مسلسل "قيصر": بين توثيق الحقيقة واستغلال المعاناة!

ثقافة 05-03-2025 | 16:00

مسلسل "قيصر": بين توثيق الحقيقة واستغلال المعاناة!

انطلاق تصوير "قيصر" في دمشق... "أداة للتوثيق" أم"وسيلة ترفيهية؟
مسلسل "قيصر": بين توثيق الحقيقة واستغلال المعاناة!
الضابط السوري المنشق فريد المذهان، المعروف بـ"قيصر".
Smaller Bigger

أثار الإعلان أخيراً عن مسلسل "قيصر" جدلاً واسعاً في الأوساط السورية والعربية، إذ يتناول قصة ضابط الصفّ السوري المنشق فريد المذهان، الذي كان يعمل مصوّراً في الشرطة العسكرية السورية، والمعروف بالاسم المستعار "قيصر"، والذي سرّب آلاف الصور لضحايا التعذيب في سجون النظام السوري. وبينما يرى البعض أن المسلسل يسلّط الضوء على انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، يرى آخرون أنه استغلال غير لائق لمعاناة الضحايا.

انطلق قبل أيام في دمشق تصوير "قيصر"، وهو دراما اجتماعية تستعرض مجموعة من القضايا المستوحاة من حقبة النظام السابق. كان من المقرر أن يتألف العمل من 30 حلقة تُعرض على شكل ثلاثيات. وشارك في تأليفه نخبة من الكتاب، بينهم نجيب نصير، عدنان عودة، وزهير الملا. أما الإخراج، فقد تولاه صفوان مصطفى نعمو، تحت الإشراف الفني للمنتج يامن ست البنين.


"أداة للتوثيق" أم "وسيلة للترفيه؟

يتجلى الجدل حول مسلسل "قيصر" في إشكالية أساسية: أين يجب رسم الخط الفاصل بين الفن كـ"أداة للتوثيق" والفن كـ"وسيلة ترفيهية"؟ هذه القضية ليست جديدة، فقد واجهت أعمال درامية سابقة إشكالات مشابهة، مثل الأفلام والمسلسلات التي تناولت جرائم الحرب العالمية الثانية أو أحداث الإبادة الجماعية. الجانب المؤيد لإنتاج المسلسل يرى أن الدراما يمكن أن تكون أداة فعالة لنقل الحقيقة إلى جمهور أوسع، وإبقاء القضية حية في الذاكرة الجمعية.

قد تساعد الأعمال الفنية في ممارسة الضغط على الجهات المسؤولة لمحاسبة مرتكبي الجرائم. أما المعارضون، فيرون أن تحويل المعاناة الحقيقية إلى مادة درامية قد يكون عملاً غير لائق، خاصة إذا لم يُراعَ رأي الضحايا أو أهاليهم. وهي -الأعمال الدرامية- بحكم طبيعتها قد تلجأ إلى إضافة عناصر خيالية أو درامية بهدف التشويق، مما يؤدي إلى تحريف الحقيقة. لذا، فإن السؤال الأساسي هو: كيف يمكن للفن أن يكون أداة توثيق من دون أن يتحول إلى استغلال؟ وهل يمكن تقديم قصة "قيصر" في عمل دراميّ يحترم مشاعر الضحايا وأسرهم، من دون أن يقع في فخ الإثارة التجارية؟

لا يمكن النظر إلى مسلسل "قيصر" بمعزل عن السياق السوري العام. فقد كشفت الصور، التي سرّبها فريد المذهان، عن حجم المأساة التي عاشها المعتقلون في السجون السورية، وأصبحت دليلاً معتمداً في قضايا حقوق الإنسان ضد النظام السوري. من ناحية أخرى، فإن تسليط الضوء على هذه الأحداث في عمل درامي يفتح باب النقاش حول كيفية توثيق الجرائم الكبرى. فبينما تعدّ الدراما وسيلة قوية للتوعية، فإنها قد تفقد صدقيتها إذا لم تراعِ الدقة أو إذا استخدمت بطريقة غير مناسبة.

 

لهذا، تبقى قضية تحويل قصص الانتهاكات إلى أعمال درامية مسألة حساسة، تستدعي التفكير في معايير أخلاقية تضمن احترام الضحايا وعدم التلاعب بوقائع التاريخ.

 

من هو "قيصر"؟

"قيصر" هو الاسم المستعار لفريد المذهان، الذي عمل مصوراً في الشرطة العسكرية السورية، والذي كلّف بتوثيق جثث المعتقلين الذين لقوا حتفهم تحت التعذيب بين عامي 2011 و2013. استطاع تهريب 55,000 صورة توثق هذه الانتهاكات، مما شكّل صدمة عالمية عند نشرها، وساهم في فرض عقوبات دولية على النظام السوري، كانت أبرزها تلك المفروضة بمقتضى "قانون قيصر".

 

من الناحية الحقوقية، شكّلت هذه الصور دليلاً دامغاً على ممارسات غير إنسانية، وأصبحت جزءاً من محاولات محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم. لكن تحويل هذه القصة، من الناحية الفنية، إلى مسلسل درامي يثير تساؤلات حول كيفية التناول، وحول مدى مراعاة حقوق الضحايا وأسرهم.

وفي تطور لافت، ظهر فريد المذهان علناً، بعد سنوات من إخفاء هويته، ليعلن رفضه التام لإنتاج المسلسل. وأكّد أنه لم يمنح أيّ موافقة لاستخدام قصته في عمل درامي، معبّراً عن خشيته من أن يؤدّي التناول غير الدقيق إلى "تحريف الوقائع أو إلحاق ضرر بأسر الضحايا". تصريحاته تسلّط الضوء على إشكالية أخلاقية في تناول المآسي الحقيقية في الدراما؛ فبينما يعتبر البعض أن الفنّ أداة فعّالة لفضح الجرائم وتعزيز الوعي، يرى آخرون أنه قد يصبح وسيلة لاستغلال الأحداث لصالح الإنتاج التجاري من دون مراعاة لمشاعر المتضرّرين.

 

"لإيقاف تصوير العمل"

انتشرت انتقادات واسعة عند الإعلان عن مسلسل "قيصر"، إذ رأى كثيرون أن العمل قد يُسيء إلى الضحايا عبر تحويل قصتهم إلى مادة ترفيهية. في المقابل، رأى البعض الآخر أن تسليط الضوء على هذه القضايا من خلال الدراما قد يساعد على إبقاء الذاكرة الجمعية حيّة، مما يسهم في الضغط الدولي لتحقيق العدالة. أمام موجة الانتقادات، قرّرت اللجنة الوطنية للدراما في سوريا إيقاف تصوير المسلسل موقتاً، في خطوة تعكس الاستجابة للضغوط الشعبية والإعلامية.

 

في الوقت نفسه، لم يُحسَم مصير المسلسل نهائياً، إذ يظلّ قرار استئناف تصويره أو إلغائه بالكامل قيد الدراسة. وجاء في بيان اللجنة الوطنية للدراما: "بعد الجدل الذي أثير حول مسلسل قيصر ومشاركة بعض الشخصيات فيه، وما تبعه من رفض واسع من قبل الشارع السوري، وانطلاقاً من التزامنا برأي شعبنا الكريم واحترام تطلعاته، فقد تقرر إيقاف تصوير المسلسل موقتاً حتى يتم تغيير اسمه وإعادة النظر في قائمة المشاركين فيه".

 

ممثلون "مؤيدون"

ولقي المسلسل رفضاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي، حيث انتشرت دعوات تطالب بإيقافه تحت وسم #أوقفوا_مسلسل_قيصر. عبّر الناشطون عن غضبهم من تحويل مأساة إنسانية حقيقية إلى عمل درامي، بينما دافع آخرون عن المسلسل باعتباره وسيلة فعالة لنقل حقيقة الجرائم المرتكبة إلى جمهور أوسع. هذا التباين في الآراء يعكس انقساماً أوسع في المجتمع السوري والمنطقة العربية حول كيفية التعامل مع القضايا الحقوقية في المجال الفني، وحول مدى التزام الدراما بالمعايير الأخلاقية عند تناول الأحداث التاريخية المؤلمة.

 

وفي سياق آخر، أثارت قائمة الممثلين المشاركين في العمل استياء العديد من المعارضين، إذ ضمّت بعض الأسماء المعروفة بتأييدها العلني للنظام السوري السابق. هذا الأمر دفع المنتقدين إلى التشكيك في صدقية العمل، معتبرين أن مشاركة هؤلاء الفنانين تُفرغ المسلسل من مضمونه الحقوقي، وتجعله أقرب إلى إعادة إنتاج الرواية الرسمية للنظام بدلاً من كونه عملاً توثيقياً ينقل معاناة الضحايا بموضوعية.


ختاماً، يظل مسلسل "قيصر" موضوعاً شائكاً يطرح تساؤلات حول دور الدراما في توثيق الأحداث التاريخية المأسوية. فبينما يسعى الفن لكشف الحقيقة وإيصالها إلى الجمهور، يبقى احترام معاناة الضحايا وضمان عدم تشويه الوقائع تحدياً أساسياً. وما حدث مع مسلسل "قيصر" هو مثال واضح لحساسية التعامل مع القضايا الحقوقية في الدراما، وهو جدل يتكرر مع كل عمل يتناول أحداثًا حقيقية ذات طابع مأسوي. لذا، ربما يكون الحل بوضع معايير أخلاقية واضحة لمثل هذه الأعمال، لضمان تحقيق التوازن بين التوثيق الفني واحترام الحقيقة الإنسانية.


العلامات الدالة

الأكثر قراءة

لبنان 10/16/2025 9:40:00 PM
 أكثر من 13 غارة إسرائيلية استهدفت جنوبي لبنان مساء اليوم...
سياسة 10/15/2025 10:23:00 PM
 طارق متري يستنكر تسريب جوازات السفر الخاصة بالوفد السوري الذي زار لبنان أخيراً، واصفاً هذا التصرف بأنه غير مقبول.
سياسة 10/16/2025 12:22:00 PM
وزير الداخلية من برجا: ملتزمون بسط سلطة الدولة وإجراء الانتخابات في موعدها الدستوري
مجتمع 10/16/2025 7:58:00 AM
رُفعت هذه اليافطات على طريق المطار الشهر الماضي إثر قرار الحكومة اللبنانية بحصر السلاح بيد الدولة