
الغلاف.
وضعت مها بيرقدار الخال ضمير المتكلّم ضمن اللّعبة السرديّة، ومنحت القارئ القدرة على الركض في مسارات الفكر وشعاب الألم في كتابها "حكايا العراء المرعب".
الذي يقرأ الكتاب، تستهويه الكتابة التي تجعله حائراً بين الحدث والتقنيّة الأدبيّة. لأنّ بيرقدار، سارت في منحى فرضته قضايا الإنسانيّة والالتزام بالأدب. فالكتاب سرد لقصّة ذاتيّة شخصيّة، ومولّف أدبيّ ثقافيّ.
كتبت صاحبة الكتاب سيرة الصمت، والبكاء الصامت، واليأس، والاحتجاج المؤجّل، وجعلت للموت قصصاً من الحياة. فسجنت القارئ بين الصفحات ليقينها أنّ الكتابة والقراءة منبعهما الحرّيّة.
يستبان لكلّ قارئ بالكتاب، أنّ جلد الذات هو من صميم هلوسات الكتابة. فالكاتبة لم تخشَ مساءلة نفسها عمّا قدّمت لقرّائها، ولم يخامرها شكّ أو حيرة إزاء كلّ نصٍ كتبته، لأنّ كتابة السيرة الذاتيّة، تحتاج إلى الحقيقة والحرّيّة الكتابيّة والإقدام، خلافاً للرواية التي تحتاج إلى الخيال، فكان كتابها مرآة حياتها.
الذات الساردة الموهوبة شعراً ورسماً، تطابقت ضمن الكتاب مع الذات المسرودة التي عاشت الألم والحبّ والواجب والحزن، وكان هذا التطابق تلقائيّاً، ولم يكن عن سابق قصد، فالكاتبة لم تنتقِ أحداثاً دون غيرها كي لا تخون ذاكرتها وحقيقة عاشتها. فالاعترافات والحكايات التي وردت دليل على الإخلاص في كتابة السيرة النقيّة. ولم تكن الذات الساردة تخيليّة لأنّها اندمجت كليّاً مع الذات المسرودة خدمة للحقيقة. فاندمج الشعر مع موهبة الرسم، بالخيال الخصب الذي منح الذاكرة العودة إلى أدق التفاصيل.
أن تحبّ حياة وتعيشها على الرغم من مآسيها، فذلك وازع خارج من الكينونة الذاتيّة التي لا تكذب، ولا تخون. فقد دمجت بيرقدار بين مسؤوليّة الواجب التي هي أثقل من الجبال، ونفحة الحبّ الذي هو أخف من قطرة ندى. فالتزمت بحياتها مع زوجها الذي أحبّت شخصيته وشعره وحضوره، لكن روحها لم تهتف لروحه. فواجبها لعائلتها وإخلاصها له، جعلاها متفانية في حياتها، كتفانيها لإبداعها في فنون الرسم، والشعر، والعمل الإذاعي والصحافي. فلم تبتعد عن بعلها الذي ارتبطت معه بسرّ الزواج، ولم تختبئ خلف حجبٍ، كي تهرب من قرار اتّخذته بزواجها به. فهل خطيئتها أنّها قامت دائماً بخدمة زوجها بدافع واجب صادر عن العقل والمنطق وليس بدافع الحبّ؟ وقد تجلّى تفانيها بإخلاصها له في أواخر حياته بقوله: "أنت لازم تنتحري... لأنك منيحة كتير، واللي متلك ما بيتكرر"... "وجلست أحدّق فيه لأفك لغز طلبه لي بأن أنتحر... تراه خائف عليّ أم خائفٌ مني؟!" (صفحة 202).
وبما أنّ قلبها كان رقيبها، فقد أصغت له وباحت لصفحات الكتاب بحبّ ذاك الوسيم التي أحبّته، قبل أن تتعرّف على زوجها الشاعر يوسف الخال. لكنّها لم تنسَه، ولم تحد يوماً عن شعورها تجاهه. وقد ظهر ذلك خلال السرد وفي أواخره : "...لكنّي في كثير من المرّات كنت أجنح إلى حبّي الوحيد وأميري الحبيب، الأوّل الذي كنت أتخيّل أنّه كبر في السن، أو أنّه سمن، أو فقد شعره. لكن كلّ هذا لا يلغي أنّه بالنسبة إليّ الحبيب الأوحد والأوسم والمختلف عن كلّ الكائنات!" (صفحة 184).
مها بيرقدار الخال، لم تختر عنوان سيرتها الذاتيّة، بل تلك السيرة هي التي عنونت الكتاب. فجميع حكاياها أتت مقسّمة على فصول، وفي أوائل هذه الفصول عناوين كبيرة المعنى، كعنوان الكتاب. ويحتار القارئ، أي قصة أعطت الكتاب عنوانه. فنقع مثلاً في الصفحة 135 على عنوان "الإصابة المميتة"، وذاك الفصل يتكلّم عن إصابة الكاتبة بالإنفجار الذي أودّى بحياة الطفلة مايا ابنة الشيخ بشير الجميّل. فالألم والحزن والموت والمعاناة كانت في معظم الحكايات رداء "العراء المرعب".
القراءة لأثر بقلم نسائي، تجعلنا نبحث في عمق الصورة من زاوية نظر إنسانيّة. فقد وازنت مها بيرقدار الخال بين ما عاشته وخاصة حنانها لولديها المشهورين ورد ويوسف، وبين الذي قدّمته للقارئ. فبدت مثالاً للمرأة الحنونة، المضحّية، المتعلمة، والمثقّفة التي كتبت بمشاعر أليمة عاشتها بين كينونتها الخاصّة ورسالتها.
الأكثر قراءة
كتاب النهار
10/15/2025 4:35:00 PM
إن كانت المشكلة قائمة فعلاً، فليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وكان يجدر بالوزيرين المعنيين معاً، أن يبادرا إلى درس التداعيات قبل اتخاذ قرار مماثل يمكن وصفه بـ"العشوائي"...
لبنان
10/16/2025 9:40:00 PM
أكثر من 13 غارة إسرائيلية استهدفت جنوبي لبنان مساء اليوم...
سياسة
10/15/2025 10:23:00 PM
طارق متري يستنكر تسريب جوازات السفر الخاصة بالوفد السوري الذي زار لبنان أخيراً، واصفاً هذا التصرف بأنه غير مقبول.
سياسة
10/16/2025 12:22:00 PM
وزير الداخلية من برجا: ملتزمون بسط سلطة الدولة وإجراء الانتخابات في موعدها الدستوري