نشيد العبور في لوحة "كشف الغد" لشوقي شمعون

نشيد العبور في لوحة "كشف الغد" لشوقي شمعون
لوحة "كشف الغد".
Smaller Bigger
لم يطارد شوقي شمعون الصُدفة ليرسمها، بل وجدها على قارعة الحياة بعد أن انتبهت إلى ريشته، واكتشفت ألوان هذه الريشة الماورائيّة، فرجته أن يرسم نقيضها لتظهر حقيقتها.

أراد شمعون أن يخلّد اللحظة الكونيّة، فأزاح ستار مسرح الحاضر، وأعطى المدى لون الغموض المشرق. وكانت إشارته واضحة إلى معاني إيجابيّات وسلبيّات الماضي الذي تخطّته شخصيّات اللوحة.

حكاية اللّوحة ليست في ستار ومدى وألوان، بل في حلم شبيه بالبرزخ، انحشر فيه الزمن. ممّا أثار في عقل الناظر إليها تساؤلاً عن سرّ امتلاء فناء المسرح برغبة كشف الغد، الساكنة خلف أبواب المجهول التي لم توصد.

جوهر الحكاية سيطر على شخوص اللّوحة، فلم يكن يليق العبور من هذا العالم إلّا بالخاشعين. فالمرسومون، كأنّهم على يقين، بأن الدعاء والصراخ انتهى مفعولهما في هذه المرحلة. فكان حجم كلٍّ منهم ضئيلاً جداً، تعبيراً عن اتّساع المكان المستقبليّ. وتجلّى أمامهم الإيقاع الواضح لينشدوا نشيد العبور.

تلك الخربشات المنتظمة في ثلاثيّة الضوء، كأنّها قسم من سلّم موسيقيّ سقط من علٍ، أو ارتفع من سماء ثانية علت القسم السفلي من الأرض المستديرة. ذاك السلّم الذي عمل على تغيير مهام الحواس، فجعل الآذان ترى "نوتاته" لانشغال الأعين في الاستماع إلى الضياء. فلا النور صمّ الآذان، ولا صراخ "فوتونات" الضوء أبهر العيون. وكان انسجام بين النظر والسماع، بانتظار مساحة أكبر للرقص، تحت ضوء صادر من شمس خارج مجرة درب التبّان، لحظة اتّساع الفضاء إلى مداه الأوسع، بعد أن يُزاح كامل الستار.

لهذه المسرحيّة شخوص خفيّة، شتّتت الذهن وحصرته ضمن فسحة الضوء. فالذي يزيح الستائر، والظاهر طيفه وراء الستار الرماديّ اللون، تقصّد الإبطاء بعمله كي لا يبهر سطوع الحقائق إدراك المنتظرين. فبعد العبور المرتقب سيقف كلٌّ منهم أمام  حقيقته.

جعل شوقي شمعون من مناظر هذا الفصل من الحياة الذي رسمه، الكلمة الأولى المخفيّة في ظلال النور البعيد خارج إطار اللّوحة. فلم يضلّل الناظرين، بل أرشدهم السَنَا بمجرّد رفع قسم صغير من الستارة. وقد عبّر من خلال هذه الفتحة عن جميع العناصر الناقلة للمعلومات دفعة واحدة، ولم يترك غامضاً عن قصد. وأهم العناصر التي نقلها إلى الناظر هي:
_ نوع المكان الخياليّ الواسع وسع الفضاء المضاء، ومقارنته مع حجم الأشخاص.
_ الوقت المبهم، فلا يستطيع المنظر أن يعبّر عن إي وقت من النهار، أو أي فصل من السنة، لأنّ حالة العبور دائمة. وقد وضع هذا الجو جميع الوقائع في ميزان تحمله ملائكة ذابت مع النور.
_ جمال المنظر، من المفروض أن تلتذ العين لرؤية المنظر، وإذا تطلّبت الجمال لزم أن تكون اللّوحة جميلة. لكن هنا في لوحة "كشف الغد" كان المنظر الخلّاب خطراً، لأنّه أشغل الأنظار، فأبعد الانتباه عن رحلة العابرين التي جسّدتها الرسمة.

لم تعاتب الصُدفة الرسّام، لأنّ أرق النبوءة، ويقظة الملائكة في فسحة الوحي، وارتياب العابرين ممكن أن تكون عرَضاً. لكن جرأة الشموس الواضحة ليست مصادفة، لأنّه لا ظلال للأشخاص التي تنتظر العبور، فالظل خجل الشمس.

الأكثر قراءة

كتاب النهار 10/15/2025 4:35:00 PM
إن كانت المشكلة قائمة فعلاً، فليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وكان يجدر بالوزيرين المعنيين معاً، أن يبادرا إلى درس التداعيات قبل اتخاذ قرار مماثل يمكن وصفه بـ"العشوائي"...
لبنان 10/16/2025 9:40:00 PM
 أكثر من 13 غارة إسرائيلية استهدفت جنوبي لبنان مساء اليوم...
سياسة 10/15/2025 10:23:00 PM
 طارق متري يستنكر تسريب جوازات السفر الخاصة بالوفد السوري الذي زار لبنان أخيراً، واصفاً هذا التصرف بأنه غير مقبول.
سياسة 10/16/2025 12:22:00 PM
وزير الداخلية من برجا: ملتزمون بسط سلطة الدولة وإجراء الانتخابات في موعدها الدستوري