ظواهر غريبة في لوحة إبراهيم عامري

ظواهر غريبة في لوحة إبراهيم عامري
اللوحة.
Smaller Bigger

الكثير من الرسّامين يرسمون، ونقرأ مع ألوانهم معاني كثيرة. لكنّ قليلاً من بينهم يرسم مرحلة عبور بلمسة من إبداع، كما فعل الفنّان المغربي إبراهيم عامري، فقد شقّ طريقاً جديداً بريشته إلى أرض الظواهر الغريبة.

أرواح هائمة فوق ارض صاخبة، تبحث عن خلاص وهويّة، فهل جسّد عامري النكبات المختلفة والمتتالية التي تجعل الإنسان ينسلخ عن جذوره، محاولاً العبور إلى غربة مجهولة؟

ذاك الشريط الشائك الحائر بين أرض وفضاء، قسم الّلوحة غربتين: واحدة في وطن، عاش أبطالها في ظروف أجبرتهم على مغادرة المكان الذي ترعرعوا فيه، فطالعتهم حواجر قمع. وأخرى مأمولة لكنّها جبريّة، وقد بان الصخب على الحدّ الفاصل بين الغربتين وانعكست معاناة المرسومين صراعات في نفوسهم.

إشكاليّة اللّوحة في القراءة المزدوجة، فهل رسم عامري غربة وطن يحاول من يعيشها أن يبتعد عنها عنوة، وقد بانت بألوان ثائرة على قماشة اللّوحة، همّا نفسيّاً ووجوديّاً في حياة من عاشها؟ أم قصّة تحرير أرض اصطدمت بدور السّياج الذي يقف بوجه حلم العودة؟ وكانت أحداث الرسم مشوّقة ومرمّزة، بانت في صخب حراك حمّال معارك مستدامة في تحرير الأرض. مهما يكن هدف الرسّام، فقد جعلنا نبحث عن أجوبة منطقيّة لتساؤلات لا مجال للبحث فيها.

تذكّرنا اللّوحة برواية "الإقلاع عكس الزمن" للكاتبة اللّبنانيّة إميلي نصرالله، فالعابرون يرنون إلى أرض ترحل عنها الطيور المهاجرة، لقسوة الطبيعة فيها. فتظهر  على السرب الدهشة التي استمدّها من انخطاف وَلَهِ العابرين. فكيف يدرك العابر سر المحجوب إذا ما انغلق عليه يقين الموت؟

لم تكن الألوان ابتداءً وانتهاءً، فرأت العين بداية في نهاية ونهاية في بداية. لأنّ  عامري جعل القدر يرافق الريشة، ويتدثّر مع الأبد عند غموض الأزل. والدم ينادي على الأرواح، والاستشهاد في سبيل الحرّيّة صلاة ترتجف، عندما سمَت العقول في حضور الحضرة العلويّة.

وتختفي الأجساد في المرحلة الحاسمة، وتسمو الأرواح إلى خالقها، ترتشف الدم كأنّه ماء الحياة الجديدة. وتصافح الغمام بقلوب حميمة. وشمس لا تغيب كشمس منتصف اللّيل، تذرف الدمع رقراقاً، وترتجي هدأة الأرواح الهائمة في مدى النهارات الطويلة. وقد اشرأبت رؤوس البشر، تعتمر الوقت الفاصل بين تحوّل الأجساد من المادّة إلى الروح، بواسطة جسر من نسيج دم ملقى على شريطٍ شائك فَقَدَ أوتاده، عندما اقتلعتها رغبة الانعتاق.

دخلت أشخاص في أعماق الصورة، من دون استئذان الكادر. وتركت على القماش وصيّة الألم بفرح الهروب من المخاض. فتقلّبت الألوان في تفاوتها بسبب مزيج الانفعالات، والمشاعر، والرغبات، والحالات المتفاوتة في معانيها قبل الشريط الفاصل وبعده. فعمل الداخلون خلسة مع الفنّان على التغيير المطّرد للحالات التي تعبّر عنها اللّوحة: قساوة الحياة وحشود لا تسمح بالعودة وقد اندمجت مع المغامرة نحو سماء ليست كأي سماء، وحلم السائرين باتّجاه واحد رسمته فرشاة عامري، عندما غاصت بشعيراتها في حاجاتهم إلى الحرّيّة أو التحرير.

حملت اللّوحة أبعاداً فلسفيّة، ونظرة كونيّة، وفي ألوانها همٌّ وجوديٌّ وبحثٌ عن عدالة في أوطان مجهولة، فرغبة الإجتياز التي عبّرت عنه فرشاة إبراهيم عامري، ارتقت إلى العبور الروحاني، وتكفّلت بنشر الأمل فوق مساحات ممتلئة بالعزيمة.

تخطّت اللّوحة الآلام والأنواء في مشهديتها، وكمنت متعة عبورها من المغرب العربي إلى لبنان بتزيين غلاف كتاب مقالات بعنوان "لولا فسحة الأمل"، لشربل حليم شربل الذي صدر عام ٢٠٢٥.

الأكثر قراءة

كتاب النهار 10/15/2025 4:35:00 PM
إن كانت المشكلة قائمة فعلاً، فليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وكان يجدر بالوزيرين المعنيين معاً، أن يبادرا إلى درس التداعيات قبل اتخاذ قرار مماثل يمكن وصفه بـ"العشوائي"...
لبنان 10/16/2025 9:40:00 PM
 أكثر من 13 غارة إسرائيلية استهدفت جنوبي لبنان مساء اليوم...
سياسة 10/15/2025 10:23:00 PM
 طارق متري يستنكر تسريب جوازات السفر الخاصة بالوفد السوري الذي زار لبنان أخيراً، واصفاً هذا التصرف بأنه غير مقبول.
سياسة 10/16/2025 12:22:00 PM
وزير الداخلية من برجا: ملتزمون بسط سلطة الدولة وإجراء الانتخابات في موعدها الدستوري