في الذكرى المئوية لميلاده... هل كان شكري سرحان فعلاً أفضل ممثل في القرن العشرين؟

مرت بلا ضجيج الذكرى المئوية لميلاد شكري سرحان (آذار 1925 ـ آذار 1997) رغم أنه اختير "أفضل ممثل مصري" في القرن العشرين بناء على استفتاء أفضل مئة فيلم مصري، منها 11 من بطولته؛ وبالمنطق نفسه اختيرت فاتن حمامة "أفضل ممثلة". ولعل ما يعيب القائمة، وما ترتب عليها، إظهارها كوثيقة تحظى بالإجماع، رغم أن من السهل كشف تحيّزاتها واعتمادها على عنصر إحصائي وحيد، وتجاهل عناصر مهمة مثل تحول الفنان نفسه إلى "ظاهرة" كما حدث مع الريحاني وعادل إمام، أو براعة الوقوف على خشبة المسرح، وليس فقط الاقتصار على السينما، كما في حالة سرحان وفاتن.
إعجاب المخرجين
لا شكّ في أنه نال فرصه بفضل إعجاب المخرجين الكبار به مثل صلاح أبو سيف ويوسف شاهين وكمال الشيخ، فأصوله الريفية (محافظة الشرقية) جعلته بطلًا لأفلام مهمّة مثل: "ابن النيل" (1951)، "ردّ قلبي" (1957) في دور ابن الجنايني الذي أصبح ضابطًا، و"شباب امرأة" (1956) عن طالب ريفي يقيم علاقة آثمة مع امرأة بسنّ والدته، و"الزوجة الثانية" (1967) في دور الزوج المغلوب على أمره، و"النداهة" (1975) بشخصية بواب ريفيّ يحضر زوجته الجميلة إلى القاهرة، و"عودة الابن الضال" (1976).
كذلك ساعدته وسامته غير المبالغ في تقديرها على لعب أدوار ابن الحارة الشعبية، أو رجل المدينة العادي، كما في "درب المهابيل" (1955)، "وامرأة في الطريق" (1958)، و"إحنا التلامذة" (1959)، وهو فيلم شبابي يعتمد على وسامة أبطاله شكري سرحان وعمر الشريف ويوسف فخر الدين، رغم أنهم كانوا في مرحلة عمرية لا تصلح لتجسيد أدوار طلاب جامعة، ثم "اللص والكلاب" (1962) في دور سعيد مهران، و"البوسطجي" و"قنديل أم هاشم" (1968)، وآخر أفلامه المهمة "ليلة القبض على فاطمة" (1984).
معظم هذه الأفلام مذكور في القائمة، ويميزها أنها لمخرجين كبار آمنوا بموهبته، خصوصًا أنه ممثل مطيع ولا يعيش دور النجومية، إضافة إلى أن ملامحه وشخصيته تعبّران عن مزاج عصره، أي أنه كان وجهاً يؤدّي المطلوب، وجسّد "كراكترات" متنوّعة، وبحكم أنه من أوائل دفعات المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1947، كان قادراً على أن يوفر لكل شخصية أساسياتها الضرورية. ربما لا نستشعر أنه يقدّم أداء مبهراً، أو يحترق من الداخل، أو تبدو ظلال شخصيته حاضرة، لكن هذا لا ينفي أنه يقدّم "الجودة" التي يريدها كلّ مخرج. وقد ساهم في جودة تلك الأفلام وشهرتها أن معظمها مقتبسة من نصوص أدبية لكبار الكتاب.
تعبيرات محدودة
قبل أسابيع قليلة، أثيرت ضجة كبيرة على إثر تصريح للممثل الكوميدي أحمد فتحي بأن "نجومية الفنان الراحل كانت أكبر من حجم موهبته". اعتبرت أسرة سرحان الكلام إهانة غير مقبولة، واضطر نقيب الممثلين أشرف زكي إلى تقديم اعتذار.
وانضم المخرج يسري نصر الله إلى السجال فقال إنه لم يقتنع بسرحان إلا في فيلم يوسف شاهين "عودة الابن الضال" لأن "تعبيراته محدودة".
لكن كلام نصر الله ربما ينطبق أيضا على فاتن حمامة، لأن كليهما اشتغلا في منطقة آمنة نسبياً، وكأنهما يؤديان مختلف الشخصيات، بأقلّ قدر من الانفعال والتلوين. ولعلّ ذلك يرتبط بطبيعتهما النفسية، وكان انشغالهما بالصورة الأيقونية لدى جمهور يقيم وزناً كبيراً للقيم والعادات؛ لذلك يندر جداً أن تلعب فاتن دور عاهرة أو راقصة في الملاهي، والأمر نفسه يصدق على سرحان.
وكان الاثنان هما الأكثر تمثيلًا لأفكار ثورة تموز/يوليو، مع الاحتفاظ بحسّ محافظ لإرضاء أغلبية الجمهور المصري والعربي. فالمحدودية التي يشير إليها نصر الله ليست رهناً بخلجات الوجه بقدر ما هي ابنة قناعة أخلاقية واجتماعية لدى الاثنين.
مرحلة التدين
مع تقدّمه بالسنّ واكتسابه الشعر الفضي، فشل سرحان في ما نجحت فيه فاتن حمامة، لأنه لم يحافظ على النجومية، بل تراجعت أسهمه كثيراً، فاقتصر نشاطه على أعمال دينية ومسلسلات وأفلام بلا أثر.
وفي أعوامه الأخيرة اعتزل وانغمس في تجربة التدين كتطور طبيعي للشاب الريفي، فالنزوع إلى التديّن كان حاضراً ـ بطريقة ما ـ طوال مسيرته، فهو ـ مع فاتن حمامة أيضاً ـ من أوائل الممثلين الذين ارتبطوا بالتحفظ من القبلات في الأفلام.
وبعد أن فضّل الملاكم السابق أن يخلع قفازه ويحترف التمثيل منذ عام 1949، اختار الممثل في سنواته الأخيرة أن يخلع كل أقنعته، ويعكتف لتلاوة القرآن الكريم، كأن ما قدمه على الشاشة ـ أكثر من مئة فيلم ـ كان "طيش شباب" يستوجب التوبة والاستغفار.