"الإمارات بأعين عربية" لسلطان سعود القاسمي وعبدالخالق عبدالله
 
                                    د. مريم الهاشمي* 
العنوان يأخذ المتلقي مباشرة مستحضرا قول الله تعالى: "ولتصنع على عيني" أي تحت رعايتي وحفظي وكرامتي. وتقول العرب في الإكرام والحفظ: أنت على عيني. وقيل:  "ألا إنما العينان للقلب رائد ... فما تألف العينان فالقلب آلف". 
المؤلّف عبارة عن توثيق يُضَم إلى كل المؤلفات التي صدرت عن  دولة الإمارات، لتدل على توثيق من الآخر الذي أصبح جزءاً من هذه الأرض، بل إن بعض الأدباء ممن استقروا على هذه الأرض ظهّروا أثر المنطقة - بعاداتها وتاريخها وقهوتها وأغنيتها وسمائها وسماحة أهلها ورقي الأخلاق فيها وجمال تمايز كل إمارة فيها -  في كتاباتهم الأدبية، بل وولدت مشاريع ثقافية بجهودهم، كبيتٍ للفسلفة، وتأسيس جوائز ثقافية كان لهم قصب السبق في تأسيسها، وحضورهم ضمن لجان معرفية وثقافية مع مؤسسات ثقافية وأكاديمية في مختلف مؤسسات الدولة، ومنهم: الدكتور أحمد برقاوي  وتأسيسه بيتا للفلسفة، والدكتور رضوان السيد وتأسيس قسم للدراسات العليا في جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، والكاتب ناصر عراق ومؤلفاته الأدبية وأدواره ضمن أنشطة ومبادرات وجوائز لندوة الثقافة والعلوم، والدكتورة لجين البيطار ومؤلفاتها، وكذلك الدكتورة نجاة السعيد،  والدكتور مؤيد الشيباني ودوره الفاعل في توثيق التراث الإماراتي وتحديدا القصيدة الإماراتية الشعبية والقصيدة الغنائية، وتأسيسه بعض الجوائز المحلية ومشاركاته في برامج الإذاعة،  والدكتور عمر عبدالعزيز، وغيرهم ممن لم يُذكروا في المؤلّف من أصحاب الخبرة والفكر والعلوم، ولا يمكن أن يأتي كل الإبداع من الإخوة والأخوات على هذ الأرض إلا إن كان هناك عطاء وحب وحرية مع المكان المضيف. 
كتاب "الإمارات بأعين عربية" في 380 صفحة، بعد العنوان وجمالية رمزيته، تأخذك موضوعاته التي اعتمدت على وصف العلاقة مع الإمارات، لتوضح مفهوما جلياً هو الانتماء: 
ابنة الإمارات 
عيشٌ
سعادتي 
كوكبة من المبدعين 
دع السفن تمر 
نبضات 
هي الطموح يا عربيّ
 أنا وهي 
 إلى الاستقرار 
الأنموذج 
الذكرى 
بيتي 
بلدي 
يوتوبيا ... 
إذا هو الانتماء، ذلك  المكوّن الفطري الذي يؤكد البحث الحثيث عن أسرة وجماعة ووطن، وحاجة إنسانية في محاولة واعية وأحيانا غير واعية لتطور الخبرات والترقي. والانتماء مكوّن له أبعاد يكتمل بها بالانخراط والشعور بالهوية، والسلامة النفسية وتلبية الحاجات والمشاركة الإيجابية، والتعاون والمثابرة، وكل ما يعطي الفرد مكانة وهيئة تدعم وجوده، وتؤكد حضور ذاته. 
المؤلّف يحمل موضوعاً أعمق، وعلاقة إنسانية راسخة مع المكان، وهي فلسفة المدينة التي وقف عليها الفلاسفة، بظهور المدينة التي كانت حدثاً حاسماً في التاريخ الإنساني منذ ظهور المدينة (بولس) في التاريخ اليوناني بين القرنين الثامن والسابع. وإن النتائج التي يبحث عنها الإنسان في النظام المدني ما زالت طور بحثه مع المدّ الزمني والإنساني والعلمي والفكري والصناعي، والمدنية مرتبطة الارتباط الوثيق بالمكان. فلا يمكن تصور المكان تصورا تجريبيا تم استخلاصه من تجارب خارجية، وليس المكان خاصية الأشياء في ذاتها ولا علاقة الأشياء في ما بينها وحسب، كما لا يمكن أن نتحدث عن المكان، ذلك الكائن الممتد، إلا من وجهة نظر الإنسان. وإن وجهة نظر الإنسان كانت متميزة في "الإمارات بأعين عربية" بحضور سمة عامة هي سمة الفكر والوعي. وإن الأفكار والتمثلات والوعي لا تُنتج إلا ولها صلة وثيقة بالنشاط والتبادل المادي للبشر، وبلغة الحياة الحقيقية، فتمثلات الناس وتبادلهم الفكري يظهر كتجلّ مباشر لسلوكهم المادي، والأمر مماثل لذلك في ما يتعلق بالنتاج الفكري كما يتجلى في المظاهر الوطنية الأخرى كلغة القانون والأخلاق والتسامح الديني ولغة السياسة، وكل من ينتمي إلى الأرض الواحدة، ولا يمكن الوعي أن يكون شيئا آخر غير الوجود الواعي، والوجود الواعي هو مجرى الحياة الواقعية. 
ويوصف المكان في النصوص من خلال بصيرة الكاتب، فهو بمثابة مكان يصممه الكاتب بجميع أجزائه، فنرى الاختلاف في الموقف عند تناول تفصيلات الواقع الجزئية الصغيرة. فما من كاتب حقيقي لا يُعنى بتكثيف هذه الجزيئات أواستخدامها في قراءاته، ولذا نجد في "الإمارات بأعين عربية" تفصيلات مختلفة حول النظرة إلى المكان وجزيئاته، لتتنوع بين المكان الاستقرار، والمكان الطموح، والمكان الهوية وتكوين الذات والاندماج وغيرها وفق وعي الكاتب تجاه تفصيلات المكان. وجاء الوصف الذي قام بتشكيل الرؤية الذهنية لدى المتلقي لكونه العنصر الأول في توضيح المعنى، ما ساعد على تكوين علاقة حميمة بين المتلقي والمكان (الذي هو النص). المكان يمثل محورا فاعلا من المحاور التي تدور حولها نظرية الأدب، وأصبح تضافر العناصر المكانية يشكل بعدا من أبعاد النص، بكل أنواعه.
وكما ارتبط المكان بالأسطورة والخيال بالواقع والحقيقة، في "الإمارات بأعين عربية" نجد بعض التداخل في الصورة التخييلية التي كانت لدى البعض حول المكان، ومن ثم الصورة الواقعية التي تم تشكيلها وقت الاندماج الحقيقي والواقعي مع المكان الجديد، وهو دولة الإمارات، ولذا نجد الوصف له أهمية أخرى وهي في احتواء الأفكار، ومثال ذلك:
في  عين الدكتور أحمد برقاوي ووسمه العنوان بـ"أنا ودولة الإمارات"، إلى جانب أنسنة المكان كان الوصف: "كان لاختيار الإمارات أنا وعائلتي مكان للأمان والحياة". يأتي ذلك بعد الرحلة من المكان الأول والذي كان محفوفا بالخطر، حتى وصل إلى المكان الجديد، والكتاب حين يلجأ إلى  الوصف فإنه يقف على أهم ما جذبه في المكان ولامسه في ذاته، ثم يبرزه ليكون نقطة ارتكاز ينطلق منها في وصفه بمقدار ما يكفي لبيان الصورة، فيقول: 
"إن النخبة الثقافية هي روح المجتمع، هي التي تنتج عقل المجتمع وتصنع تاريخ وعيهِ الجمالي والفكري والمعرفي، فمن ذا الذي يتخيل مجتمعا بلا نخبة كهذه؟" وكذلك في وصفه: 
" جئت إلى الإمارات وأنا متخم بما كان عليّ أن أقوله ولم أستطع قوله، وما إن استقر بي الحال حتى عشت حالة من انفجار القلم.  كان القلم حرا بلا قيد، والكتابة تكره الأسوار".    
 "رحت أتجاوز اغترابي في العمل بنشاطي الثقافي – الفكري الفلسفي ... وأمارس محاضراتي لممارسة نشاطي الفلسفي". 
وفي موضع آخر: "أعيش تجربة الانتماء إلى المكان وكنت أحسب أنني لن أستطيع التلاؤم في أي مكان غير دمشق". 
 "أخرج من دبي وأعود إليها مطمئنا، إن هذا الشعور بالأمان يمنح الإنسان حباً للمكان وانتماء".  
إن الوصف المرتبط بالمكان ونقل المشاهد المباشرة يعتمد على التصوير الواضح القريب من الأذهان، فلا نجد ميلا إلى الوصف المعقد الذي يرهق ذهن المتلقي. فالوصف الخفيف والذي يبعد عن طواحين الرتابة والملل هو وصف قريب من طبيعة الإنسان وطموحاته وآماله وذاتيته، إلا أن  اللجوء أحيانا إلى الوصف الأكثر عمقا يكون بلغة فلسفية أو أكاديمية، في محاولة لإعطاء الموصوف حقه. ويقول الدكتور عمر عبدالعزيز في وصفه: 
"في أول زيارة لي لدولة الإمارات شعرت بأنني لم أفارق مدينة أحلامي ومراياي البلورية، عدن،   فقد لمست عن كثب معنى تعالق اليابسة مع البحار وانفتاحهما المشهدي الروحي على البعد الثالث للطبيعة الحالمة". 
ويقول في ارتباطه بالمكان والإنسان: "تداعيت تباعا مع ملحمة أفقية رأسية للعطاء والتفاعل، ناظرا دوما إلى مرئيات صاحب المآثر والمناقب الثقافية، صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي". فالتحول المكاني هو تحول ذاتي كذلك، ويظهر انعكاسه في التوظيف اللغوي ووصف الجزيئات وتحميلها قيمة دلالية في سبيل ترسيخ فكرة جوهرية هي علاقة الإنسان بالمكان. 
ويقول واصفا: "كان انطباعي يومئذ أن الإمارات محروسة من الخالق، لأنها مقيمة في الحكمة التي تعقد مصالحة استراتيجية بين الأحلام الألفية والحوكمة الدولتية الناعمة والتطلع المتواصل إلى المستقبل". 
إن تعبيرية المكان في "الإمارات بأعين عربية" هو تعبير تحول من صفته المادية إلى مفهوم روح المكان وذاكرته، من طريق تفاعل الأقلام العربية بين سياسات التذكر أو الذاكرة التاريخية أو الذاكرة المرتبطة بالأحداث. فكل ذاكرة هي إحياء للمكان وذاكرة تواصلية تعتمد على التفاعل الاجتماعي والثقافي في الحياة اليومية، والمكان هو علاقة الإنسان بالأرض، وبالحياة.
*كاتبة وأستاذة جامعية في الإمارات
 
     
                                                                             
                                                                             
                                                                             
                                                                             
                                                                             
                                                                             نبض
                                                                        نبض
                                                                     
                                                 
                                                 
                                                 
                                                 
                                                 
                                                 
                                                 
                                                