الفرنكوفونية تخاطب العربية في أمسية شعرية وموسيقية

تأتي هذه الأمسية تجسيداً فعلياً لشعار الفرنكوفونية الذي ينادي لا بسيطرة الفرنسية على سواها من اللغات كما قد يتصوّر البعض، بل بـ"التعددية الثقافية" في مواجهة هيمنة لغة عالمية واحدة على سائر الثقافات.
وما يجعل من هذه الأمسية الشعرية والموسيقية مناسبة فريدة من نوعها هو موضوعها أولاً، والشخصيات التي ستحييها ثانياً، ومسألة ثالثة نكشفها لكم في نهاية المقال.
أما الموضوع، فيتمثل بقراءة شعرية - باللغتين، العربية بصوت تانيا صالح أولاً، ثم الفرنسية بصوت ندى يافي - لمقتطفات من قصائد نابعة من قطاع غزة، تُرجمت إلى الفرنسية، وصدرت أخيراً في كتاب باللغتين تحت عنوان "فليأتِ موتي بالأمل" عن دار "ليبراليا"، ضمن سلسلة "أوريان 21". وهي قصائد مؤثرة كتب بعضها في الآونة الأخيرة تحت القصف الإسرائيلي والبعض الآخر في فترات مختلفة من العقدين الماضيين، والقاسم المشترك بينها هو الحسّ الإنساني العميق، والتمسّك بالأمل، أمل مكابر يعاند الموت. والعنوان مقتطف من القصيدة الأخيرة للشاعر رفعت العرعير قبل أن يقتل في بداية الحرب الأخيرة.
غلاف كتاب "فليأتِ موتي بالأمل". (دار ليبراليا)
وسوف يلي هذه القراءة مقطع موسيقي تغني فيه تانيا صالح باقة من أغانيها الحاملة لأصداء الأمل والتي تتماهى مع الأوضاع اللبنانية والفلسطينية والمشرقية عموماً.
وتفتتح الأمسية، قبل هذا وذاك، بمقدمة وجيزة عن مفهوم الالتزام في الأدب في كلتا اللغتين.
وأما الشخصيات، فثلاث نساء من فرنسا ولبنان، يجمع بينهنّ الانفتاح على الغير والالتزام بمبادئ إنسانية عالمية عابرة للحدود. أولاهنّ مترجمة القصائد ندى يافي، اللبنانية الأصل، والتي كانت المترجمة الرسمية في اللغة العربية للرئيسين الفرنسيين فرانسوا ميتران وجاك شيراك فكانت صلة الوصل في العلاقات مع رؤساء وملوك المنطقة لفترة طويلة، وأصبحت بعدها ديبلوماسية وصلت إلى منصب السفيرة، وصدر لها أخيراً كتاب "في مناصرة اللغة العربية" (بالفرنسية)، ثم كتاب القصائد المترجمة المشار إليهآ آنفاً، وكلاهما عن دار النشر نفسها.
وأما تانيا صالح، فغنيّة عن التعريف في لبنان، حيث تتبوأ مركزاً مرموقاً في وسط الفن البديل على الساحة اللبنانية. فهي مغنية ومؤلفة وفنانة تشكيلية. لم تكفّ منذ بداياتها عن محاولة التوليف بين شتى الأشكال الفنية، كما أقامت حواراً إبداعياً بين ألوان مختلفة من الموسيقى. صدر لها أخيراً ألبوم أغانٍ للصغار، مصحوب بالأفلام القصيرة (فيديو كليب) وكتاب للتلوين، تحت عنوان "لعب ولاد زغار"، وسوف يصدر لها عما قريب ألبوم من الأغاني للكبار تحت عنوان "قابلة للكسر".
وأما الدكتورة رولا ذبيان، المتخصصة بالأدب الحديث في العالم الفرنكوفوني، فسوف تفتتح الأمسية، وتفتح لنا آفاق الأدب الملتزم الذي يتعدّى حدود فرنسا إلى أقاليم عديدة.
مناسبة نادرة فعلاً، لا من حيث دلالاتها المكثفة وشخصياتها الفريدة فحسب، بل من حيث انفتاحها على عامة الجمهور بإتاحتها الدخول مجاناً، وهو الأمر الجدير بالتنويه في الظروف الاقتصادية القاسية التي يعيشها البلد، والتي أصبحت فيها الثقافة ترفاً تنعم به الأقلية.
لا بدّ لنا هنا من أن نحيّي جهود المركز الفرنسي في انفتاحه على الساحة اللبنانية، وهو الأمر الذي يندرج بشكل طبيعي في التقاليد الفرنسية العريقة التي طالما عهدناها في الماضي.