاقتها بوظيفة البطلين. وأحياناً تبدو الخطوط مبتورة، تأتي وتختفي بطريقة عشوائية، مثل قصة الأخ الذي زور توقيع والده لحرمان أخواته من الميراث.
الترندية
إجمالاً، قدّم الجزء الأول كوميديا عائلية خفيفة ومقبولة، ولا تخلو من ومضات إنسانية، لكن الجزء الثاني حاول انتزاع الضحك بمبالغات قد تفتقر إلى المعقولية، مثل شخصية "مدينة" (إسلام مبارك) التي تأكل طعام حفل زفاف بالكامل، أو صعق الأم (شيرين) في جلسات كهربائية، أو صعود "عربي" إلى الشقة بدراجة هوائية، أو إقامة "سناء" (فدوى عابد) لعلاقات جنسية مع أكثر من خمسين شخصاً، مع ادّعاء أنها " زوجة شريفة" فقط تحاول الإنجاب!
إن "الترندية" أو اشتهاء الترند وابتكاره والركوب عليه واستلهامه باتت أساسية في الدراما العربية عموماً، وهو ما استوجب ضخّ الكثير من "الأفيهات" اللفظية المفتعلة، كأن تعرّف السيدة نفسها بأنها "مدينة من نيجريا"، فيبدأ عربي بتخمين اسم مدينة! أو تحاول سناء تذكر عشاقها وهي تقول "اللهم ذكرني"، أو مشهد فحص البول في الحمام، أو تكرار لفظة "الخازوق" في جمل وإيحاءات مختلفة.
موقف أخلاقي
إذا عدنا إلى تراث نجيب الريحاني -أحد آباء الكوميديا العربية- سنجد أنه يقدّم كوميديا موقف راقية، لا تخدش الحياء، ولا تجنح للأفيه المبتذل، ولديه موقف نقدي أخلاقي من مسلمات اجتماعية فاسدة.
هنا لا يبدو المسلسل مشغولاً بالموقف الأخلاقي، قدر انشغاله بالترند، بل قد يُعاب عليه التنمر على ذوي البشرة السمراء عبر إظهار "مدينة" كسيدة أفريقية عملاقة نهمة. ربما تكون الإساءة غير مباشرة، لكنه تنمّر ضمني يكرّس نظرة نمطيّة سلبية ضد الأفارقة، وكذلك الإشارة إلى "المالديف" كبلد متحيّز لصالح المسلمين فقط.
يضاف إلى ذلك جمل وتعبيرات لا حصر لها ذات إيحاءات مبتذلة، خصوصاً في حلقة "سناء" والكلام عن عدد من نامت معهم؛ والطريف دفاع الممثلة نفسها عن الدور وأنها "شخصية حرة"، وهو تصور ساذج ومعيب جداً للحرية، لأنها تجسّد سيدة مدانة أخلاقياً، وكأنها مناضلة تبحث عن "حقوقها"! إضافة إلى حوارات متعلقة بطول مدة العلاقة ما بين سبع ساعات إلى خمس دقائق! وبعض التفاصيل الأخرى في حلقة "البواسير".
لا يعني ذلك تقييد حرية الممثلين في التعبير، وإنما مراعاة البث في الشهر الفضيل، وكذلك مراعاة أن الجمهور العربي يتعامل مع الكوميديا عموماً بوصفها "فرجة عائلية"، فلو أراد صُنّاعه الاستثمار في هذا الخط، فيجب وضع تصنيف صارم للمشاهدة، كما هو معمول به في دول العالم.
ولدينا مثل آخر يتمثل بسلسلة "الكبير آوي" التي تقدّم كوميديا لا تصل إلى هذا المستوى من التلميحات والإيحاءات.
ومن يدقّق في بناء الحلقات عموماً سيشعر بأنّ فريق العمل استسهل "الأفيهات" و"التلميحات"، وحاول عن طريقها أن يلملم أجزاء كل حلقة بصعوبة.
لا تعني هذه الملاحظات أن المسلسل لم ينجح، لكن القصد أنه كان بالإمكان استثمار الطاقات المميزة لطاقم التمثيل، والإطار الدرامي بفضائه المميز، في إنتاج حلقات كوميدية أكثر رقياً، وإحكاماً، وتجنّب الوقوع في فخ الترند.
العلامات الدالة
الأكثر قراءة
العالم العربي
9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
تحقيقات
9/30/2025 4:06:00 PM
تقول سيدة فلسطينية في شهادتها: "كان عليّ مجاراته لأنني كنت خائفة"... قبل أن يُجبرها على ممارسة الجنس!
ثقافة
9/28/2025 10:01:00 PM
"كانت امرأة مذهلة وصديقة نادرة وذات أهمّية كبيرة في حياتي"
اقتصاد وأعمال
9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟